بنفسج

خلع مؤثرات "السوشال ميديا" للحجاب.. لنفهم أوّلًا

الأربعاء 26 يناير

ديما مصطفى سكران

كثيراتٌ من المؤثرات اللواتي يظهرن في منصات السوشال ميديا، تخلين عن وشاح الرأس بعد فترة، طالت أو قصرت، وقد بررن خطوتهن هذه، تحت ضغط مساءلة المتابعين، بأنها "قناعة جديدة أو نظرة متفتحة للحياة والدين والحجاب"، في حين أن لا أحد يتحدث عن أهم أسباب خلع مؤثرات "السوشال ميديا" للحجاب، وهي "السوشال ميديا" نفسها.

إن الحجاب والسوشال ميديا يتناقضان تناقضا كليًا في أمرين؛ أولهما الغاية المرجوة من كل منهما في حياة المرأة؛ وثانيهما مساحات تأثيرهما في هذه الحياة. إن الحجاب ليس وشاحًا للرأس فقط، بقدر ما هو طريقة حياة، وغايته باختصار هي وضع المسافات لحماية المرأة أثناء ممارسة الحياة العامة.

الحجاب يعني ألا تقترب مني أكثر من اللازم، ألا ترى مني أكثر من اللازم، ألا تتحدث معي أكثر من اللازم، أن تحترم حدودي، وألا تدخل حرمي الشخصي. الحجاب يعني حفظ الخصوصية، وترسيم الحدود بين المرأة ومجتمع الحياة العامة ككل. ولذا فإن الحجاب يختفي في مساحات الحياة الخاصة للمرأة، لانعدام الغاية المرجوة منه، حيث تكون البيئة عائلية وآمنة، تستطيع المرأة فيها الاسترخاء والتحرك بحرية.

| فلسفة "السوشال ميديا

أما غاية وسائل التواصل الاجتماعي هي، ويا للمفاجأة، التواصل الاجتماعي! أن تتواصل أكثر، أن تراني أكثر، أن تسمعني أكثر، أن تدخل مساحاتي الخاصة، وأن أكسر حدودي بملء إرادتي، لأسمح للآخرين بالعبور إلى حرمي الشخصي! وبينما يتنحى الحجاب من حياة المرأة على عتبات البيوت، فإن السوشال ميديا ترافق المرأة في كلا الفضائين العام والخاص من حياتها.
أما غاية وسائل التواصل الاجتماعي هي، ويا للمفاجأة، التواصل الاجتماعي! أن تتواصل أكثر، أن تقترب أكثر، أن تراني أكثر، أن تسمعني أكثر، أن تدخل مساحاتي الخاصة، وأن أكسر حدودي بملء إرادتي، لأسمح للآخرين بالعبور إلى حرمي الشخصي! وبينما يتنحى الحجاب من حياة المرأة على عتبات البيوت، فإن السوشال ميديا ترافق المرأة في كلا الفضائين العام والخاص من حياتها.

لذا فإن فلسفة السوشال ميديا التي صُممت منصات التواصل الاجتماعي بناء عليها، تتناقض كليًا مع فلسفة الحجاب، في غايتها أولًا، وفي ميدان وجودها ثانيًا. إن الدخول في هذا العالم، يعني أن تكون مستعدًا طوال الوقت، لالتقاط الصور والفيديوهات، ولتسجيل أي حدث طارئ يستحق المشاركة مع الناس، بدءًا من منظر غروب ساحر على الشاطئ، وانتهاءً بقهوة صباحية من قلب حرمك الشخصي، وربما من سريرك نفسه. وكم من فنان وفنانة، ومؤثر ومؤثرة أتحفونا بصورهم ببيجامات النوم، وهم يقولون لنا "تصبحون على خير"!

المشكلة الثانية هي الحجاب! بسبب غياب الحجاب عن الحياة الخاصة للمرأة، تصبح إمكانية الحضور المرئي على منصات التواصل مقتصرة على الأوقات التي تكون فيها الفتاة في الخارج، أما التصوير من داخل البيت فهو أمر لا يخلو من مشقة

في المساحات الخاصة، هناك أمران يعيقان الفتيات عمومًا عن الحضور على منصات السوشال ميديا، أولهما المكياج، فوضع المكياج قبل كل صورة أو فيديو أمر مرهق، يثبّط الفتاة عن تصوير نفسها. وجاء اختراع الفلاتر العظيم ليحل المشكلة، وزاد معه الإقبال على تصوير الذات في كل وقت. لن تحتاجي حتى لتغسلي وجهك صباحًا قبل الفيديو الأول!

