بنفسج

صناعة التأثير: قطان وحديد تنتصران لفلسطين

الأربعاء 16 يونيو

نتفق جميعًا أن الدنيا وأحوالها يتغيران بسرعة البرق، خصوصًا في زمننا هذا. وتصنيف الناس، وخصوصًا النساء، ضمن قوالب معينة، أصبح أمرًا شائعًا. عادةً ما يتم النظر إلى النساء العاملات في عرض الأزياء أو التجميل بأنهن سطحيات نوعًا ما ومنفصلات عن الواقع، من الممكن أن يكون هذا نظرًا إلى أن عملهن يتركز بشكل مباشر على المظاهر وعلى تجميل وتحسين الظاهر، مما يقلل الانتباه على جوهرها، كإنسان، أو شخصيتها.

بعض هؤلاء النساء نجون من هذه المصيدة ونجحن نجاحًا كبيرًا في هذه المجالات، وفاجأن الجميع، في أصعب الأوقات، بأنهن كن أكثر تأثيرًا، وأعمق فكرًا، من مدعي العمق أو العاملين في مجالات صنع القرار في العالم. هدى قطان، أمريكية من أصل عراقي، في نهاية الثلاثينيات من عمرها، مؤسسة شركة هدى بيوتي لمستحضرات التجميل، والتي يبلغ صافي ثروتها مليار دولار أمريكي في عام 2021، هدى متزوجة من أمريكي من أصل كولومبي، وهي يوتيوبر وخبيرة تجميل، قبل أن تؤسس شركتها التي أدخلتها إلى عالم مشاهير المال والأعمال.

وفي النهاية، أعلنت أنه لديها منتج جديد قد أرسلت نماذجَ منه بالفعل إلى خبراء التجميل المشاهير كي يجربوه، وأن موعد إطلاقه الرسمي قد حان ولكنها لن تعلن عنه، ولن تحتفل والناس في فلسطين يموتون والعالم غافل عنهم. وقتها تأثرتُ شخصيًا بهذه اللفتة واحترمتها جدًا، خصوصًا أن منشوراتها هذه غيّرت من وعي وآراء ملايين الناس.

نرى عبر مقاطع الفيديو التي تنشرها هدى بشكل مكثف أن نمط حياتها غربي جداً، أمريكية كما الأمريكان، في هندامها، وكلامها، وأفكارها، وتربية ابنتها، وحتى في دقتها العملية. ما فاجأ الجميع أنه في أحداث فلسطين الأخيرة في الشيخ جرّاح وغزة، حيث كان لهدى موقف مؤثر وغير متوقع في دعم القضية الفلسطينية، إذ بادرت بنشر المقاطع التي تدين "المستوطنين الإسرائيليين" لمتابعيها الذي يتجاوز عددهم 48 مليون متابع، ومن ثم نشرت عن المظاهرات العالمية التي تدعم القضية في عدد من المدن العالمية، وبعدها نشرت عن نواب الكونغرس الأمريكان الداعمين للقضية الفلسطينية.

وفي النهاية، أعلنت أنه لديها منتج جديد قد أرسلت نماذجَ منه بالفعل إلى خبراء التجميل المشاهير كي يجربوه، وأن موعد إطلاقه الرسمي قد حان ولكنها لن تعلن عنه، ولن تحتفل والناس في فلسطين يموتون والعالم غافل عنهم. وقتها تأثرتُ شخصيًا بهذه اللفتة واحترمتها جدًا، خصوصًا أن منشوراتها هذه غيّرت من وعي وآراء ملايين الناس ممن كانوا فعلًا لا يعرفون عن القضية سوى ما يصدره الإعلام الغربي الداعم لــ "إسرائيل"، ويستطيع أي شخص أن يلمس هذا التأثير من قراءة التعليقات على منشوراتها الآنفة ذكرها. شردتُ مع نفسي في حينها أفكر أنه سبحان الله، يضع سرّه في أبعد الناس عن ظنك، ويضع خيره فيمن لا قد لا تنتظر منه هذا الخير، لا تحكم أبدًا على أحد، وحده الحاكم له الحق في ذلك، وما نحنُ جميعًا سوى مخلوقات ضعيفة نحاول جهدنا أن نعمر الأرض وننصر الحق ونكشف الباطل.

