يقولون عنها "أم المحتاجين والمساكين"، شخصية قيادية لها كاريزما جذابة، تجود بحنانها على كل من حولها، بكينها الأسيرات المحررات لحظة الفراق، أردن أن تسبقهن إلى أبواب الحرية. الأسيرة آية الخطيب أم لطفلين، من قرية عرعرة في الداخل المحتل، اعتقلها الاحتلال في عام 2020 بتهمة "تمويل الإرهاب.. ودعم غزة"، وفي 2023 حكمت عليها المحكمة بالسجن لمدة 4 سنوات.
ولمعرفة أحوال آية ووضعها في الأسر ونفسيتها ومعنوياتها، حاورنا الأسيرات المحررات شهد عصافرة ورولا حسنين وسجى معدي وبراءة فقهاء، وهن من الأسيرات اللاتي رافقنها في الأقسام في سجن الدامون. تحدثن عن آية الخطيب وعلاقتهن بالأسيرات داخل السجون، عن أمنياتها، ومسؤوليتها تجاه الأسيرات داخل السجون.
قلن عن "آية الخطيب"
بمجرد ذكر اسم آية للأسيرات المحررات يبتسمن بشكل تلقائي، وهن يذكرن صوتها الحنون وهي تحدثهن عن أحلامها خارج أسوار السجن، تقول الأسيرة المحررة رولا حسنين: "آية شخصيتها قوية وهي مرجعية في السجن لكثير من قرارات الأسيرات، لديها وجهة نظر في كثير من الأمور، وعلى الرغم من تعرضها للتنكيل من إدارة السجون إلا أنها كانت ثابتة على مواقفها، كما أنها تعرف اللغة العبرية بشكل ممتاز ما سهل فهمها لما يدور حولها في إدارة السجن".
لم تكن آية تفكر في نفسها فحسب بل كان شغلها الشاغل رفيقاتها الأسيرات، تخفي حزنها وهمومها لأجلهن، إذ كانت تشتري من كانتينة السجن حاجيات للأسيرات على حسابها الشخصي، وترفض أن ينقص عليهن أي شيء، وكانت توصي: "احكوا لزوجي يعبيلي الكانتينة منيح لحتى ما يكون في شي ناقص على بناتي الأسيرات".
كانت رفيقة لرولا أحيانًا خلال وقت المشي بالفورة، تبث شوقها لأطفالها محمد الفاتح وعبد الرحمن، تضيف رولا لبنفسج: "في إحدى المرات فوجئت آية بشكل أطفالها الذي تغير فقد كبروا خلال غيابها كثيرًا، فأخبرتني أنها تود العودة إلى البيت لتعوض أبناءها عن سنين الفراق، وتعيش الحرية وتسافر وتجوب العالم وترى الثقافات المختلفة".
اقرأ أيضًا: الأسيرة المحررة زينة بربر: ابنة القدس المهددة بالإبعاد
من الأسيرات المقربات للأسيرة آية الخطيب، الأسيرة المحررة شهد عصافرة، سألناها عنها، فقالت: "آية من أروع الشخصيات التي قابلتها في حياتي، حكيمة واعية، لديها ثبات انفعالي يُدرس، كانت تخبرنا أننا في مقام بناتها فتنصحنا وتوعينا لأمور كثيرة".
الأسيرات داخل السجون كن يمررن بلحظات انكسار وفتور وضعف، يبكين أحيانًا، فكانت آية الحضن الحنون لهن، لا تظهر حزنها لكنهن يشعرن بها، وحين كانت تخبرهن عن أطفالها يظهر اشتياقها على وجهها، تضيف شهد: "هي أم وهبت حياتها لأولادها، مربياهم بشكل حلو، أنا شخصيًا بحبها كتير وبحب هدؤءها وأمومتها النا".
"آية العطاء، الأُم الحنون، بلسم الجراح، جابرة القلوب، آية الصابرة المحتسبة والمصبّرة لغيرها، التي أشقاها طول الاعتقال والبعد عن أطفالها، لكن لم ينل من عزيمتها شيئاً والله شهيدٌ على ذلك، حرمت من صغارها لأنها ساعدت المرضى، ودفعت الأثمان نتيجة لعطائها، لكن العطاء عندها لا ينضب، فكانت بكلماتها الطيبة تخفف عنا ثقل السجن".
