بنفسج

" ابني لا يجيد القراءة والكتابة ": أين الخلل وما الحل؟

الجمعة 19 يونيو

تعانى الكثير من الأسر في تعاملها مع أبنائها في مسألة القراءة والكتابة، ومع مرور السنوات، يتحول الأمر إلى عبء كبير حين يتجاوز الطالب الصف الأول والثاني وهو لا يستطيع التمييز بين الحروف، وبالتالي، لا يقرأ ولا يكتب، وبناءً عليه، لا يستطيع متابعة الدراسة في باقي المواد مع زملائه ضمن نفس الفئة العمرية، والمشكلة الأكبر حين يتعرض هذا الطفل لحالات متكررة من التعنيف اللفظي والجسدي والإهمال الاجتماعي بسبب عدم قدرته على القراءة والكتابة، مما يجعله مهملًا في جميع دروسه، ويقوم بردة فعل سلبية؛ كالعنف أو البحث عن وسائل تسلية داخل الصف ما يزيد من عمق المشكلة ويُفاقمها.

الكثير من الآباء يلجؤون إلى مراكز تعليمية لعلاجه فرديًا أو يلجؤون لترسيبه في صفِّه على مسؤوليتهم الخاصة، أو متابعة معلميه طوال العام عساهم يجدون له حلًا في السياق المدرسي. بعض هذه الوسائل تنجح وبعضها يضاعف المشكلة للأسف. في هذا المقال أسعى إلى أن أضع توصيفًا للمشكلة، وبحثًا عن أبرز الحلول التي أنصح بها الآباء للتعامل مع حالة أبنائهم في حال كانوا ضمن هذه الفئة المُشار إليها.

 | أولًا: تشخيص الحالة

من خلال عملي واهتمامي بموضوع التعليم، لاحظت أن السبب الأهم لهذه الظاهرة، هو ضعف المستوى التعليمي الذي تلقاه الطفل في مرحلته التأسيسية المبكرة [ الروضة، والصف الأول]، بسبب ضعف أداء المعلم أو تجاهله لاستخدام أدوات ووسائل تعليمية محفّزة. 
 
ومن أسباب هذه الظاهرة أيضاً هو تعرض الطفل لتجربة سيئة في هذ المرحلة، كالتعنيف اللفظي أو الجسدي من الأهل أو المعلم. 
 

من خلال عملي في التعليم مع الأطفال، وجدت أن أكبر عدد من الطلبة الذين يعانون من المشكلة المشار إليها في المقدمة، هم أولئك الذين لم يتلقوا تعليمًا جيدًا في مرحلة الروضة والصف الأول، وكانت تجربة التعلم التي مرَّت معهم سيئة، بسبب ضعف أداء المعلم من حيث جهله بأساسيات تعليم القراءة والكتابة للأطفال، أو بسبب تجاهله لاستخدام أدوات ووسائل تعليمية محفزة، أو عنف لفظي، أو جسدي يمارسه المعلم تجاه الطلبة بشكل عام.

في هذه الحالة، نحن أمام طالب ليس لديه مشكلات عضوية أو نفسية أو عصبية، وإنما نحن أمام تجربة تعلُّم سيئة لم تُراعِ احتياجات الطفل في مرحلة حساسة جدًا من حياته، فإهانة عابرة من معلم، أو بيئة تعليمية غير آمنة ولا محفزة قد تدفع بالطفل إلى رفض كل ما يصدر من المعلم، ثم قتل الدافعية لديه تجاه التعليم.

نفس هذه المشكلة قد تنشأ بسبب عدم إدراك الوالدين للتعامل مع مسألة التدريبات والواجبات البيتية التي يحولها -جهل البعض- من عملية تكميلية تدريبية تثبيتية للمعلومة إلى عقوبة من خلال الضغط على الطفل بأداء الواجبات في أوقات اللعب أو التعبيرات اللغوية التي تربط بين الواجب والعقوبة "إذا بتسمعش كلامي بخليك تنسخ كذا وكذا".

 بعض الحالات التي تعاملت معها كانت مشكلتها ضعف في قدرات السمع أو البصر، ولا يخفى على أحد حجم المعاناة التي يعانيها الطفل حينما يعاني من صعوبات في الرؤية والسمع، في حين لا يعرف عن هذه المشكلة أحد.

من جانب آخر، بعض الحالات التي تعاملت معها كانت مشكلتها ضعف في قدرات السمع أو البصر، ولا يخفى على أحد حجم المعاناة التي يعانيها الطفل حينما يعاني من صعوبات في الرؤية والسمع، في حين لا يعرف عن هذه المشكلة أحد. إضافة إلى ذلك، هناك إشكالية قد تبدو بسيطة ولكنها في غاية الأهمية، تترتب على مكان جلوس الطالب في الصف، حيث يحتاج المعلم والأب إلى الجلوس في المقعد الأخير ولو لمرة واحدة ليعرف حجم الاختلاف بين ما يراه الطالب في الصفوف الأولى، والطالب في الصفوف الأخيرة من ناحية رؤية الكلمات، والوسائل التعليمية، والقدرة على التفاعل.

