بنفسج

مشكلات الأمومة في عصر "السوشال ميديا"

الثلاثاء 09 يونيو

لا يخفى على أحد منّا الموجة الحالية من الصفحات والحسابات الإلكترونية والمجموعات التي أصبحت تقدم نصائح للأمهات، أو رسائل توعوية أو حتى مشاركة التجارب في التربية والعلاقة بالأبناء وغيرها. يضاف إلى ذلك، الاهتمام المتعاظم بمنهج المونتيسوري في التربية، وقوائم الأنشطة والأدوات وحسابات الإنستغرام التي حصلت صاحباتها على هذا التدريب أو ذاك.

لقدم ازدحمت حياة الأمهات – خصوصاً الجدد – بعدد هائل من المعلومات والصور والمتطلبات التي جعلت الكثير منهن يصرحن بالإنهاك النفسي والعقلي نتيجة لمحاولة ملاحقة كل ما يتلقينه. ناهيك عن الصورة الأخرى لهذا السيل العارم المتشكلة في هيئة مجموعات التسويق لمنتجات الأطفال التي أغلبها لا فائدة ترجى منه، ولا يؤثر بصورة جذرية في حياة الأم والطفل. لكن، للأسف تشعر الأمهات بضغط قريناتهن، فيتحملن فوق الأعباء النفسية أعباء مادية.

ليس الغرض من هذه المدونة التشهير بهذه الحركة الاجتماعية الصاعدة، خصوصاً وأن البعض قد يصنفني على أنني جزء منها. الغرض هو أن نحاول التأمل قليلاً في هذه الظاهرة بصورة تسمح لنا بتنقيتها من الشوائب التي تجعلها سلبية التأثير على حياتنا، ونخلصها من الآفات التي تحرمنا الخير الكثير الموجود فيها.

 

| أمومة "السوشال ميديا": تجارب خاصة في ساحات عامة 

 

ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي بتوفير مساحات مفتوحة وغير مقننة لكل أم تريد أن تشارك تجربتها وتحكي أمام جمهور عريض من رجال ونساء. 
 
كانت هذه الظاهرة ذات تأثيرين أحدهما إيجابي تمثل بظهور مجموعات الدعم النفسي للأمهات  التي ساعدتهن على تجاوز الكثير من المشكلات، أما الآخر السلبي فكان العشوائية والكثير من الإشكالات في مصادر المعلومات ونوعية التجارب التي يتم تداولها.

قبل سنوات قليلة مضت لم يكن حضور الأمهات في الساحات العامة ممكناً كما هو الحال الآن. لقد ساهمت وسائل التواصل بتوفير مساحات مفتوحة وغير مقننة لكل أم تريد أن تشارك تجربتها وتحكي عنها أمام جمهور عريض من رجال ونساء. لقد انطلقت هذه التجارب خارج نطاق المنتديات النسائية المغلقة، لتصبح موضوعاتها وقضاياها متاحة للنقاش على العلن، وبصورة تساهم في جعل رحلة الأمومة بكل مكوناتها الجسدية والنفسية مألوفة أكثر لدى أفراد المجتمع.

 

بالنسبة لي شخصياً عندما بدأت في الحديث عن أمومتي منذ 7 سنوات مضت، لم يكن منتشراً أن تحكي الأمهات قصة ولادتهن مثلاً، أو أن تعبرن عن آلامهن الجسدية والتغيرات التي تطرأ على أجسامهن، ناهيك عن حديثهن علناً عن المشاعر السلبية التي ترافق الأمومة.

 

أما الآن، فإن الأعداد المتزايدة للأمهات المقبلات على مثل هذه العملية من المشاركة الجمعية تقلل من ثقافة العيب التي تغلف الحديث عن تجارب المرأة. لقد فتح هذا الباب المجال لتوفير مجموعات دعم للأمهات المرضعات والحوامل، وللأمهات اللواتي يعانين في تقبل الحياة الجديدة بعد الولادة، وللأمهات اللواتي يحتجن بعض التوجيه والإرشاد. لا يمكننا أن ننكر الأعداد الكبيرة من النساء التي وجدت في مثل هذه البيئة ملجأً ومنجىً لهن يهرعن إليه وقت الحاجة. كما أن الكثير من الصفحات توفر مصادر يمكن الرجوع إليها عند الحاجة، مساهمة في توفير المعلومة لمن يحتاجها بأقل جهد.

لكن هذه الوفرة أيضاً تسببت في الكثير من العشوائية والكثير من الإشكالات في مصادر المعلومات ونوعية التجارب التي يتم عرضها والسلوكيات التي يروج لها. نظراً لعدم وجود رقيب ولا حسيب، قد نجد ممارسة خطأ أو نصيحة في غير محلها تنتشر كالنار في الهشيم، ولكم أن تتخيلوا كم من الجهد الذي نحتاجه حتى نصححها في أذهان من استقبلوها.

ولأن العدد الأكبر من الأمهات اللواتي يساهمن في صناعة هذا النوع من المحتوى أمهات جدد أو أمهات الطفل الواحد، فإن تجاربهن غالباً ما تكون محدودة ومصبوغة بطابع من المثالية التي تنقل صورة غير واقعية، وغير ممكنة التحقق لأمهات أخريات في ظروف مختلفة، وهذا ما يتسبب في نوع من القياس على النفس دون وجود نقاط تشابه، إن أم الطفل الواحد ليست كأم الطفلين وليست كأم الأطفال المتعددين.

 

كما أنه ليس من الجيد الاعتماد على مصدر للمعلومات العامة للتعامل مع حالات أطفالنا الخاصة. إن حصل ونجحت نصيحة أو معلومة فهذا جيد، ولكن إن فشلت ليس بالضرورة أن يكون السبب الطفل ولا حتى الأم. أحياناً يحتاج الأمر طريقة خاصة للتعامل مع الطفل، أو تكون هناك مشكلة عميقة لا توفر النصائح العامة حلاً لها.

