بنفسج

الطبيبة سجى حمدان: حبة قمح تطمح أن تصبح حقلا!

الأربعاء 24 مارس

كالفراشة تتنقل "سجى" بين أعلى قمم جبال العلم بتخصصاته الطبية وأعلى درجات الهرم الأدبي، فتارة تقف على زهرة بيضاء انعكست داخلها صورة أسنان طببتها للتو، وتارة تحوم حول بستان به وردة حمراء، اقتبست لونها من دم شهداء فلسطين، فترى فيها الحب والحرب والوجه الآخر للحياة، فتحولها إلى مادة أدبية تنسجها أناملها من وحي الواقع والشغف بعدما جعلت من نفسها بستانًا آخر يجمع التناقضات والكثير من الفوارق.

ثلاثة أشياء يجمعها الشغف وتنصب في قالب واحد من التناقض؛ شغف الكتابة وحب الطب وهواية الصحافة والإعلام، تتبلور في قلب الطالبة سجى سامي حمدان، وهي على عتبات التخرج في قسم طب الأسنان في جامعة الأزهر، والتي تميزت بإبداعها في كل المجالات التي يستهويها قلبها، كما أنها تحصد الجوائز في ذات الطريق.

ولكن ماذا يعني القلم لطبيبة الأسنان، وكيف توفق بين الطب ومجال الإعلام؟ وهل من رسالة تحملها، ماهي أبرز الإنجازات والتحديات؟ وهل من شعار تحمل لواءه في الحياة؟ وكيف لها أن تحقق التكامل بين الهواية والتخصص؟ وما هي نقطة الانطلاق الحقيقة في عالم الكتابة؟

| نقطة الانطلاق

الطالبة سجى سامي حمدان، على عتبات التخرج في قسم طب الأسنان في جامعة الأزهر، تميزت بإبداعها في كل المجالات التي يستهويها قلبها، كما أنها تحصد الجوائز في ذات الطريق.
 
تقول سجى: "الكاتب ابن بيئته، وبالتالي يؤثر ويتأثر فيما وفيمن حوله، وأنا أكتب منذ عام 2012 إلا أن بدايتي لم تكن سوى "خرابيش"، ولم ترتق لمستوى عالٍ، نقطة الانطلاق الحقيقة كانت في بعد زياراتي لحي الشجاعية المدمر خلال العدوان الإسرائيلي في عام 2014 وكان الأمر كارثيًا".

"الكاتب ابن بيئته، وبالتالي يؤثر ويتأثر فيما وفيمن حوله، وأنا أكتب منذ عام 2012 إلا أن بدايتي لم تكن سوى "خرابيش"، ولم ترتق لمستوى عالٍ، إلا أن الكتابة كانت الطريق الوحيد لأتنفس الراحة". هكذا لخصت بداياتها في عالم الكتابة. وأضافت: "نقطة الانطلاق الحقيقة كانت في بعد زياراتي لحي الشجاعية المدمر خلال العدوان الإسرائيلي في عام 2014 وكان الأمر كارثيًا".

وأكدت  على إجرائها مقابلة لإحدى المتضررات التي هدم قلبها، بعدما هدم منزلها بالكامل، واستمعت لقصة هروبها مشيًا على الأقدام من حي الشجاعية إلى حي تل الهوا، لتعود بعدها بذات الطريقة بحثًا عن ابنها المفقود رغم المرض، فرأت حمدان في قصتها حدثًا يستحق التوثيق، كي لا ينسى ولا يندحر لتصبح بذلك مشروع كاتبة جديدة.

وتعتبر  أن القلم وسيله للراحة وتفريغ المشاعر، وطريقة لإخراج بعض المشاكل الداخلية التي لا نستطيع البوح بها أو سردها. وأوضحت أن وقت الضغط هو الوقت الزاخر بالكتابة لديها، مفصحةً عن شعورٍ يجتاحها فيدفعها نحو الكتابة في هذا الوقت، موضحة أن "هشاشة" كانت وليدة الضغط، وإنتاج حفته السرعة، حين سكبت ما خطر ببالها على مسودة الهاتف، ثم غابت عنها كل التوقعات بالنشر أو الفوز.

