تؤكد صحافيات ومراسلات ومؤرشفات بنفسج في كل مقابلة أو حوار يجرينه مع الأسيرات أو ذويهن وأقاربهن وأصدقائهن ومن حولهن بأنهن يثبتن رواياتهن وحكايتهن في رحلة الأسر منذ لحظة الاعتقال الأولى ومرحلة التحقيق والتعذيب والتنكيل التي يختبرنها. من الأسيرات من تحررن ومنهن من لا يزلن خلف القضبان فنقابل أهلهن لمعرفة ظروف اعتقالهن وخصوصيتها.
وفي هذا الحوار الذي أجريناه مع والدة الأسيرة تسنيم عودة، أم محمد، وجهنا لها أسئلة عن ابنتها تسنيم وعن حالتها وظروف اعتقالها وتهمتها في خصوصية وضعها لأنها من القدس أولًا ولأنها ابنة شهيد ومعتقل سابق ثانيًا، ويهددها الاعتقال بالإبعاد أيضًا. إذ يمعن الاحتلال في الضغط على أهالي القدس ولا يتردد في توجيه التهم الباطلة وإلحاق الظلم بهم.
تسنيم معيلة الأسرة
تقول الأم "ابنتي تسنيم عودة من القدس, سكان مخيم شعفاط، طالبة في جامعة أبوديس "القدس", تخصص القانون،اعتقلت في 12/12/2024. تتحمل تسنيم مسؤولية إعالة الأسرة بعد استشهاد والدها قبل سنوات، إذ كانت تسنيم تقوم بإيصال طلبة الروضات والمدارس إلى منازلهم بمقابل مادي، وعلى سبيل التنكيل والظلم والتعسف، تعرضت لها قوات الاحتلال وتتبعت سيارتها واعتقلتها.
كانت تسنيم في حالة من الذعر والخوف من هول المشهد". تواصل مع والدة تسنيم ضابط المخابرات وأبلغها بقرار اعتقال ابنتها، وسألت بصدمة ماذا فعلت تسنيم، ما سبب اعتقالها؟ ولماذا؟ عملها هو إيصال الطلبة إلى منازلهم، وليس لها صلة بأي نشاط آخر. سمحوا لها بالكلام مع والدتها، وكانت تسنيم في حالة انهيار وقالت لوالدتها "يا أمي ما عملت إشي ليش بدهم يوخذوني ما سويت إشي"، هدأتها والدتها وأنه فعلا لم تفعلي شيئًا وسأتابع معك وكوني قوية.
التهمة: نشر صورة والدها الشهيد
عرضت تسنيم على المحكمة بعد يوم واحد من اعتقالها، وخضعت لتحقيق طويل مدته شهر في أقبية تحقيق المسكوبية سيئة السمعة. وكانت تعرض على المحكمة كل يومين إلى ثلاثة أيام يتخللها جولات تحقيق، وموضوع التحقيق هو التحريض على منصات التواصل الاجتماعي، ولكن الحقيقة التي أوضحتها والدتها، أن تسنيم نشرت صورًا لوالدها الشهيد الذي استشهد بعد عملية استشهادية قبل سنوات.
وأوضحت عن تعلقها به وأن نشرها لذلك يكون بدافع الاشتياق والحنين الطبيعي من ابنة لوالدها الغائب، لكن الاحتلال اعتبر ذلك دعمًا للعمل الإرهابي ضدهم.. والحقيقة التي ذكرتها الوالدة عن استشهاد زوجها والد تسنيم أن ما يعرفونه عن والدهم أنه ذهب ولم يعد، لم يستلموا أية دلالات على استشهاده، وهذا ما يزيد من حرقة الحنين ويفتح فسحة للأمل بلقاء طال انتظاره. وقد استشهد والد تسنيم بتاريخ 30/10/2022.
اقرأ أيضًا: الأسيرة شهد حسن: ريحانة الدار اُعتقلت صائمة
أما عن تسنيم ودورها في العائلة والمنزل، فلتسنيم دور مهم وأساسي ويُعتمد عليها في جزء كبير من إعالة الأسرة ومصاريف المنزل، وهي صاحبة مسؤولية تجاه أخوتها ودراستهم، وكل ذلك تزامنا مع كونها طالبة جامعية. وقالت والدتها إن ما أوجع تسنيم في اعتقالها هو العائلة وهمّ المصاريف، وكانت تسأل كيف تركت أمي لوحدها، ومن سيساعدها.