أما الأسيرة المحررة سجى معدي تقول عن آية: "آية العطاء، الأُم الحنون، بلسم الجراح، جابرة القلوب، آية الصابرة المحتسبة والمصبّرة لغيرها، التي أشقاها طول الاعتقال والبعد عن أطفالها، لكن لم ينل من عزيمتها شيئاً والله شهيدٌ على ذلك، حرمت من صغارها لأنها ساعدت المرضى، ودفعت الأثمان نتيجة لعطائها، لكن العطاء عندها لا ينضب، فكانت بكلماتها الطيبة تخفف عنا ثقل السجن".
تكمل سجى: "آية ليست زاهدة في حريتها، بل دائمة التوق إليها، فهي أم لطفلين، وتبقّى من حكمها عامين، لكنها كانت في غاية التسليم والتوكل على الله، بلا تسخط أو تبرم، رغم أن أوضاع السجن ترهق الروح وتفتت الأعصاب".
أما براءة فقهاء تقول: "آية الشخصية الحكيمة المتزنة، صابرة ومتماسكة رغم صعوبة ظروفها، أذكرها يوم تحررنا في الصفقة خرجت من عندها آخر واحدة، وعز علي أن أتركها هي وشاتيلا أبو عيادة، قالت يومها: "ما تقلقوا علينا إحنا قويات لو شو ما صار رح نروح اليوم أو بكرا".
"آية الخطيب": أم المساكين
حظيت آية بزوج داعم كان يفعل كل ما يلزم لبث الفرحة في قلبها، في إحدى الأعياد طبع عمر عقل، رفقة أطفاله، بلالين كتب عليها "ماما اشتقنالك" و"الحرية لك ماما" لتملأ فضاء سجن الدامون، وفي مرات ثانية كان يطبع صور الصغار على البلايز لتراها آية. يقول زوجها: "يوم أن طارت البالونات صباح العيد، تحدثت معها عبر الإذاعة وقتها، وعرضت الصور على قناة فلسطين لتراه مرة أخرى، لأسعد أنا باللفتة التي أدخلت السرور إلى قلبها".
عُرفت آية الخطيب بقلبها الحنون الذي حمل هموم الأطفال المرضى من غزة والضفة الغربية، فقررت أن تهب نفسها للعمل الخيري، تجمع التبرعات لأجلهم ولأجل كل محتاج، فكان لها حضور لافت في مساعدة المحتاجين، يثق فيها الجميع، ويساعدونها بحب ورضى، اعتقلها الاحتلال بزعم نشاطها في العمل الخيري وبمبادرة "فكر بغيرك"، مدعيًا بالقول: "تمويل الإرهاب".
قبل صدور حكم آية الخطيب الذي يقضي بالسجن لمدة 4 أعوام، قضت عامًا وشهرين في السجن أولًا ثم حولت إلى الحبس المنزلي ووضع سوار إلكتروني في قدمها، في قرية بسمة طبعون، ثم نُقلت لقضاء الحبس في قرية زلفة، وأخيرًا في منزلها في قرية عرعرة لتقضي ما مدته عامين وثلاثة أشهر، ثم عادت إلى السجن وسلمت نفسها في 2 أيلول/ سبتمبر 2023، ولم تحتسب لها سلطات الاحتلال مدة الحبس المنزلي ضمن الحكم الجديد.
شوق للقاء قريب
ولم تنفك سلطات الاحتلال عن التضييق عليها، مؤخرًا وتحديدًا في أيار/ مايو 2024 قدمت وزارة الصحة الإسرائيلية طلبًا إلى المحكمة، لسحب رخصة مزاولة المهنة من آية، التي كانت تعمل في مجال معالجة النطق والسمع عند الأطفال، وما زالت القضية قائمة في المحكمة، فيما تولت مؤسسة الميزان لحقوق الإنسان الدفاع عنها.
منذ السابع من أكتوبر 2023 مُنعت عائلة آية الخطيب من زيارتها، ففي إحدى المرات التقوا بها عبر تطبيق "زوم" في قاعة المحكمة، وبكى ابنها عبد الرحمن وهو الذي اشتاق لرؤيتها، يقول محمد الفاتح: "لم نسمع صوتها بسبب خلل في "زوم" لكننا شاهدناها وتحدثنا بالإشارات لدقائق".
يتخيل الطفلان لحظة تحرر والدتهم، ليفعلا كل ما حُرموا منه خلال السنوات الماضية، سيزينون البيت لاستقبالها، ويشترون الكعكة لأجلها، وسيحضرون قائمة الأماكن التي سيذهبون لها سويًا، وستحكي لهم قصص الأنبياء قبل النوم كما كانت تفعل. وما زال الصغار يتابعون أخبار صفقة الأسرى ليروا اسم والدتهم في قوائم المحررين ليجهزوا أنشودة "زينوا ساحات الدار".