بنفسج

​​لماذا تعمل الفلسطينيات في المستوطنات " الإسرائيلية"؟

الأحد 28 يونيو

يعد عمل النساء في المناطق الصناعية "الإسرائيلية" والمستوطنات بشكل عام، ظاهرة تزايدت تدريجيًا في السنوات الأخيرة؛ وأصبحت من القضايا الشائكة في ظل الأزمة الاجتماعية والاقتصادية التي خلقها وجود المحتل منذ نكبة 1948 وحتى اليوم، وعجز الجهات الرسمية الفلسطينية من توفير البدائل المناسبة. يتركّز عمل النساء الفلسطينيات في المستوطنات في مجالي الزراعة والصناعة، وذلك في المستوطنات الزراعية المتواجدة في الأغوار الفلسطينية، أو في المستوطنات الصناعية المقامة على أراضي الضفة الغربية، إذ تُعد مستوطنة  ميشور أدوميم أكبر مستوطنة صناعية في الضفة الغربية بمساحة تبلغ 79 ألف دونم، تليها معالي أدوميم 15 ألف دونم.

 | أسباب اجتماعية: ضنك العيش وغياب البديل 

j29.png


بلغ عدد العاملين في "إسرائيل" والمستوطنات المقامة على أراضي الضفة الغربية، في عام 2018 [67 ألف] عامل،  39 ألف عامل منهم  لديهم تصاريح عمل، و28 ألف يعملون دون حيازة تصاريح. إذ يعتمد توظيفهم على  وجود علاقة بين المشغل "الإسرائيلي" والسمسار الفلسطيني الذي يعتبر ممثلًا لكافة العاملين داخل هذه المستوطنات ويدير شؤونهم. 

لا تتجاوز نسبة النساء الفلسطينيات العاملات في "إسرائيل" الــ0.7% من مجموع أعداد العمال، أغلبيتهن يعملن بدون تصاريح، وقد وجدن أنفسّهن مضطرات في العمل في المستوطنات " الإسرائيلية"  لأسباب ذات أبعاد اجتماعية تتعلق بالفقر وضنك العيش، وتفاقم الوضع المعيشي، وارتفاع نسبة البطالة، وتزايد معدلات الفقر، إضافة للموقع الجغرافي أي قرب المستوطنات من القرى والبلدات والتجمعات الفلسطينية يشجع النساء على العمل فيها.

وفيما يتعلق بالعقبات التي تواجه الفلسطينيات العاملات في المستوطنات " الإسرائيلية"، فتتمثل في أن أغلبية هذه المهن لا تتناسب مع البُنية النفسية والفيسيولوجية للنساء،  فبعض المهن تحتاج لمواصفات واستعدادات عضلية وقدرة عالية على التحمل وعمل مكثف لساعات طويلة، ووفقا لإحصاءات المرأة الاقتصادية: هل هي مجرد أرقام أم أداة قياس وتغيير سياسات؟التي أجراها المركز الفلسطيني للإحصاء 2018، فإن ما نسبته 90% من النساء العاملات في " إسرائيل" في الأغوار يعملن في الزراعة.  أما باقي المهن في بقية التقسيمات الجغرافية فقد جاءت نسبها كالتالي:  فيما تعمل ما نسبتهن [61.8%] في قطاع الخدمات، وما نسبتهن 27.9% في قطاع الزراعة، وفي الصناعة 10.3%. 

وعلى الرغم من حصولها على أجور مرتفعة بالنسبة للمرأة في سوق العمل المحلي، إلا أنها تعد أجور متدنية مقارنة بعمل الرجال وأقل من مستوى الأجور في "إسرائيل نفسها"، إذ تتراوح نسبة الأجور للنساء العاملات في المستوطنات ما بين [1200 شيكل إلى 1700] شيكل، مع العلم أن الحد الأدنى للأجور المعمول به في "إسرائيل" قد ارتفع إلى 5300 شيكل.

