بنفسج

إمك "عــ الفيسبوك"

الخميس 18 يونيو

دخلت أم حسن عامها الثامن والأربعين حديثاً، لطالما كانت تعاند أبناءها متشبثة برأيها: "بلا قلة عقل.. قال فيس بوك قال؛ كل واحد عايش في عالمه". والغريب أنها غيرّت رأيها حين جربت؛ حتى أنها أصبحت ممتنة لأولادها بإنشاء حسابٍ لها.

 صبر وافر أبداه أبناؤها إزاء أسئلتها التي لا تنتهي: "كيف أضع منشورا مع صورة؟، كيف أنضم لمجموعة، وإن لم تعجبني كيف أنسحب منها؟، كيف أكتب تعليقاً؟ كيف أوقف الإشعارات الخاصة بمنشور معين؟ " وغيرها. وفي كل مرة تسأل؛ يبتسم بشقاوة أحد أبنائها المشاغبين؛ ويبادر إلى الإمساك بهاتفها لتنفيذ المهمة المطلوبة؛ قائلاً: "بس هيك يمّة". أما هي فتنهره غاضبة: "أخبرني يا ولد كيف تفعلها... أريد أن أتعلم"؛ هذه المناوشة المضحكة تتكرر كل يوم.

أم حسن؛ واحدة من الأمهات اللواتي أظهرن تجاوبًا مع التكنولوجيا؛ فأصبحن يقضين الوقت في التواصل والقراءة عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ وكان "الهاتف الذكي" المتصل بالشبكة العنكبوتية معروفًا جميلًا قدمه الأبناء من باب البر؛ فيما قد ينتاب آخرين منهم الشعور بالتذمر لاحقاً من استفسارات "الأم التكنولوجية".

|  تجيب بدون أف

إمك عالفيسبوك6 (2).jpg
سيدة أمام جهاز الحاسوب الخاص بها

مراسلة "بنفسج" تفتتح التقرير بــ أم حسن التي قالت: "ذات مرة أردت التعليق على صورة شاب اسمه محمد هو في عمر أبنائي؛ لا أعرف على ماذا ضغط أصبعي؛ فإذا بي أشارك صورته على صفحتي الشخصية وكتبت فوقها "منور يا أبو حِميد"، الحق يقال شعرت بالإحراج".

هذه الأم العفوية الطيبة لديها وقت فراغ لا بأس به كونها أرملة وغير عاملة، تهمس لنا بهذا الاعتراف: "ابنتي الصغرى أدعو لها خصيصاً بالرضى؛ فهي الوحيدة ذات "البال الطويل" على كل ما استفسر بشأنه بدون "أف"، ما شاء الله عنها هي "خبيرة" بــ "فيسبوك، وانستغرام، وسناب شاب"- كانت تعدد وسائل التواصل بطريقة من يخشى أن ينسى ما حفظه بالكاد".

وتصمت قليلاً قبل أن تتابع: "بقول المثل إن كبر ابنك خاويه، أما الآن اختلف الأمر؛ ابنتي أصبحت هي من تخاويني وتحاول مجاراتي".

فيما لم يجد محمد الراعي في "يوم الأم" هدية تفرح والدته الستينية أكثر من تقديم "جوال" حديث يكون خفيفًا على يدها؛ وتستطيع التواصل عبره مع بناتها المتزوجات، كم فرحت "ست الكل" بهذا الصديق المؤنس- وفقاً لتعبيره.

يقول محمد: "على الفور أجريت تعديلًا في ضبط إعدادات الهاتف لتكبير حجم الخط، فقد ضعف بصر أمي وهكذا يصبح بوسعها القراءة بوضوح، وكأن برداً نزل على قلبي حين سمعتها تقول "الله يرضى عليك يا ابني"، ثم سألتني ببراءة: "بنفع تعملولي فيس بوك؟".

