عندما كنا أطفالًا، أو حتى في كبرنا، نقول بحسن نية عند التعرض لحدث ما: "والله بموِّت من الخوف" كبرنا وعرفنا أن المرء حقًا يموت من خوفه، يعلن قلبه التوقف بسكتة قلبية ليصمت عن النبض للأبد. في فلسطين نموت من الخوف يوميًا ولكن القلب ما زال ينبض، يقاتل ليحيا، ولكنه مرتجف ينتظر منأين اتجاه سُيقتل، يفكر في طريقة موته كيف ستكون! فينهك حتى يعطب القلب، ليتوقف فجأة.
وسكت القلب
هذه الشابة منار مطير (28 عامًا) ممرضة فلسطينية، درست التمريض في جامعة الخليل، وتعمل في مشفى حلول، تدواي وتطبطب الجراح، تزوجت في عام 2022 من زميلها محمد الزعاقيق، وتوج حبهما بطفلة اسموها ليا لم تبلغ عامها الأول بعد.
في أحد الصباحات الدافئة استغلت منار بزوغ الشمس ولطافة الجو، لتقول لزوجها سأذهب للمبيت عند بيت أهلي وغدًا سأعود، تحمست وركبت سيارتها بلونها الجذاب متجهة إلى بيت العائلة، تحمل حواديت الأيام الماضية لتحكيها لأهلها، وتحفظ مشاكسات طفلتها لترددها على مسامعهم لتسمع: "كبرت البنوتة".
"مرتك بالمشفى وهي ليا"
لكن اصطدمت سيارة منار فجأة بالحجارة الإسمنيتية التي يضعها الجيش الإسرائيلي كحاجز قرب بلدة حلحول شمال الخليل، خوفًا من الجنود الإسرائيليين؛ فتوقف قلبها ودخل في سبات عميق، أمام عيني الصغيرة التي أُعيدت إلى والدها وحدها، بينما هو اصطدم بالخبر، ليذهب إلى المشفى ليجدها في العناية المركزة ما بين الحياة والموت، لترحل بعد أيام لبارئها.
كان لدى منار أحلامًا وأمنيات، تخططها رفقة زوجها، طلبت من سيارة فقال لها: "بترخصلك". فسعدت بها وبحنان الزوج الذي لا يرفض ما تريد، انقلبت الحياة فجأة لينعاها زوجها المكلوم فكتب: "1025 يوم عشناهم مع بعض، 24600 ساعة، 1467000 دقيقة، عشناهم مع بعض، من أول لقاء 25\6\2022 ملتقانا الجنة إن شاء الله".
لحظة رعب واحدة أودت بحياة شابة في العشرينيات من العمر، يقلتنا الاحتلال الإسرائيلي بشتى الطرق، قصفًا، وحرقًا، وجوعًا، وقهرًا، لم تكن منار الأولى ولن تكون الأخيرة التي تموت مرتجفة خائفة، نسأل الله الأمن لقلوب الفلسطينيين في كل بقاع الأرض.