بنفسج

نحن وسوق العمل: التهمة.. إنسان يبحث عن معنى !

الإثنين 08 يونيو

مقال مترجم لموقع بنفسج
مقال مترجم لموقع بنفسج

سيبدأ عدد جديد من خريجي وخريجات الجامعات تجربتهم الأولى في العمل بوظائف مهنية، بينما سيكون هناك أيضا دفعة أخرى من طلاب وطالبات السنة الأخيرة يفكرون بما ينتظرهم بعد التخرج. يتخيلون كيف بإمكانهم استخدام أربع سنوات من الدراسة في العمل، وكم سيكون تحقيق أحلامهم وطموحاتهم أمرًا رائعًا.

في هذا الوقت على الأرجح، بدأ الخريجون والخريجات بإدراك السر الصغير البائس في حياة الإنسان البالغ العامل، وأن الأمر ليس كما يروج له. ففي الحقيقة، تتضمن الحياة العملية سواء كانت دراسة أو عمل بعض الأعمال الروتينية المملة ككب النفايات، دفع الفواتير، والنهوض كل يوم في نفس الوقت للذهاب إلى نفس الوظيفة؛ لقضاء ثماني أو عشر ساعات - وربما أكثر - للقيام بشيء يبدو غالبًا وكأنه " تضييع وقت" وليس تحقيقا للأحلام. ويبدأون بسؤال أنفسهم أسئلة مثل: هل هذا كل شيء؟ ما الفارق الذي أصنعه بالقيام بهذا العمل؟

لقد حدث تغيير في فترة ما من العقود الأخيرة، وذلك مع انتشار دورات وأفكار التنمية البشرية، وخطابات النجاح والتميّز في الحياة، لتكون "مختلفا"، "مميزا"، " لست كغيرك". فكان من ضمن ما تغيرت نظرتنا إليه هو العمل، فبعد أن تعودنا أن ننظر إليه كمصدر للدخل  في حياتنا إلى شيء أصبح الحياة بذاتها. قررنا أن العمل يجب أن يمنحنا المعنى والغاية، وأن يتوافق مع شغفنا ورغباتنا العميقة، ويمنحنا قيمة الوجود كل يوم. قررنا أننا جميعا يجب أن نسعى جاهدين للحصول على عمل نحقق فيه أنفسنا.

| فجوة الغاية: الأمر أشبه بالمطحنة !

 
الواقع أن سوق العمل في الأعم الأغلب ليس المكان المثالي للبحث عن المعنى وتحقيق الأهداف، خصوصا للأشخاص حديثي التخرج، وهو ما يُعرف بفجوة الغاية الذي يقيس الفارق بين توقع الخريج من وظيفته وما تقدمه له بالواقع.
أن عدد قليل جدا من الخريجين يحظون بوظائف ترتبط بشغفهم وتساهم في تحقيق غاياتهم الكبرى، أما الأمر بالنسبة للغالب فهو أشبه بالمطحنة. 

إن السعي وراء المعنى والهدف أمر مهم بالفعل، فقد وجدت دراسة بريطانية نشرت عام 2019 أن أولئك الذين يقومون بأنشطة ذات معنى بالنسبة لهم كان لديهم مستويات أعلى من الصحة العقلية والجسدية؛ فالنظر لحياتنا على أنها متعلقة بشيء أكبر من ذواتنا له فوائد حقيقية.

وقد أصبح الناس على نحو متزايد يبحثون عن هذه الفوائد في وظائفهم المهنية، حيث وجدت دراسة حديثة حول الانخراط الوظيفي أن كل 9 من 10 موظفين أخبروا الباحثين أنهم على استعداد للتخلي عن 23% من مرتبهم - بمعدل 12 ألف دولار سنويًا - مقابل الحصول على وظيفة ذات معنى وهدف. ماذا يعني ذلك؟ أشار التقرير إلى ثلاثة أسباب لذلك، وهي: القدرة على التحكم بكيفية أداء العمل، والحصول على تغذية راجعة مفيدة، ومعرفة أن العمل في النهاية يخدم هدفًا ساميًا.

ربط غالوب منذ فترة طويلة بين الانخراط الوظيفي وإيجاد المعنى والغاية، وأشار مؤخرًا إلى وجود "فجوة الغاية" بين توقعات خريجي الجامعات في إيجاد المعنى والهدف في العمل، وحقيقة إيجادها فعليًا هناك.

