بنفسج

عادي طفلي يحل المشكلة

الثلاثاء 23 يونيو

صرخت في وجه طفلها لأنه سكب المشروب الغازي على قميصه الأبيض، فيما حاولت أن أتجنب النظر لعينيه؛ كي لا يقع مني في نفسه شيء من الإحراج والحزنفي واقع الأمر كيف سيبدو شكل هذه الأم في عينيّ طفلها؟ وكيف يمكن لهذا الموقف الذي صنعته الأم -وقد يكون بسيطا بالنسبة لها- أن يهدم ويبني في الوقت ذاته؟

وكيف ستكون الصورة التي شكلها الطفل عن أمه بكونها مصدر الحنان والدفء والطبطبة أن تتفاقم فترسم في مخيلته أمّا على هيئة "ديناصور" أو "دبّ" شرير أو شخصية ما كرتونية يكرهها، فيطابقها مع أمه لكونه يعيش في عالم الصور، ويحيى بها في بواكير أعماره الأولى.

دعونا نعلّم أطفالنا كيف يتداركون أخطاءهم؛ فيكونون جزءا من الحل لا المشكلة ذاتها؛ كأن نكسبهم مهارة التعامل مع المواقف التي تسبب إحراجا لنا ولهم، بدل اللجوء للصراخ أو لإذلالهم وإهانة كرامتهم.

لا أتخيل في حقيقة الأمر أن تقايض أم مشاعر طفلها بقميص؛ فتزهد في نظرته لها وبمشاعره وشخصيته المستقبلية لأجل لباس سيضيق يوما، وقد يكون مسكنه في سلة المهملات. إنّ الحياة أكبر من قميص، وأعرض من أن يحافظ الطفل على ملابسه لأجل أن يراه الناس حسن المظهر، أو حتى لأجل أن تكون أمه سعيدة وراضية عنه.

دعونا نعلّم أطفالنا كيف يتداركون أخطاءهم؛ فيكونون جزءا من الحل لا المشكلة ذاتها؛ كأن نكسبهم مهارة التعامل مع المواقف التي تسبب إحراجا لنا ولهم، بدل اللجوء للصراخ أو لإذلالهم وإهانة كرامتهم، فتغدو شخصيتهم هشة ضعيفة عند الكبر، راضية بالمذلة والهوان.

| تجربتي في الواقع

كانت طفلتي ذات الأربع سنوات كلما يصدر منها سلوك يزعجني تنظر إليّ فورا، كنت أجدها اللحظة الفاصلة بين طفلتي الآن وفي المستقبل، بين أن أدعمها فنتعاون على معالجة ما وقع منها، أو أن أستمر في الصراخ حتى ينتهي أجلي. وكنت أقنع ذاتي دائما بأن الحليب انسكب، والكوب انكسر، والثياب اتسخت، فما قيمة الصراخ والغضب إن كانا لا يصلحان ما تم إفساده.

يقول مصطفى أبو السعد في حلقة ضمن برنامج "أطفال مزعجون ولكن"[1]، أن هناك أربعة أنماط من السلوك تؤدي إلى خلق فجوة في التواصل بين الأهل والأبناء، والتي نلجأ إليها في تعاملنا مع أطفالنا حين يتصرفون بطريقة مخالفة لتوقعاتنا، كاستخدام نمط القمع والتقييم السلبي والتهديد والأمر.

وكل هذه الأنماط تنزع ثقة الطفل بذاته، فتتسرب إليه صورة ذهنية سلبية مفادها: "أنا أبدو كالأحمق، أنا لا أحسن التصرف، أنا لا أستطيع، أنا صغير، أنا لا أستحق، أنا لا أفهم". وبهذا ينخفض تقدير الطفل لذاته تدريجيا.

| "عادي": سرّ الحل

الكلمة المفتاحية بيني وبين طفلتي في اللحظة الفاصلة كلمة "عادي"، هذا التعبير أراحني كثيرا، بدايةً كنت استخدمه عندما يصدر سلوك غير مقبول عنها كي أخفف توترها وقلقي أيضا. لكن فيما بعد استنتجت أن لهذه الكلمة نتائج عظيمة وجميلة متعددة، لكن أهمها نقل طفلتي من الاهتمام بالماديات إلى عالم الأفكار والمنطق وتعزيز تفاعلها مع المحيط بصورة إيجابية.

| طفلي أحدث فوضى عارمة... عادي: "أكسبه مهارة الترتيب بدل الصراخ".

| طفلي أكل لوح الشوكولاته المفضل لدي... عادي: "أعلمه الاستئذان".

| طفلي أكل المثلجات فاتسخت ثيابه... عادي: "أعلمه كيف يأكل بطريقة صحيحة".

التربية الحقيقية تكمن بالتفاصيل، والتعامل معها بجدية وانتباه كاملين؛ فالتربية لا تحتاج إلى مواقف عظيمة وضخمة كي نبني شيئا في ذوات أطفالنا، أو نثبت أمرا في قرارة أنفسنا أو ما حلمنا به. إنّ التفاصيل هي حصاد الأمومة والأبوة الكاملة؛ بل هي التربية كلها.