المثال الثاني هو عارضة الأزياء الأمريكية – الفلسطينية الأصل، إيزابيلا محمد خير حديد، والمعروفة ببيلا حديد. عارضة أزياء من الطراز الأول وحاصلة على عدة جوائز عالمية، شابة تبلغ من العمر 26 عامًا، مع اندلاع أحداث فلسطين الأخيرة خرجت مرتدية الكوفية الفلسطينية في مظاهرات مع الآلاف في مدينة بروكلين في نيويورك، دعماً للقضية، وتنديدًا بالعمليات الإجرامية التي يقوم بها الاحتلال الصهيوني، بيلا يتبعها ملايين المراهقين والمراهقات في العالم، وهي مثال وقدوة في عالم عرض الأزياء الذي كما أوضحتُ سابقًا، قد يكون من آخر الأماكن التي قد يفكر الشخص أنه من الممكن أن يرى منها دعمًا لقضية إنسانية سياسية كالصراع الفلسطيني مع الاحتلال.

المدهش أن الحكومة "الإسرائيلية" بنفسها ردت على بيلا وشهّرت بها قائلة: عيبٌ عليكِ! كانت بيلا أثناء المظاهرات تهتف بأن فلسطين حرّة من النهر إلى البحر، وقد صرّح الناطق باسم الحكومة الصهيونية أن تصريح بيلا هذا هو بمثابة دعوة لإبادة دولة "إسرائيل" من الوجود، وأنها لا يجب أن تعتبر هذا الصراع فلسطينيًا "إسرائيليًا"، ولكن صراعًا إنسانيًا! يفاجئني دائمًا هؤلاء الصهاينة بمدى وقاحتهم، وكيف أنهم يتبعون بكل ثبات منهج أكذب وأكذب حتى يصدقك العالم!

النساء مؤثرات جدًا، حتى وإن بدون لكم أنهن سطحيات وتافهات ومهتمات بالمظهر الخارجي أكثر من أي شيء، حين يجد الجد، تراهنّ في موقف تأثير لا يستطيع مئات الرجال تحقيقه. المعايير اختلفت في عصرنا الحالي، ومن المهم جدًا أن نطور وعينا أيضًا وأخلاقياتنا بأن نؤمن يقينًا أننا لسنا المنوطون بالحكم على البشر، وأن المواقف والأفعال هي صاحبة اليد العليا أولًا وأخيرًا.

أثناء الأحداث، وفي إحدى النقاشات، أخبرتُ أحدهم أنه من الأشياء التي أعتقد أن الكيان الصهيوني غفل عنها، أن هؤلاء اللاجئين الذين تم إرسالهم وتشتيتهم في كل أنحاء العالم أصبحوا الشوكة التي بدأت توخز جسد هذا الكيان، شخصية مثل بيلا، ولدت في لوس أنجلس وهي أمريكية قلبًا وقالبًا، وتعيش حياة مشبعة بكل القيم الغربية، لم يتوقع أحد أن تهتم من الأساس، وحتى إن اهتمت سيكون من المتوقع أن تصدق الرواية "الإسرائيلية" عن الصراع، ولكن ما غفلوا عنه أن أباها حكى لها، حكى كيف تم طردهم من بيوتهم في العام 1948 عندما كان طفلًا وكيف تنقلوا من ملجأ إلى ملجأ، ومن دولة إلى أخرى حتى وصلوا للولايات المتحدة.

بيلا ولدت أمريكية وعاشت أمريكية، ولكن لم تنسَ الحق، ولم تتوانَ عن نشره في عصر الإنترنت بعد ما يقارب من 80 عامًا من بدء الاحتلال. مرةً أخيرة، النساء مؤثرات جدًا، حتى وإن بدون لكم أنهن سطحيات وتافهات ومهتمات بالمظهر الخارجي أكثر من أي شيء، حين يجد الجد، تراهنّ في موقف تأثير لا يستطيع مئات الرجال تحقيقه. المعايير اختلفت في عصرنا الحالي، ومن المهم جدًا أن نطور وعينا أيضًا وأخلاقياتنا بأن نؤمن يقينًا أننا لسنا المنوطون بالحكم على البشر، وأن المواقف والأفعال هي صاحبة اليد العليا أولًا وأخيرًا.