تُعد عبارة "وعند الله تلتقي الخصوم" من أعمق العبارات التي تختصر مفهوم العدل الإلهي، فهي تذكير دائم بأن الدنيا دار عمل وظلمها محتمل، بينما الآخرة دار عدل وحساب لا يضيع فيها حق ولا يُترك فيها مظلوم.
حين نتأمل معنى الأبيات التي نظمها أبو العتاهية: أما والله إن الظلم لؤم ... وما زال المسيء هو الظلوم إلى ديان يوم الدين نمضي ... وعند الله تجتمع الخصوم.. ستعلم في الحساب إذا التقينا ... غدا عند الإله من الملوم.
عندما يعيش المظلوم تحت وطأة القهر، قد يشعر أحيانًا أن الدنيا ضاقت به ولم يعد هناك باب للإنصاف، يشعر أنه ينظر إلى الدنيا من ثقب إبرة، وعند الله تلتقي الخصوم لتنصف القلب المقهور فالحق لن يضيع.
ندرك أن العبارة تشير إلى اليوم الذي يقف فيه كل إنسان بين يدي الله عز وجل، فيُسأل عن كل ما قدمه في حياته من خير أو شر. الخصوم هنا ليسوا فقط أولئك الذين تخاصموا في المحاكم أو في الدنيا، بل كل من تعدى على حق غيره ولو بكلمة أو ظلم بسيط. فالعدل البشري قد يغفل أو يجور أحيانًا، أما عدل الله فلا يغيب لحظة واحدة.
عندما يعيش المظلوم تحت وطأة القهر، قد يشعر أحيانًا أن الدنيا ضاقت به ولم يعد هناك باب للإنصاف، يشعر أنه ينظر إلى الدنيا من ثقب إبرة، وعند الله تلتقي الخصوم لتنصف القلب المقهور فالحق لن يضيع.
وفي المقابل، يجد الظالم في هذه الكلمات وعيدًا واضحًا، فهي تضعه أمام مرآة الحقيقة التي قد يغفل عنها في زحمة الدنيا، ربما يستطيع أن يتهرّب من القوانين أو يخفي جرائمه عن الناس، لكنه لا يستطيع أن يُفلت من الحساب عند الله. هذا الشعور ربما يردعه، وربما لا لكن العقاب آت عن الحي الذي لا يموت.
اقرأ أيضًا: عند الله تجتمع الخصوم
يُقال أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان معروفًا بعدله الشديد، حتى مع خصومه. ففي إحدى المرات، جاءه رجل يشتكي ظلمًا وقع عليه من شخص آخر، فتصرف علي رضي الله عنه بعدل، وأعاد الحق إلى صاحبه. لكن الغريب أنه بعد أيام، ظهر نفس الشخص الذي ظلم وأقرّ بما فعله، وقال: "لو لم يكن علي ينصف الناس، لكنت أتمادي في ظلمي".
هذه الحادثة تعكس المعنى العملي للعبارة "وعند الله تلتقي الخصوم"، فحتى في حياة البشر، العدالة تظل مبدأً حيًا يردع الظالم ويطمئن المظلوم، أما الحساب النهائي والعدل المطلق فهو عند الله سبحانه وتعالى، الذي لا يضيع حق أحد.
"وعند الله تلتقي الخصوم" ليست مجرد عبارة، بل هي مبدأ إيماني عظيم يدعم سلوك الفرد ويقوّي أواصر المجتمع. فهي تسلّي المظلوم وتردع الظالم وتزرع في النفوس يقينًا بأن الله تعالى قال: "وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا"، هذه العبارة تذكرنا دومًا أن الدنيا زائلة وأن الآخرة دار العدل الحق، إذ تُرد المظالم ويأخذ كل ذي حق حقه.