ومن المشكلات الشائعة في المجتمعات على اختلافها، عسر القراءة، ويعرف عسر القراءة "الديسلكسيا" بأنه "صعوبة في القراءة والكتابة والتهجئة، بالإضافة إلى صعوبات أخرى ومواهب تصيب [ 10% ] من المجتمع بعض النظر عن المستوى الاجتماعي أو الجنس". عسر القراءة ليس له علاقة بالذكاء، أو طريقة التعلُّم، أو أي مشكلات عضوية، وإنما هو ناتج عن طبيعية نمائية في أعصاب الدماغ مرتبطة بعوامل وراثية أو مكتسبة بسبب حادث أو إصابة. وفي الحالة الوراثية تتواصل هذه المشكلة معهم مدى الحياة.

هؤلاء الأطفال يفشلون دائمًا في فهم التعليمات المدرسية، ينفعلون بسرعة، تنخفض مع الوقت قدرتهم على تقدير الذات، يصبح لديهم صعوبة في الاندماج الاجتماعي، وتصير لديهم سلوكيات عدوانية. كل ذلك وهم يعانون في الأصل من مشكلة عصبية خلقية لا علاقة لقدراتهم العقلية بها، ولكن جهل المجتمع وضعف قدراتنا في تشخيص حالتهم هو ما يوصلهم إلى هذا الحال.

ويندرج هذا النوع من المشكلات تحت مسمى صعوبات التعلُّم، ومن المهم التفريق بين ثلاثة أنواع من المشكلات: صعوبات التعليم، بطء التعلم، التأخر الدراسي. فصعوبات التعلم ناتجة عن مشكلات في العمليات الذهنية؛ كالانتباه، والذاكرة، والتركيز، وينتج عنها ضعف في الرياضيات، والقراءة، والإملاء بشكل أساسي، أما بطؤ التعلم فهو ناتج بشكل أساسي عن انخفاض معامل الذكاء، ويؤدي إلى انخفاض التحصيل في جميع المواد الدراسية، أما التأخر الدراسي فهو مرتبط بعدم وجود دافعية للدراسة، وليس له علاقة بالذكاء الذي يكون مستواه عاديًا أو متقدمًا، وكثيرًا ما يرتبط بمشكلات اجتماعية، أو شخصية، أو بيئة تعليمية غير صحية.

يعرف عسر القراءة "الديسلكسيا" بأنه "صعوبة في القراءة والكتابة والتهجئة، بالإضافة إلى صعوبات أخرى ومواهب تصيب [ 10% ] من المجتمع بعض النظر عن المستوى الاجتماعي أو الجنس".

خلاصة المسألة هنا، أن الطالب يواجه مشكلات في القراءة والكتابة لأسباب متعددة؛ كمشكلات في بيئة ومنهجية التعليم غير الصحيحة، ما ينتج عنه تجربة تعلُّم غير محفِزة، وأحيانًا قاتلة لدافعية التعلُّم، وقد يعاني الطفل من مشكلات عضوية في السمع أو البصر، تؤدي إلى حرمانه من الحصول على فرصة عادلة للتعلم تراعي احتياجاته دون انتباه والديه. المسألة الأخرى هي وجود اضطرابات عصبية لها انعكاس على حالة الطفل في عدة مجالات إيجابًا وسلبًا. وأخيرًا، حالة بطء التعلم التي قد يعاني منها الطفل بسبب انخفاض معامل الذكاء، وفي الغالب تكون وراثية.

 | ثانيًا: من يشخّص حالة الطفل؟

المعلم المؤهل الخبير، واحدٌ من أكثر الأشخاص أهمية في تشخيص حالة الطفل، لأنه أكثر من يعايشه في داخل البيئة التعليمية.
الوالدين أو من يقوم بعملية المتابعة لتعليم الطفل يأتيان في المرتبة التالية، بحيث يلاحظ سلوك الطفل التعليمي، وأين يكمن الضعف والخلل. لعسر القراءة بشكل خاص، جمعيات حول العالم واهتمام بالغ من مؤسسات دولية، كاليونيسكو.
 

المعلم المؤهل الخبير، واحدٌ من أكثر الأشخاص أهمية في تشخيص حالة الطفل، لأنه أكثر من يعايشه في داخل البيئة التعليمية، كما أنه قادر على عقد مقارنة وافية بينه وبين أبناء جيله. لذلك يحسن بولي الأمر المتابعة الحثيثة، والتعمق في الأسئلة حول حالة ابنه، وكيف ومتى وماذا يفعل الطفل داخل البيئة التعليمية بالضبط.