المشكلة الثانية هي الحجاب! بسبب غياب الحجاب عن الحياة الخاصة للمرأة، تصبح إمكانية الحضور المرئي على منصات التواصل مقتصرة على الأوقات التي تكون فيها الفتاة في الخارج، أما التصوير من داخل البيت فهو أمر لا يخلو من مشقة، ويتطلب تغيير الهيئة البيتية قبل التصوير، وبين كل لقطة طارئة وأخرى، وبالتالي يحرم المرأة من فرصة الاسترخاء بملابسها المريحة في البيت.

وهكذا، فإن انقطاع التصوير أثناء الوجود في الأماكن الخاصة، أو تعسيره بوجود الحجاب، يضيع على الفتاة المحجبة الكثير من فرص الانتشار والربح، خاصة وأن مواضيع الفيديوهات البيتية غنية جدًا، وتسمح بالكثير من الإنتاج المرئي، سواء في الفلوقات أو في الفيديوهات التمثيلية. لقد حلت بعض المؤثرات من المحجبات المشكلة بارتداء العمامة أو البيجامات ذات القبعات المعلقة، أو بارتداء رداء الصلاة كهوية بصرية لهن، لكنها تبقى حلولًا غير عملية!

يصبح التخلي عن الحجاب الحل الجذري الوحيد، الذي يسمح أخيرًا بالانغماس في نمط الحياة الجديدة إلى أقصى حدوده الممكنة، والاستفادة من خوارزمياته ومعادلاته الربحية. قد تكون تبريرات التخلي عن الحجاب المعلنة، هي "التحرر من التقاليد، أو تغيير القناعة، أو نظرة أكثر فهما للدين والعبادات"، لكن الدافع الحقيقي غالبًا ما يكون بسيطًا ومفهومًا، وهو رفع المشقة، والاستجابة لضغط الحياة الجديدة، التي تتطلب إشراك المساحات الخاصة في الحضور المرئي على منصات التواصل.

عندما تدخل الفتاة عالم وسائل التواصل الاجتماعي، لا تكون غالبًا على علم بالضغوطات التي تنتظرها، حتى تجرب هذه الحياة عن قرب، لذا فإن تخلي مؤثرات السوشال ميديا عن الحجاب، هو استجابة نهائية لرحلة طويلة وتدريجية من الضغوطات المتراكمة، وهو لا يكون عن طيب خاطر بالفعل، ولا يكون عملًا صادرًا عن إرادة حرة، بقدر ما يكون نتيجة للوقوع في شراك هذا العالم، الذي يصعب الخروج منه.

قد تدرك الفتاة ذلك أو قد لا تدركه تمامًا، وهي تُلبس قرارها بخلع الحجاب، لباس الإرادة الحرة، والقناعة التامة، ففي النهاية، سيبدو عملًا بطوليًا، أن تخبر الناس بشجاعة أنك غيرت قناعتك، ولكنك ستظهر بمظهر الضعيف، حين تعترف أنك مجبر على هذا التغيير.

لا يعني كلامي أعلاه، التنفير من دخول عالم السوشال ميديا بالصوت والصورة بالمطلق، ولكنه يعني دخولها على بصيرة، واللعب بقواعدك أنت لا بقواعدها. فقبل أن تقرري خوض عالم التواصل الاجتماعي، أو تدفعي بابنتك إليه، كوني على وعي بطبيعة الضغوط التي ستضعين نفسك أو ابنتك تحت سلطانها، وكوني على وعي بأن تلجمين طمعك بالمزيد من الانتشار والمال، وألا تضحي لأجل ذلك بمساحتك الخاصة وحدود أمانك، وكوني على وعي بأن تتناولي وسائل التواصل الاجتماعي كما تتناولين الدواء، على بصيرة، وبحذر، وبجرعات مدروسة.