بنفسج

ماذا لو؟ أن تعتذر بشجرة

الثلاثاء 10 اغسطس

أتذكر في صغري أني كنتُ إن فعلتُ شيئًا خاطئًا أو كذبت، بعد الاعتراف والاعتذار لوالديّ، كان لزامًا عليّ أن أستغفر 50 مرة على الأقل اعتذارًا إلى الله كي يسامحني على خطأي. لازمتني هذه العادة سنين طويلة، وأضفتُ إليها مع الأيام أن أنافس الخطأ غير المقصود بفعل خيرٍ أكبر منه كي يطغى عليه ويمحو هذا ذاك. مؤخرًا، وأثناء تصفحي لأخبار وتقارير عامة على شبكة الإنترنت، صدمني تقرير حديث صادر عن الأمم المتحدة بخصوص مدى خطورة التصحر الذي يحدث في العالم وانحسار المساحات الخضراء على كوكب الأرض.

تخيل إن ثلاثة من بين كل 4 هكتارات من الأراضي حول العالم، تم تغيير حالتها الطبيعية، بينما انخفضت القدرة الإنتاجية لواحدٍ من بين كل 4 هكتارات من الأراضي الزراعية في العالم. ويؤثر تدهور حالة الأراضي المتزايدة على 3.2 مليار شخص في جميع أنحاء العالم، مما سيتسبب، إلى جانب تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي، في إجبار ما يصل إلى 700 مليون شخص على الهجرة الداخلية أو الخارجية، بحلول عام 2050.

ماذا لو؟ ماذا لو كان الحل أن نعتذر ونستغفر بأن نزرع بذرة أو شتلة؟ ماذا لو كان الحل بسيطًا جدًا ولا يحتاج لشيء سوى لجهد جمعي متراكم؟ في دولنا الغارقة في صراعات الفساد والسلطة والحروب الباردة والساخنة، لا يستطيع أحد أن يتكل على اهتمام أيٍ من الحكومات بقضية كهذه.

المشكلة أن هذه الأخبار تمرّ علينا مرور الكرام، بينما تتأثر 70 دولة بالجفاف كل عام، وغالبًا ما يكون العبء الأكبر على أفقر المجتمعات (والتي نحن "الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" منها)، التي تواجه بالتالي نضوبًا في الموارد وتترك للاعتماد على المساعدات الإنسانية. المخيف أن تدهور الأراضي له صلات أيضًا بقضايا السلام والأمن، إذ إنه يجبر المجتمعات على التنافس للحصول على الأرض والمياه، وفي بعض الحالات، يتحول هذا التنافس إلى صراع كما نرى في حالة سد النهضة بين دول مجرى النيل أو أنهار العراق التي تجف بسبب رغبة تركيا بالاستئثار بالموارد المائية.

شردتُ بعدها لدقائق مفكرةً أن ماذا لو؟ ماذا لو كان الحل أن نعتذر ونستغفر بأن نزرع بذرة أو شتلة؟ ماذا لو كان الحل بسيطًا جدًا ولا يحتاج لشيء سوى لجهد جمعي متراكم؟ في دولنا الغارقة في صراعات الفساد والسلطة والحروب الباردة والساخنة، لا يستطيع أحد أن يتكل على اهتمام أيٍ من الحكومات بقضية كهذه، ما دام لا عمولة يقبضونها أو سمسرة يتلقونها من مشاريع الزراعة المحلية، لن نسمع سوى صدى أصواتنا ونحن نشرح الكارثة التي ستقبل عليها الأجيال القادمة.

ماذا لو كان الحل بيدنا؟ لمَ لا نتعامل مع هذا الموضوع بمحاولة الاعتذار من هذه الأراضي الطيبة التي هي مصدر 99.7% من غذائنا؟ تخيلوا لو أننا كلما اخطأنا في شيء أو أحسسنا بالذنب، أو كذبنا، أو أردنا فعل شيء جيد، ذهبنا لنزرع شتلة أو شجرة أسفل العمارة التي نسكنها أو أمام البيت، أو في أطراف المدينة.

الشيء الوحيد الذي لدينا الكثير منه في بلداننا، هو البشر. نحن شعوب تعدادها بالملايين، ماذا لو عاملنا هذه الأرض على أنها صندوق التوفير الذي نجمع فيه القليل من النقود كي يقبضها أولادنا ومن يأتون بعدنا على هذا الكوكب. ماذا لو توقفنا عن إعطاء المال للمتسولين القادرين على العمل في إشارات المرور والمتاجرين بأطفالهم، وزرعنا بعض البذور أو الشتلات وسقيناها كصدقة جارية تنفع الناس حتى بعد أن نترك هذه الحياة.

لنخبر أولادنا وهم يكبرون أن من أعظم الخير أن ننبت شجرة، تنقي الهواء وتمنع الغبار وتوسع رئة الكوكب بأكمله وتنتج ثمرًا وظلًا ويقتات عليها بشر وحيوانات وطيور، ماذا لو أخبرناهم أننا نستطيع بالفعل أن نغير الواقع، وأن شجرة واحدة تزرعها كل عائلة وتعتني بها ستصبح مليون شجرة، وستكبر هذه الأشجار مع أبنائنا وسيصبح لديهم هواء أفضل من التلوث الذي نستنشقه، وغطاء أخضر أفضل من الغبار ولونه الذي يطغى على كل ما نراه.

من يدري؟ لعل وعسى يكبر أحد هؤلاء الأبناء يومًا ولديه تلك العادة، ويصبح وزيراً أو مسؤولاً ويستخدم سلطته ليصدر قرارًا بمنع قطع الأشجار لإقامة كتل اسمنتية، أو قرارًا بإجبار كل صاحب ملك بحدٍ أدنى من المساحات الخضراء على غرار ما هو متبع في دول أوروبا. أن تزرع شجرة، يعني أنك تؤمن بالغد، لأن أعظم الشعوب هي تلك التي يزرع كبارها أشجارًا يعرفون يقينًا أنهم لن يستظلوا بظلالها. ولكنه حب الخير للأجيال القادمة، ورغبتنا في أن نترك هذه الأرض مكانًا أفضل مما وجدناه عندما أتينا إليها.