وأضافت: "إن الإنسان يكتب ليستمر على قيد العقل والحرية، كون الكتابة حاجة وضرورة، لا رغبة ورفاهية"، لتعكس بذلك طبيعة الكتابة التي تتمدد عن الإنسان، وأشياؤه المتعلقة بالكون من حوله، داعية الجميع للخوض في الكتابة لجلب شعور الراحة، وإن لم يكن الشخص كاتبًا أو شاعرًا، وأكدت سجى حين سألتها عن سر هذا الشغف أنها مجبولة على حب الكتابة، حيث قالت: "هواية الكتابة والإعلام في غريزتي".

| أبرز الإنجازات

i5.png
 

هممت بالمغادرة قبل انتهاء الحفل، في منتصف خطاب أبيك، تمامًا حين خذلته حنجرته، وانقطع عنه الكلام، ثم أدركنا بعد ذلك أنه أجهشَ بالبكاء فوق المنصة، دون أن يدري. خرجتُ بك معي، في أحد أجياب سترتي الأقرب منها إلى القلب. الحب لا يموت برحيل من نحب، يرفض القلبُ استيعابَ أية كوارث جديدة أو حوادث إضافية؛ وذاك جمال الحب، وذاك مصيبته وانخناقه في آن!

بهذا المشهد تختصر حمدان صورة الألم التي تَعمُّ حفل تأبين الشهيد الفلسطيني، ولا تتوقف عن التكرار، فتُلخِصُها عبر خاطرة "هشاشة" التي اعتلت قائمة إنجازات سجى الإعلامية والكتابية، والتي حصدت المركز الأول في مسابقة نفذها اتحاد الكتاب والمثقفين العرب حول العالم، لتفوز بعدها بالمركز الثالث في مسابقة "إبداعات" التي عقدتها وزارة الثقافة الفلسطينية، لتمسي فرحة سجى بهشاشة كفرحة الأم بابنتها الأولى، كما أنها نالت لقب أفضل قصة خلال مسابقة أخرى عُقدت في نهاية دورة تدريبية بعنوان "القصة الصحفية" في مؤسسة بيت الصحافة.

إضافة إلى سلسلة من الأعمال الإعلامية المنشورة، ابتداءً من الإعلان الترويجي Dentx المخصص لطلبة طب الأسنان، وهو البرنامج الذي يشابه في فكرته منصة TEDx، وسلسة الفيديوهات التوعوية التي نفذتها ضمن مبادرة "لأنكم بتهمونا" التابعة لمؤسسة بيت الصحافة. كما نشرت سجى مقالًا في مجلة "صوت المرأة"، إلى جانب سلسلة الفيديوهات التوعوية المنشورة على صفحة الاتحاد الفلسطيني لطلبة طب الأسنان، وتخللتها التوعية بسرطان الفم، إضافة إلى الكثير من الأعمال الإعلامية المنشورة في قسم المنوعات بصحيفة فلسطين، وذلك بعدما انتسبت لها كمتطوعة. تقول "لقد كان تطوري في مجال الكتابة والإعلام خلال هذه الفترة كوني تلقيت الكثير من التدريبات اللازمة كأساسيات للعمل في هذا المجال".

وأضافت سجى: "هناك قصة تأخذ حيزًا في قلبي وعقلي، وهي قصة الشهيد الزاملي التي نشرت في أكثر من وكالة منها وكالة سبق والرسالة نت وGaza post". وتلخص  في هذه القصة مشاهد ربما تكررت في حضرة مواكب الشهداء، لتبدع في وصف عمق الصدمة التي تغرق بها كل أمٍ فلسطينية يرحل نجلها شهيدًا على غفلةٍ وفي لحظة غدر، لتكتب "يمرُّ الخبرُ بكافة الحواس قبل أن يصل مرحلة الاستيعاب، فينقطعُ عن الحنجرةِ حبلُ الكلام، وتشخصُ العين فلا تستطيعُ البكاء، لا تُصدق الأم، فتركض على ملئ وجهها إلى مستشفى النجار برفح، لسانُ قلبها يقول "مستحيل" بعدما وقف الخبر في منتصف روحها فشطرها إلى نصفين، لتتأكد حين وصولها من استشهاده، مشاهد تتوالى لا تبدِ لها رواء ردُّ فعلٍ يُذكر وهي لا تزال داخل قوقعة الصدمة".

