بنفسج

رمضان "السوشال ميديا": مفاتيح خير أم شر؟

الخميس 27 فبراير

في كل عام، ومع اقتراب شهر رمضان المبارك، تتحوّل وسائل التواصل الاجتماعي إلى ساحةٍ لعرض التجهيزات الرمضانية، ما بين أفكارٍ للديكور والتزيين، ووصفاتٍ للإفطار والسحور، وإعلاناتٍ للمنتجات والأزياء والعبايات وغيرها.

رغم أنها أفكار جميلة وملهِمة للتطبيق، لكن، في خِضَم هذا الزخم، يظهر جانب آخر للقصة، ألا تتفقون معي بأن هذا التعرّض الهائل واليومي لكل هذا المحتوى المتدفِّق يرفع من سقف التوقعات والتطلعات، مّا يجعلنا نشعر بالنقص أو التقصير أو عدم الرضا، مقارنةً بما نراه على مواقع التواصل الاجتماعي؟

ألا يخلق هذا المحتوى نوعًا من المنافسة غير العادلة وغير المعقولة ولا المنطقية، فيزيد من الشعور بالضغط الاجتماعي والقلق والسعي المستمر لمحاكاة كل ما نراه وتقليده بصورة مطابقة مثالية؟ إذًا كيف يمكننا الاستفادة من الجوانب الإيجابية لمواقع التواصل الاجتماعي لكن دون التأثر بسلبياتها والصورة المثالية الزائفة التي تفرضها علينا وتعرضها لنا؟

أولًا: استخدمي السوشيال ميديا بوعي

السوشال ميديا.jpg

كوني على يقين بأن ما نراه على هذه المنصات ليس بالضرورة أن يكون انعكاسًا حقيقيًا لحياة الآخرين، فهذه الصورة هي جزء من الثانية من حياةٍ بأكملها، فمن نشر ، اختار توثيق هذه اللحظة المثالية وعرض هذه الصورة التي صُورت بعناية فائقة مع استخدام مؤثرات بصرية غالبًا، وإضاءة احترافية، بل وحتى لمسات ببرامج التعديل ليجعل كل شيء يبدو مثاليًا أكثر مما هو عليه في الحقيقة.

لذلك نصيحتي لك: اعرفي من تتابعين ولماذا تتابعين، راقبي نفسك إذا كانت بعض الحسابات تسبب لكِ الشعور بعدم الكفاية أو تدفعكِ للمقارنة السلبية، فتوقفي عن متابعتها وابحثي عن بدائل أو صفحات أقرب للواقع وللحياة عامة.


اقرأ أيضًا: "انفلونسرز": كيف أصبحت حياتنا بعد دخول مشهورات "السوشال ميديا"؟


وتأملي معي جمال الحديث النبوي عن أبي هريرة - رضي الله عنه – قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ليس الغنى عن كثرة العَرَض ولكن الغنى غنى النفس]. العرض هو متاع الدنيا، ومعنى الحديث: أن الغنى الحقيقي المحمود هو غنى النفس وشبعها وقلة حرصها، وعدم تطلعها وطمعها، أما كثرة المال بدون الرضا بالحال ولا القناعة، ومع المقارنة بحال الآخرين وحياتهم، فهذا هو الفقر بعينه بل وعين الشقاء.. فمن لم يستغني بما معه فليس له غنى.

ثانيًا: الاستفادة من الأفكار بذكاء ومرونة

هناك فرق كبير بين الاستلهام وبين التقليد الأعمى، فعندما تعجبك فكرة لسفرة إفطار مثلًا أو ديكور رمضاني، لا تحاولي تطبيق ذلك بنسخة طبق الأصل تمامًا كما هو، بل استفيدي من الأفكار المعروضة ونفذيها بما يتناسب مع ظروفك ومقدرتك وهكذا تتجنبي الشعور بالضغط أو الإحباط.