الحقيقة المرة هي أن المعنى والغاية من الصعب إيجاده في أي دور تقوم به، وبالأخص في الوظيفة الأولى بعد الجامعة، فقط إذا كنت محظوظًا جدًا ستكون وظيفتك الأولى مرتبطة بشغفك، وتشعر أنك تساهم بها في تحقيق هدف أسمى، لكن الأمر غالبًا سيكون أشبه بمطحنة، فأنت تمضي الكثير من الساعات في خدمة هدف شخص آخر.

ولكن لا بأس في ذلك! هذه الأدوار أيضاً لها قيمة، فالجميل في وظائفنا المهنية الأولى أنها تعلمنا كيف نكون مهنيين؛ فنتعلم مهارات مهمة تتعلق بإدارة الوقت، والأولويات، والعلاقات الشخصية. ونفهم معنى أخلاقيات العمل والسمعة المهنية، وكيف بإمكاننا الحصول عليهما، ونتعلم الإبحار في السياسات التنظيمية بمهارة. كما نتعلم أيضًا ما نحب وما لا نحب في العمل، وبهذا يمكن أن تتضح رؤيتنا بشكل أفضل لما نرغب في أن يكون عليه شكل وظيفتنا التالية.

| إنسان يبحث عن معنى 

 
إن انتظار العمل ليمنحنا المعنى، أمر مبالغ فيه في أي مرحلة كانت، كيف حكمنا أن العمل مدين لنا بذلك؟
ولكن من الممكن أن نضيف نحن معنانا الخاص على العمل الذي نقوم به، فمثلا  مثلًا، إذا كنت تقضي أيامك في تعبئة جداول البيانات؛ فكر  كيف ستمكّن الآخرين من المحافظة على استمرارية المؤسسة وتطورها من خلال هذه البيانات، بدلًا من النظر له كعمل تافه ليس له قيمة.

إن انتظار العمل ليمنحنا المعنى، أمر مبالغ فيه في أي مرحلة كانت، كيف حكمنا أن العمل مدين لنا بذلك؟ من الجدير بالذكر، أن أحد الأشخاص الذين كتبوا تقريراً حول دراسة بريطانية في شركة (فوربس) قال: "نعتقد أن هناك علاقة متبادلة ما بين تجاربنا ورؤية الحياة ذات قيمة وشأن.

فالأشخاص الأصحاء المنخرطون اجتماعياً يقيّمون أنشطتهم أنها ذات معنى وهدف، وبنفس الوقت هذا الشعور بالمعنى يساهم في مشاركة اجتماعية أكبر، وصحة عقلية أفضل، وشعور أقل بالوحدة وهكذا. بمعنى آخر، ما دامت النشاطات الجيدة التي تتضمن مشاركة اجتماعية قد تعطي حياتنا معنى أعمق، فإن النظر إلى الحياة على أنها ذات معنى على الأرجح يؤدي إلى القيام بنشاطات صحية ومزيد من الانخراط الاجتماعي. إن الأمر طريقة تفكير وقرار".

يضاف إلى ذلك أن إحدى مبادئ التفكير المنهجي المهمة هي إدراك أن أفعالنا جزء من كل، وقد تتأثر أو تؤثر في أفعال الناس الآخرين. وذلك يعني من وجهة نظر المؤسسات والتنظيمات أن كل شخص في المؤسسة يجب أن يفهم كيف يساهم دوره وعمله في الهدف النهائي للمؤسسة.

كشخص جديد في سوق العمل يمكنك استخدام هذا المبدأ لإعطاء عملك معنى وهدفا، حتى وإن بدا أحيانًا أنه لا يقدم لك أي شيء. مثلًا، إذا كنت تقضي أيامك في تعبئة جداول البيانات؛ فكر في هذه البيانات، كيف ستمكّن الآخرين من المحافظة على استمرارية المؤسسة وتطورها، بدلًا من النظر له كعمل تافه ليس له قيمة، أو إذا كنت تجيب على الاتصالات الهاتفية كموظف استقبال انظر لنفسك أنك مسؤول العلاقات العامة الذي يشكل الانطباع الأول، والأكثر تأثيرًا عند كل زبون عن هذه المؤسسة.

خلاصة الأمر، إنّ الطريقة التي نرى بها العمل هي اختيار يومي؛ بإمكانك أن تراه مخيبًا للآمال، فاقدًا للمعنى، أو تختار أن تتعلم من التجربة وتبحث عن المعنى فيها، القرار لك.| للانتقال للمقال الأصلي من هُنا