وكانت تنظر لها في المحكمة وتسأل عن والدتها كيف تدير أمور المنزل وكيف تصرف على المنزل دون مساعدتها، ورغم أن والدتها كانت تحاول رفض مساعدة تسنيم وتحثها على الاهتمام بدراستها كانت تسنيم تصر على التخفيف عن العائلة، وتعد والدتها أنها ستبقى مستمرة في دراستها وتحقيق حلمها وحلم والدها بدراسة القانون حتى تدفع الظلم عن المظلومين والأسرى, إذ أن والدها كان أسيرًا لأكثر من 11 عامًا قبل الاستشهاد، وذكرت والدتها تفاصيل من طفولة تسنيم، فهي كانت دائما تدافع عن أخوتها أمام أمها ووالدها، وكان والدها يقول لها أنت محامية دفاع رح تطلعي بس!
"إبعاد مدى الحياة"
تقول الأم: "أنا معنية بطمأنة تسنيم خلال زيارات المحامي دائما، وأقول لها أنني أصرف على المنزل وأنني أخذت مكانك في توصيل أطفال الروضة إلى منازلهم وأنني قوية بفضل الله. ونوهت الوالدة أنها لم تكن تحمل رخصة السياقة وعملت واجتهدت حتى حصلت عليها لتعمل مكان تسنيم وتكمل في إعالة العائلة، وهذا من الوفاء لتسنيم، فهي كانت متعلقة بالأطفال وهم كذلك، ودائما يسألون والدتها عنها، ويقول عنها أهل المنطقة أنها كالنسمة من رقتها ورقيها..
في فترة الهدنة بداية العام الجاري، كانت والدة تسنيم تترقب اسم ابنتها في الصفقة وتنتظرها على أحر من الجمر، حتى أنها قرأت اسمها في إحدى القوائم التي نشرت على منصات التواصل الاجتماعي، وكانوا فقط بانتظار اتصال يبلغهم بالإفراج، لكن اليوم مر ولم تخرج تسنيم من السجن، وبقيت برفقة 10 أسيرات في حينها لوحدهن..
لكنها استقبلت ذلك بالرضى، وقالت إن تجربتها باستشهاد زوجها جعلتها امرأة قوية قادرة على تجاوز كل المصاعب والظروف القاهرة، لكن بعد ابنتها عنها مؤلم إلى حد كبير ولكنها راضية.
اقرأ أيضًا: أم الشهداء.. "حنين جابر" تجابة السجن والسرطان
بخصوص الأخبار التي تداولت خبر إبعادها عن القدس والداخل المحتل مدى الحياة، أوضحت الأم أنها تسمع ما يسمعه الناس عبر الإعلام، وذلك ما يزيد من قلقها تجاه ابنتها وأمرها، وأوضحت أنها سلمت الموضوع للمحامي حتى يقوم بمتابعته، وأنهم قدموا طلب رفض لهذا القرار وأن الإجراءات القانونية تسير، لكنهم لا يتوقعون أي نتيجة واضحة.
وقالت إنهم قاموا بتوقيعها على ورقة تتضمن نية الإبعاد عن القدس والداخل، ولم يكن المحامي ولا الأهل على علم بهذه الورقة ووجودها إلا بعد زيارة محامي لها إبلاغه بأنها قامت بالتوقيع, لكن حتى الآن الإجراءات غير واضحة..تتأمل العائلة والأم بوجود صفقة تشمل الأسيرات وتفرج عنهن، وبذلك تسقط كل القرارات المتخذة تجاهها.
وأوضحت الأم أنهم يتعرضون إلى ضغوط شديدة وظروف صعبة وغير مفهومة لأنهم من القدس، فالإجراءات عليهم تكون مشددة وأعين الاحتلال تترقبهم وتترقب أي تصرف منهم تجاه ابنتهم، ما يجعلها حذرة من التعامل مع المنصات الإعلامية إلا الموثوقة منها.