الوالدين أو من يقوم بعملية المتابعة لتعليم الطفل يأتيان في المرتبة التالية، بحيث يلاحظ سلوك الطفل التعليمي، وأين يكمن الضعف والخلل: هل هناك مشكلة حسية سمعية بصرية، أم هناك مشكلة عميقة في ذهنيته من حيث التذكّر والانتباه، أم هناك مشكلة أعقد، بحيث نستدعي خيار الاضطراب العصبي أو عسر القراءة.

لعسر القراءة بشكل خاص، جمعيات حول العالم واهتمام بالغ من مؤسسات دولية، كاليونيسكو، وذلك نظرًا لشيوع هذه المسألة كما ذكرنا، فـ 10% يعانون منها في المجتمعات، لهذا، سنجد العديد من المقاييس الموضوعة لتحديد إن كان هذا الشخص لديه عسر قراءة، أو لا مثلًا هناك برنامج كوبس العربي، إضافة إلى العديد من البرامج غير العربية. كما يمكن للمهتم حضور برنامج خاص للتعامل مع المعسرين قرائيًا عبر منصة كورسيرا تجدونها تحت عنوان:(Supporting children with difficulties in reading and writing) من هُنا، إضافة إلى كتاب مترجم متاح عبر الإنترنت: الديسلكسيا، كشفها والتعامل معها، ترجمة أحمد عويني وكاتيا حزوري.لتحميل الكتاب من هُنا 

 | ثالثًا: العلاج

يظل المعلم الخبير واحدًا من أهم الشخصيات التي يمكن أن تتعامل مع حالة الطفل؛ تشخيصًا وتطويرًا أو علاجًا.
ويظل اهتمام الوالدين ومتابعتهما الشخصية والقراءة والتعمق حول حالة الطفل والاهتمام الكامل به، سبيلًا لا مناص عنه، وفي الخيار الثالث يكون الكادر المتخصص الذي توفره بعض المراكز التعليمية الخاصة. 

بعد أن يتم استبعاد أية مشكلات صحية، كضعف حاسة السمع أو البصر، واستبعاد أي نقص في فيتامينات معينة أو زيادتها، ما يؤدي إلى فرط الحركة، والتشتت الدائم، أو الضعف العام في الجسم أو الميل الدائم إلى النوم أو الاكتئاب، فإننا وبعد التأكد من سلامة الطفل سنلجأ إلى الأمور الآتية:

يظل المعلم الخبير -ضمن سياقنا في فلسطين المحتلة- واحدًا من أهم الشخصيات التي يمكن أن تتعامل مع حالة الطفل؛ تشخيصًا وتطويرًا أو علاجًا، فما يمتلكه المعلم الخبير يمكن أن يغطِّي على العديد من الثغرات التي يعاني منها واقعنا الفقير بالمتخصصين الأكاديميين المهرة في المجالات ذات العلاقة.

ويظل اهتمام الوالدين ومتابعتهما الشخصية والقراءة والتعمق حول حالة الطفل والاهتمام الكامل به، سبيلًا لا مناص عنه، يجب عليهما سلوكه من أجل أن يتعرفا أكثر على مشكلة الطفل وطريق علاجها المقترحة، أو تميُّزه وتطويره.

بناء خطة علاجية متكاملة بعد تشخيص الحالة بشكل دقيق، ومن أكثر من مختص سيكون أهم ما يقوم به ولي الأمر تجاه طفله، والصبر وطول النفَس؛ واحدةٌ من أهم ما يجب الالتزام به تجاهه.

أما المراكز العلاجية أو المراكز التدريبية والتعليمية، فبعيدًا عن تجارية الكثير منها، وعدم تخصصها في المجال المطلوب إلا أن بعض هذه المؤسسات قد يمتلك كوادر ذات مهارات وتخصصية عالية يمكنها التعامل مع الطفل. وهنا يجب البحث عن الكادر المتخصص بصرف النظر عن اسم المكان، فهل هذا الشخص مؤهل ومختص حقيقة، وقادر على التعامل مع حالة الطفل، أم لا؟ هذا ما يجب أن نبحث عنه بهدوء ورويَّة حتى لا تضيع أموالنا، ونضيع في حقل تجارب لا فائدة منه.

أخيرًا، فإن بناء خطة علاجية متكاملة بعد تشخيص الحالة بشكل دقيق، ومن أكثر من مختص سيكون أهم ما يقوم به ولي الأمر تجاه طفله، والصبر وطول النفَس؛ واحدةٌ من أهم ما يجب الالتزام به تجاهه، فمشكلة الطفل الذي يعاني من صعوبة تعلم أو بطء تعلم، أو إهمال تحتاج إلى صبر، وتحتاج إلى التزام تجاه الحالة حتى لا يحصل إهمال اجتماعي، وانفصال للطفل عن مجتمعه، وتفاعل سلبي يؤدي إلى انعزال أو عنف أو ممارسات غير صحيَّة بسبب ما يعانيه من ضعفه الأكاديمي الذي لا تراعيه طبيعة مدارسنا.