يبتسم الشاب وهو يحدثنا عن آخر تطورات والدته: "أطلقت عليها اسماً تحبه "الحاجة أم محمد" وأنزلت تطبيقي "فيسبوك وماسنجر" على هاتفها إلى جانب تطبيقات "فايبر، واتس آب" لمحادثة أختي المتزوجة في النرويج، ورؤية الجميع على فيس بوك عبر "الفيديو" أثناء الحديث.

وقد اعتمدت طريقة سهلة تقوم على حفظ هيئة الصورة للاستدلال على اسم صاحب الحساب، لا سيّما لو كان اسمه مكتوبًا بالإنجليزية، على سبيل المثال عندما تشاهد صورة "فتاة ووردة" تعرف أنه حساب أختي "وفاء" فتبادر بفتح المحادثة والاتصال بها عندما تشتاق إليها، وهي بذلك ليست بحاجة لمساعدة أحد".

| يرضى عليك يمّه

سامر مرتجى؛ أنشأ حسابًا لوالدته وأعطاها "الإيميل والباسوورد" لتستطيع استخدامه، لكنها لأكثر من مرة إما أن تسجل الخروج أو تحذف التطبيق عن طريق الخطأ وبالتالي تضيع كلمة السر.
 
يقول ابنها: "أمي أنشأت حتى الآن أربع حسابات عبر فيسبوك، حتماً أن مارك ممتن لانضمامها إلى العالم الأزرق".

تقص سمر على "بنفسج" موقفاً فكاهياً حدث مع والدتها: "ذات مرة وصلت لأمي نكتة "نسائية" من أحد قريباتها؛ أخذت تقرأها وقد قفزت دمعة من عينها من شدة الضحك؛ ثم أرادت أن ترسلها لخالاتي عبر "واتس أب"؛ وإذ بها ترسلها بالخطأ لجميع القائمة التي لديها؛ بمن فيهم "مجموعة دينية"؛ خجلت أمي يومها وصارت تضرب أخماسًا في أسداس: "يا ويلي.. ماذا سيقولون عني الآن"؛ ثم أرسلت لهم اعتذاراً؛ وحتى نهوّن عليها؛ قلنا لها: "يتوجب على المجموعة أن ترسل لكِ رداً: "بارك الله فيكِ يا أختاه.. لقد ابتسمنا بفضلك".

وبالانتقال إلى سامر مرتجى؛ فقد أنشأ حسابًا لوالدته وأعطاها "الإيميل والباسوورد" لتستطيع استخدامه، لكنها لأكثر من مرة إما أن تسجل الخروج أو تحذف التطبيق عن طريق الخطأ وبالتالي تضيع كلمة السر، يقول ابنها: "أمي أنشأت حتى الآن أربع حسابات عبر فيسبوك، حتماً أن مارك ممتن لانضمامها إلى العالم الأزرق".

من جديد أنشأ سامر لها حسابًا وكل مناه أن تستقر فيه، أخذ يرشدها بأسلوب مبسط كيف تحافظ عليه وتتجنب تسجيل الخروج، وتحسباً لأي خلل وارد؛ احتفظ ببيانات تسجيل الدخول للحساب، وفي حال واجهت أي مشكلة طلب منها أن تتصل به حتى وإن كان بالعمل"، أما هيّ فيلهج لسانها طوال الوقت "يرضى عليك يمّه، حبيبي يمّا".

ممم.png
سيدة تقف وسط الحضور لتصور بهاتفها المحمول مناسبة ما

وخشية الإزعاج أو الإحراج؛ فقد كان فراس نايف صريحًا حين أخبرنا أنه ليس على استعداد لأن تنضم أمه إلى وسائل التواصل، مبرراً ذلك بالقول: "ليس لدي نية لأن أجلب على رأسي هماً؛ لن تتوقف أمي عن متابعة منشوراتي ومراجعتي في كل ما لا يعجبها، نحن الشباب نهرب من الواقع، بالذهاب إلى العالم الافتراضي لنعبر عن أنفسنا بحرية بعيداً عن رقابة الأهل، إن لحقتني أمي إلى هذه الشاشة الصغيرة أين المفر يا قوم".