ثالثًا: ليكن لديك وعي استهلاكي 

الوعي الاستهلاكي.jpg

شهر رمضان شهر مبارك يدعونا إلى الزهد والتوازن وإحياء القيم الروحية، لكن وعلى العكس في هذا الشهر الفضيل يُروج بشكل مكثّف لكل ما هو استهلاكي حد الإسراف والتبذير. يقول الله تعالى: ﴿يا بَني آدَمَ خُذوا زينَتَكُم عِندَ كُلِّ مَسجِدٍ وَكُلوا وَاشرَبوا وَلا تُسرِفوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ المُسرِفينَ﴾ [الأعراف: ٣١].

قبل أن تجذبك زحمة الأسواق وكثرة العروض، وقبل خروج من منزلك، خططي بذكاء ووضوح واكتبي قائمة مشتريات باحتياجاتك والتزمي بها لتتجنبي الشراء العشوائي، ودائمًا قبل شراء أي شيء اسألي نفسك: هل أنا بحاجة له بالفعل أم أنه مجرد رغبة بالشراء لتحقيق شعور داخلي معيّن أو تقليد أحدٍ ما؟

رابعًا: التركيز على تجربتك الخاصة

هناك حكمة تقول: "إذا قارنت نفسك بالآخرين، قد تصبحين إما مغرورًا أو محبطة، لأن هناك دائمًا من هو أفضل أو أسوأ منك." لذلك احذري من الوقوع في فخ المقارنة الذي سيسرق منك روحانية الشهر الفضيل ويأخذك من رغبة إلى أخرى بلا نهاية، استمتعي بتجربتك الشخصية في رمضان وتخلّي عن المثالية والسعي إلى الكمال، فلا يوجد شكل واحد يجب أن يتبعه الجميع، عيشي الشهر الفضيل بما يجعلك تشعرين بالرضا والراحة والسعادة، لكن ليس وفقًا لما يفرضه عليك التيار العام في السوشيال ميديا أو حتى السائد في المجتمع.

خامسًا: التركيز على القيم الروحية

القيم الروحانية.jpg

دعينا نعود إلى إحياء المعاني الحقيقية لشهر رمضان ونعيش جوهره فرمضان أكثر من مجرد سفرة شهية أو زينة برّاقة أو أزياء أنيقة أو سهرات سحور صاخبة، جميل ذلك كله، لكن نصيحتي لك إذا كانت هذه المظاهر تسرق منك بركة رمضان، نفحاته، أنواره، طاعاته، وروحانيته، فتخلّي عنها بلا تردد.

لا تجعلي انشغالك بالقشور يحرمك من الجواهر الحقيقية، فرمضان كما قال تعالى: ﴿أَيّامًا مَعدوداتٍ﴾ [البقرة: ١٨٤]، والفائز من أحسن اغتنام هذه الأيام التي سرعان ما تنقضي. في الختام.. السوشيال ميديا سلاح ذو حدين يمكن أن تكون مصدرًا يلهمك أو عامل إضافي للضغط عليك فيزيد إرهاقك وتوترك وسط كل مهامك ومشاغلك.


اقرأ أيضًا: أمهات عصر "السوشال ميديا": وهم النجاحات العابرة للسياق


لذلك استخدميها بوعي واختاري متابعة المحتوى الذي يثري حياتك ويحل مشاكلك ويمنحك شعورًا بالهدوء والسكينة، بدلًا من المحتوى الذي يستهلك طاقتك ويوقعك في دوامة من المقارنات والشعور بالنقص. وتذكري أن السعادة الحقيقية تكمن في العيش بسلام وقناعة ورضا وامتنان واستشعار عظيم فضل الله عليك ونعمه التي لا تعد ولا تحصى، والتي غالبًا ما نعتاد عليها فنغفل عن شكرها..

وخير سبيل إلى ذلك هو تطبيق المنهج النبوي بهذا الشأن، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله».