بنفسج

كن أبًا أو لا تكون

السبت 10 أكتوبر

سِرْ في طريقِ ذِكراك بدءًا من حياتك الأولى في المدرسة، ثم لحضن أبيك في أول يومٍ لكَ فيها، وكيف أنّك تشبثت به لتنال بضعًا من الأمان الذي شعرتَ أنه سيغادرك، في اللحظة التي سيغيب والدك عنك فيها، لأن إدارة المدرسة لا تسمح ببقائِه معك. ثم لعينيه ودمعاته المتغلغلة فيهما لتفوقك في المرحلة الأولى، ثم لفخره بك وأنتَ تقفُ على سجادة الصلاة للمرة الأولى، ولصومك نهارًا كاملًا دون أن ترشف رشفة ماء، ثمّ لتكريمك بين حفظة كتاب الله في المسجد.

بعدها سرْ أكثر نحوكَ وأنت في المرحلة الثانوية، المرحلة التي ستحدد مصيرك، ثمّ استرجع حال أباك، كيف لازمك حبًا، وأسندك قولًا وفعلًا، وأنارَ لك كل جانبٍ مظلم كان يعتريك بين الحين والحين. تذكر روايته عنك وأنت محمولٌ بين يديه ثم سرْ على ذاك النهج. حينما تقرر الزواج، أحسِن اختيار زوجةٍ صالحة تسيرُ الدّرب معك وتُيسره لك؛ لأجل أبنائك أولًا وأخيرًا ثم لأجلك؛ لأنه متى اكتملتما حُبًا وفهمًا واتزانًا، سيكون الثمرُ منتجًا وطيبًا وصالحًا.

وحينما يهبك الله الذرية الصالحة كُنْ على استعدادٍ للمحافظة عليها، لأنّها هبة الرحمن، وعطايا الله ليست كعطايا أيُّ بشري. حينما يكرمك الله بذكرٍ أو أنثى عظّم تلك المنية التي وهبك إياه الله. هِب وقتك من أجل المحافظة عليها. فأنْ تكون أبًا، يعني أن تكون ذا قلبٍ لا ينبض إلا بالحب، الرحمة، العطف، الأمان. أن تكون أبًا يعني أن تكون المعلم الثاني بعد الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأبنائك.

أن تكون النهج الذي يسيران نحوه، فاحرص على أن يكون نهجك مستقيمًا لا تعتريه تعرجاتٍ ولا منعطفات لأنك أنتَ بمثابة الراعي لهم، ومتى صلحت صلحوا ومتى فسدت فسدوا! وعليك أن تكون ناصحًا جيدًا، وكتابًا مفيدًا، ومستمعًا صبورًا، ومتحدثًا لبقًا، ورفيقًا لينًا، وأبًا مثاليًا يُقتدى به.

كُن زوجًا صالحًا ليسير ابنك على نهجك، لترى ابنتك أنّ الحياة ستطيبُ كلما تمنت زوجًا كأبيها، حينها ستعكس أثرًا طيبًا نافعًا بين أفرادِ أسرتك ومجتمعك أجمع .اجعل بيتك مسجدًا أنتَ إمامه، أبناؤكَ رواده. حَبب القرآن في قلوبهم واجعل أخلاقهم خُلق القرآن .ازرع في نفوسهم حُب الله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم-، وصحابته ومن والاهم. طهر نفوسهم من البغضاء والحقدِ وكل قولٍ أو فعل سوء واجعل أخلاقهم أسمى هدف تسعى لأن تزرعه في أنفسهم  اجعل رفيقهم الأول ممن حولهم أنتَ .

اسأله عن حاله مرارًا وتكرارًا، اصحبه معك في اللقاءات المميزة بك، لتخبره كم هو عظيم بالنسبة لك متّع بصره برؤيتك وأطرب أذنه بسماع صوتك.أطل عليه صباحَ مساء، لا تهمله مهما أخذتك المشاغل، هِبْهُ الثقة بنفسه وبك، افتح له قلبك متى أراد.