إلى جانب ذلك، تواجه الفلسطينيات صعوبة في الوصول إلى أماكن العمل، وخاصة أن غالبية النساء من الضفة الغربية لا يعملن بشكل رسمي ولا يحصلن على تصاريح عمل، وهذا يستلزم الهروب من كل الحواجز العسكرية ودوريات الجيش والشرطة، وولوج دروب ترابية، مما يعني إطالة يوم العمل من 10 إلى 12 ساعة. هذا بالإضافة إلى عدم وجود مستحقات أو تعويضات مالية للنساء؛ لأنها لا تحمل أي ورقة ثبوتية للعمل.إضافة لشعورها بعدم الأمان والملاحقة المستمرة سيما مع عدم امتلاكها لتصريح عمل، إلى جانب تعرض بعض العاملات إلى التحرش الجنسي، لكن لا توجد إحصائيات محددة حول هذا الموضوع.

 

| أسباب سياسية: السلام الاقتصادي 

s4.png

 إن ارتفاع أعداد العاملين في المستوطنات بشكل عام والنساء بشكل خاص يأتي منسجمًا مع ما يمكن أن تسميه سلطات الاحتلال بالسلام الاقتصادي مع الفلسطينيين، وهو في الحقيقة سياسة "إسرائيلية" ذات بعد أمني استراتيجي بالمعنى الشامل؛ كما أن زيادة عدد التصاريح تتم بناءا على توصيات تقدمها قيادة "الجيش الإسرائيلي" للمستوى السياسي في تل أبيب.

فالرؤية "الإٍسرائيلية" في موضوع العمالة الفلسطينية تتمحور حول إنتاج واقع يجد فيه الفلسطيني نفسه متضررًا من انخراطه الطبيعي في الفعل المقاوم لهذا الاحتلال، أو على الأقل لا يكون الخلاص من الاحتلال أولية فردية وجماعية بالنسبة لقطاع عريض من شعبنا. 

يجري خلق هذا الواقع وتعزيزه، ضمن أشياء أخرى، من خلال منح تصاريح عمل لمن يخلو سجلهم الشخصي من أي نشاط كفاحي ضد الاحتلال. فصار "المنع الأمني" هو عصا "إسرائيل" الغليظة التي تضرب بها بطون عشرات الآلاف من الفقراء الفلسطينيين، وبالتالي، نحن أمام منهج "ترويض وتدجين" وسياسة "رشوة جماعية" للفلسطينيين تستند إلى الدخل المرتفع نسبيًا، يجنيه العمال من ناحية، وتتعزز عبر الاحتكاك اليومي بالمجتمع الإسرائيلي والتعايش مع منظومته "القيمية" من ناحية أخرى.

| العمل في المستوطنات: رؤية وطنية 


s3 (1).png


إن التعامل مع ظاهرة العمل في المستوطنات لم ترتق لدرجة التعامل معها كقضية، فلا بد أن يتم التعاطي معها في إطار رؤية وطنية شاملة تتأسس على ضرورة التحلل من الارتباط بالاقتصاد "الإسرائيلي" بصورة عامة، والسعي نحو بناء اقتصاد مقاوم يحمل برنامج سياسي نضالي.

كما أنه يتوجب أن تستعيد حملات المقاطعة فعاليتها ودورها على الأرض بشكل أقوى وأكبر، فإعادة الروح لهذه الحملات يعني ترسيخ معاني وطنية بأن العمل بالمستوطنات يساهم في إعطاء الشرعية لهذه المستوطنات على الأرض، ويعزز تمددها على حساب أراضينا الفلسطينية المحتلة.

إن الحديث عن المنافع التي يجنيها الفلسطيني من عمله داخل "إسرائيل"، أو في "المستوطنات الإسرائيلية" لا يجب أن يلغي أهمية أن يضع هذا الفلسطيني في صلب اهتماماته، أنه وإن ضاقت بك السبل في السوق المحلي وتلاشت أمامك الفرص لا تجعل هذا الواقع ينسيك أن من تعمل لديه هو محتل غاشم، وألا ينسيك هذا الواقع الذي تذهب إليه مضطرًا حسب ما تقول هموم شعبك وقضيتك ووطنك.


| مصادر ومراجع 

[1] إحصاءات المرأة الاقتصادية هل هي مجرد أرقام أم أداة قياس وتغيير سياسات؟" الإحصاء الفلسطيني"

[2] أرقام وإحصائيات. كم يبلغ عدد العمال الفلسطينيين في إسرائيل؟

 [3] العاملات في المستعمرات.. رغيف من دم .. واستغلال إلى حد العبودية