"ولكن كيف لكِ تحقيق التكامل بين تخصص الطب وهواية الإعلام، وكيف توفقين بينهما؟".  تجيب : "من الطبيعي أن أسخّر الإعلام في خدمة الطب"، مشيرة إلى أن هناك ما يسمى بالإعلام العلمي. وهو الإعلام الذي يرفع من الثقافة العلمية، ويعمل على تنمية الوعي العلمي والطبي لدى الأفراد والمجتمع من خلال تبسيط العلوم ونشرها على نطاق واسع باستخدام المطبوعات، أو عبر البرامج العلمية وغير العلمية، بشكل يحقق التواصل المستمر بين الحركة العلمية والجمهور غير المتخصص.

| بين الهواية والتخصص

i3.png
 

تقول سجى: "حلمي أن أصنع فيديوهات توعوية، أُسخّر فيها الجزء الذي تعلمته في توعية الناس، خاصة أن هناك الكثير من المعلومات غير المعروفة لبعض الناس، خصوصًا سكان المناطق المهمشة". أما حول كيفية التوفيق بين التخصص والهواية، تضيف: "هذا الشيء لم يكن عن سبق إصرار وترصد، فالطب هي مهنة لتخصص، أدرسه وأتقيد به في الجامعة، بينما الإعلام هواية، والكتابة هي تداع حر لما يجول ويصول في خاطر الإنسان، فيفرغه على الورق"، معتبرة أن الإنسان يهرب من تعب التخصص إلى متعة الهواية.

وحول التحديات التي واجهت حمدان، فقد لخصتها في البدايات الصعبة، والتي عانت فيها من غياب الحواضن وعدم التقبل، إلى جانب عدم قبولها للانخراط في مجال الإعلام، أو حتى التنشيط في مؤسسات الأطفال، وإن كان ذلك من باب التطوع نتيجة الفجوة الكبيرة بين تخصصها والهواية، كما أنها واجهت مشكلة تصنيف الناس للأشخاص وقولبة الأشياء والأفراد.

تكمل: "كثيرًا ما كنت أسمع ’أنتِ طبيبة أسنان ركزي بتخصصك‘ ولكني دائمًا ما كنت أصم أذناي عن ترهات الناس وأمنع تأثري بحديثهم، والاختيار بين التخصص والهواية أمر في غاية الصعوبة حيث أن لكل واحد نكهته، فبين الأطباء وراحة المريض أشعر بالسعادة وبين زملائي الإعلاميين، وأساتذة الأدب أشعر بالفخر والسعادة أيضًا".

تؤكد حمدان على ضرورة أن يكون الطبيب مثقفًا سياسيًا واجتماعيًا، بل وفي كل المجالات كونه قدوة لغيره، مشيرة إلى أن الطب لا يعني الانهماك في الكتب وإهمال الجوانب الأخرى، معتبرة أن ذلك هو الطريق لفشل الطبيب في التعامل مع المرضى، حتى وإن حصل على الامتياز مع مرتبة الشرف كونه عزل نفسه مسبقًا.

| الشعار وجديد المستقبل

 
أما عن الإنجازات القادمة لسجى، فقد أكدت على بقائها على ذات الوتيرة في طريق التطوير وتحقيق الذات، إلى جانب سعيها لتتعلم شيئًا من كل شيء، مشيرة إلى إمكانية وجود إنجاز يلوح في الأفق، خططت له من فترة طويلة وتعمل عليه حاليًا. 
 
تقول: "ما زلت أعتبر نفسي في بداية الطريق، ولدي مشوار طويل لأسلكه في درب التعليم والمعرفة". وحول شعارها في الحياة، فقد أكدت على وجود العديد من الشعارات التي تعتنقها، ولعل أبرزها "قف دون رأيك مجاهدًا، إن الحياة عقيدة وجهاد".
وحول شعارها في الحياة، فقد أكدت على وجود العديد من الشعارات التي تعتنقها، ولعل أبرزها "قف دون رأيك مجاهدًا، إن الحياة عقيدة وجهاد"، مبررة هذا الاعتناق بإمكانية تحقيق بعض الذي تتبادر استحالته لأذهاننا بالإصرار والإيمان، مشيرة إلى ضرورة الاستمرار بالإيمان والانتماء للأشياء التي نحب، مؤكدة أن الأمر ليس سهلًا، لكن العمل المتواصل يجلب الأهداف.