خِتامًا ...أتذكرْ يوم أن نثرت الأرض فرحًا بمجيئه، يوم أن انضم لاسمك قطعة من روحك؟ أعلم أنكّ تذكرت وأنك ابتسمت أيضًا. إذن هلا أبدلت غضبك عليه لنصيحة تهديها له في أشد وقتها؟ هلا لففته لصدرك حينما يأتيك حزينًا مخذولا؟ هلا طمأنت قلبه عندما يأتيك مذعورا؟ هلا ذكرته بحبكَ دائمًا وأشعرته بمدى شوقك له، عندما تعود إلى المنزل بعد انقضاء عدة ساعاتٍ دون رؤيته.

أنت سنده الذي يستند عليه بعد الله، والكتف الذي متى مال مالَ عليه !إيمانًا بك أنك لن ترده، أنتَ النهج الذي سيتبعه على الحقِ كنت أم لم تكنْ !أنتَ العمود الذي يحاول مرارًا أن يستقيم مثلك ! أنت في حياته كنور الشمس نهارًا وضوء القمر ليلًا أنتَ الكتاب الذي ينهل من علمه كل يوم، أنت الصدفة العريقة في حياته، فلا تخذله.

اسأله عن حاله مرارًا وتكرارًا، اصحبه معك في اللقاءات المميزة بك، لتخبره كم هو عظيم بالنسبة لك متّع بصره برؤيتك وأطرب أذنه بسماع صوتك.أطل عليه صباحَ مساء، لا تهمله مهما أخذتك المشاغل، هِبْهُ الثقة بنفسه وبك، افتح له قلبك متى أراد، ازرع في قلبه حبًا ووردًا وعطرًا يفوح نسيمه بين كُل من التقى به ليكونَ الشبيه لك، المؤتنسُ بك !وإذا أخطأ انصحه ولا تضربه، وإذا تفوق، شجعه وعظّم من قيمته، تفاخر بنجاحه أمامه وأمام الآخرين! تمسّك به واتخذه رفيقًا.

ابنتك، أنتَ الحبيبُ الأول في قلبها، فلا تخذلها. حينما تأتيكِ منكسرةَ داوي ما كُسر فيها بلطفك، أسبغ عليها حنانك في كلِ وقت، لا تنتظر عينيها لتذبل، ولا دمعاتها لتسقط، ولا قلبها لأن يتوجع، ولا لآلامها بأن تتراكم أكثر فأكثر. مُدّ جناحيك لها وضمّها بينهما، أعطِها الأمانَ بأن لا شوكةَ ستنغُزها ما دامت محصنةً بحفظك لها. لا تُلقِ أذنيك لمن قال في البناتٍ سوءً.

وبدّل مفاهيمهم لعقيدةً ثابتةً في قلبك، رددْ في داخلك كلما نظرت إليها قوله صلى الله عليه وسلم فيهن: "البناتُ هنّ المؤنسات الغاليات". خذْ من كلام الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن ابنته فاطمة الزهراء حكمة ونهجًا تتبعه في تعاملك معها. " فاطمة بضعة مني يربيني ما يُربيها ويؤذيني ما يؤذيها"، أغدّق عليها حُبًا وحنانًا كحُب وحنان الرسول صلى الله عليه وسلم لبناته. اترك في نفسها أثرًا حسنًا تقتدي به من بعدككُن لها أبًا حقيقيًا، قدّر معنى الأبوة التي رُزقت بها، كُن على قدر المسؤولية التي كُلفت بها، أحسِن تربيتها وكُن ملاذًا آمنًا لقلبها.

أحسِن في زرع ثمرتك لتكون فيما بعد ثمرة طيبة صالحة ناجحة تُجزى عليها خيرَ الجزاء من الله سبحانه وتعالى في يوم الحسابلأنّه متى زرعت جيدًا، حصدت طيبًا، ومتى أنتَ صلحت، صلحت ذريتك. فجاهد في الدّنيا في صلاحهم، لتسعدَ في الآخرة بسببهم. ولا تنسَ أبناءكَ ذكورًا كانوا أم إناثًا، همْ هبة الله لك، حافظ على أعظم ما وُهبت في رحابِ الدنيا.