مجموعات الطبخ؛ وإرسال الفيديوهات والصور، ومتابعة ما تنشره القريبات والصديقات والأهم من ذلك منشورات الأبناء التي توضع تحت المجهر، إضافة إلى الانضمام للمجموعات التربوية؛ كلها أنشطة تشجع الأمهات- شاء الأبناء أم أبوا- لفتح نافذة جديدة تطل على عالم جديد.

| حين مالت على أذني

هواتف الأمهات عامرة بصور الورد وفناجين القهوة والصباحات الملونة؛ وفي كلّ يوم ينثرون منها على صفحاتهم، ويرسلونها إلى الحسابات المضافة إليهم، هكذا يثبتون نشاطهم.
 
إحدى الأمهات- وفقاً لرواية ابنتها- تحاول أن تتأكد من مدى فاعليتها وتأثيرها فتسأل أبناءها دائما: "هل قرأتم ما أرسلته إليكم"؛ وإن كانت الإجابة لا؛ تسارع إلى ارتداء نظارتها وتقرأ بصوت عال المنشور المرسل؛ والويل لمن يتجاهلها.

نجوى فتيح؛ هي ابنة بارة أيّما بر؛ الأصح والأدق "أنها حبيبة أمها"؛ تتحدث بِ طيب نفس: "تبلغ أمي من العمر 74 عامًا، شخصيتها منظمة، حين تفتح هاتفها تجد أيقوناته مرتبة تمامًا. وإذا كان لديها صديق على "فيس بوك" أشار إلى عدة أشخاص، فإنها تتساءل: "من هؤلاء وما الذين أتى بهم عندي؟ فأشرح لها بصدر رحب، أن هؤلاء "أصدقاء صديقك". وإن كان لديها صديق ينشر باستمرار فإنها تضجر بالقول: "كل شوي بدو يطلعلي هدا".

ذات مرة طلبت مني أن أحظر أحدهم، وأثناء إجرائي الحظر فوجئت بها تقترب من أذني لتسألني بهمس: "الآن سيخبره الــ فيس بوك.. أليس كذلك؟"؛ انفجرت ضاحكة حينها، وأشد ما يزعجها أن تكتب منشوراً فيظهر خطأ إملائيًا وتستصعب تصحيحه. تصرّ أمي أن تتعلم أدق التفاصيل؛ بما فيها البحث عن صفحات معينة مثل صفحتي. إنها نوارة حياتي، ومن واجبي أن أربت على قلبها بجملة واحدة: "أنتَ تأمر يا جميل".

أما "إسماعيل" لم يتشجع أبداً لتجربة "أمه" على فيس بوك والسبب يكمن في هذا: "كلما صادفت أمي إعلان جائزة لسيارة أو جائزة بألف دولار أو حتى بطنجرة ضغط تشارك المنشور على صفحتها؛ أحاول أن أوصل لها فكرة بأن هذه إعلانات كاذبة؛ لكنها لا تصغي لي أبداً".

سها عبد الخالق اقترحت على والدتها التي ترافق هاتفها لساعات طويلة بمشاهدة سلسلة وثائقية أو فيديوهات وحلقات دينية، بدلاً من المحتوى المتكرر الذي ملّت من تصفحه. أما والدتها فقد أخذت بنصيحتها ومنذ ذلك الوقت أدمنت ثلاثة أشياء: "برنامج المسامح كريم لــ "جورج قرداحي"، وبرامج الشيخ عمر عبد الكافي، و"شام الأصيل" للطبخ.

يقول علي بن أبي طالب: "ربوا أبناءكم لزمان غير زمانكم". لكن هذه المقولة تجدر بالأبناء أن يتخذوها الآن بعد أن انقلب الحال؛ فيراعوا أمهاتهم وآبائهم وفق تقلبات الزمن وثورة التكنولوجيا؛ فــ "الولد الصالح" لا يستكثر على والديه قليلًا من الصبر والاحتواء والوقت.