وأضافت: "ليس الفتى من يقول كان أبي إنما من يقول هأنذا، لذا لابد من التطوير، فحبة القمح تحلم أن تصبح حقلًا". وحول الداعمين لحمدان، فقد أكدت على أن عائلتها ووالدتها هم أبرز الداعمين لها إلى جانب احتضان صحيفة فلسطين لها، ودعم وتوجيه الإعلامي نبيل سنونو، ومؤسسة بيت الصحافة التي قدرت هوايتها، إلى جانب رابطة الكتاب والمثقفين العرب التي منحتها العضوية العاملة فور توجهها إليهم.

أما عن الإنجازات القادمة لسجى، فقد أكدت على بقائها على ذات الوتيرة في طريق التطوير وتحقيق الذات، إلى جانب سعيها لتتعلم شيئًا من كل شيء، مشيرة إلى إمكانية وجود إنجاز يلوح في الأفق، خططت له من فترة طويلة وتعمل عليه حاليًا. تقول: "ما زلت أعتبر نفسي في بداية الطريق، ولدي مشوار طويل لأسلكه في درب التعليم والمعرفة".

| الرسالة وفرصة الحجر

i4.png
 

وعن رسالة سجى، فقد لخصتها في ضرورة استثمار الوقت بالمفيد والاستمتاع بالهواية قائلة: "أنت لا تمن على الهواية عندما تمارسها، بل هي من لها فضل عليك لأنها تجدد طاقتك". وأضافت: "ما زلت أشعر بحاجتي لمزيد من العلم والمعرفة، وذلك لأن بداية الجهل هو أن تظن نفسك أنك تعرف".

وتابعت: "علينا استثمار الوقت، كون كل شخص لديه وقت فراغ مهما بلغ انشغاله، ولعل الدورات التدريبية والتطوع في المجالات المفيدة هي من تبني شخصيتك وتمنحك شهادات صغيرة، إلى جانب الشهادة الجامعية الكبيرة في التخصص أو الدراسة". وأكدت على أنها لا تستلم لضيق الوقت والحياة، معتبرة أن انتظار الأيام الصعبة أن تمر هو مرور للعمر لا لليوم فقط.

وفي ختام رسالتها، أكدت على ضرورة الاستثمار وعدم الاستسلام، مؤكدة أن الجلوس في البيت ليست بداية الموت وجمود الحياة، بل ربما تكون بوابة جديدة لإنجازات كثيرة. مستدلة بإنجازات حصدتها فترة الحجر المنزلي، تنقلت فيها بين حصد الجوائز والالتحاق بالدورات الإلكترونية.

كما شددت على ضرورة الاحتفاظ بالأشياء التي نحبها، والتمسك بهواياتنا دون أن نتركها تضيع بين سكك المهنة، وعلى ضرورة حسن الظن بالله، والنظر إلى الحياة على أنها وردية وإن لم تكن كذلك، والإيمان بجمال عوض الله، معتبرة أن عام 2020 يمثل بداية انطلاقة جديدة حيث قالت: "لم أتوقع في حياتي أن تكون أغلب إنجازاتي خلال (3) أو (4) شهور، فكل هذه الإنجازات التي حققتها كانت من شهر تموز/يوليو 2020، حيث كانت فترة الحجر المنزلي فرصة ذهبية لتطوير نفسي، رغم أن هذا العام يحمل الكثير من المتاعب، إلا أنه كان عامًا جميلًا بالنسبة إلي، فعوض الله جميل دائمًا".

وفي ختام رسالتها، أكدت على ضرورة الاستثمار وعدم الاستسلام، مؤكدة أن الجلوس في البيت ليست بداية الموت وجمود الحياة، بل ربما تكون بوابة جديدة لإنجازات كثيرة. مستدلة بإنجازات حصدتها فترة الحجر المنزلي، تنقلت فيها بين حصد الجوائز والالتحاق بالدورات الإلكترونية، والمشاركة في أسبوع صناعة القراء قائلة: "دائمًا ما دعيت أن تكون هذه الفترة فترة استثمار، لا قتل للوقت، لذا أحب هذه الفترة كونها الأكثر إنجازًا".