 

لذلك، من الضروري ألّا تعتمد الأمهات اعتماداً تاماً على مثل هذه الصفحات، وأن لا تتعاملن مع أي من صاحباتها على أنهن مصدر المعرفة المطلقة ولا نبيّات الأمومة والإلهام.واجبك كأم أن تبحثي عن المعلومات وتقرأي وتتقصي. الإنترنت متوفر لدى الجميع، الكتب موجودة، المقالات موجودة. كل ما عليك هو أن تكتبي مشكلتك وتبحثي وتحللي وتفكري وتتساءلي وتبذلي الجهد لتجدي ما يناسب طفلك أنت تحديداً. إن وجود نقاط تشابه بين جميع الأطفال هو ما يمكّننا من وضع القواعد العامة، ولكن هذا لا يعني أن أطفالنا نسخ متماثلة من بعضهم البعض.

 

| حقائق مغايرة خلف الشاشات

 

بعض الأمهات تسعى أن تحقق لنفسها نوعاً من الفخر المزعوم من خلال تصدير صورة عن نفسها كأم مع طفلها فقط، حتى تحصل على العائد النفسي من خلال تلقي الثناء والاستماع لعبارات الإعجاب.
 
لذلك، إن كنت تجدين في نفسك اهتماماً فقط بما يظهر من حياتك مع طفلك أمام الكاميرا، ثم تتحولين إلى أم متململة فاقدة الصبر خلفها، فعليك مراجعة نفسك الآن قبل الغد، وعليك أن تعتذري من طفلك الذي يفتقر إلى حنانك المخلص ورعايتك الأصيلة.

من المؤسف أن يتحول الأمر في بعض الأحيان إلى طريقة لتحقق الأم لنفسها نوعاً من الفخر المزعوم من خلال تصدير صورة عن نفسها كأم مع طفلها فقط، حتى تحصل على العائد النفسي من خلال تلقي الثناء والاستماع لعبارات الإعجاب. أن يصبح الأمر غاية في ذاته لا وسيلة في رحلة الأم لاكتشاف نفسها وتكوين علاقتها بطفلها.

لذلك، إن كنت تجدين في نفسك اهتماماً فقط بما يظهر من حياتك مع طفلك أمام الكاميرا، ثم تتحولين إلى أم متململة فاقدة الصبر خلفها، فعليك مراجعة نفسك الآن قبل الغد، وعليك أن تعتذري من طفلك الذي يفتقر إلى حنانك المخلص ورعايتك الأصيلة.

وإن كنت تجدين في كل هذه الصور والمقالات والفيديوهات سبباً للإحساس بالفشل والغضب والتعاسة، ثم تلتفتين إلى أطفالك، فتأسفين لحالهم معك، ولحالك معهم، وتتمنين حياة فلانة وغرفة ألعاب علانة، وزوج تلك الثالثة، معتقدة أن كل هذه الأمور تجعلهن أمهات أفضل ونساء أسعد، فدعيني أخبرك بكل ثقة أنك جالبة التعاسة لنفسك، صانعة الكآبة في بيتك.

أدواتك أغلبها ستكون في قلبك وعقلك، وتدريبك سيكون ذاتياً داخلياً حتى تحققي أنت السلامة النفسية والعاطفية التي تجعلك قادرة على العطاء والتربية بصورة صحيحة دون ضرب ولا صراخ ولا إهانات.

إن أطفالنا لا يحتاجون منا في سنواتهم الأولى سوى الحب الخالص فقط، العاطفة الصادقة، التفرغ والاندماج. الاهتمام الواعي، الرحمة والتفهم، توفير نظام واضح، تشكيل نفس سوية ومتصالحة. والكثير من الأمور التي لا علاقة لها بمونتسوري ولا غيره. كل ما تحتاجينه هو إقبال على هذا الكائن الذي سيعلمك كما ستتعلمين منه، وسيريبك كما ستربينه. أدواتك أغلبها ستكون في قلبك وعقلك، وتدريبك سيكون ذاتياً داخلياً حتى تحققي أنت السلامة النفسية والعاطفية التي تجعلك قادرة على العطاء والتربية بصورة صحيحة دون ضرب ولا صراخ ولا إهانات.

لم يكن متوفراً لدي عندما ولدت ابنتي الأولى هذا الكم من الحسابات والمجموعات، لجأت إلى القراءة والبحث والتأمل، ودعاء الله كثيراً. كنت أحاول أن ألعب مع ابنتي وأحدثها قدر المستطاع، كنت أشعر بالملل وأنا أقرأ لها كتابًا لأسماء الحيوانات 10 مرات، وأقلد أصواتها 20 مرة. ولكن هذا هو ما احتاجته ابنتي عندها، وهذا واجبي تجاهها كأم.

كنت أراجع سلوكي معها ونيتي فيه، هل هذا لمصلحتها أم حتى أرتاح أم حتى لا أسمع ملامة الناس؟ كنت أصنع لها الطعام ونغني قبل أن ننام ونتبادل الأحضان والقبلات والضحكات البلهاء. لم تذهب ابنتي إلى حضانة، ولم أشتر لها أي ألعاب أو أدوات باهظة الثمن. الكثير من الكتب، المكعبات، المعجون، الألوان.. رسمنا على الحوائط، وتزحلقنا على الأرضيات، ورقصنا، وتشاجرنا، وتصالحنا، وتحدثنا كثيراً كثيراً.

| نصيحتي لكِ

وإن كنت تجدين في كل هذه الصور والمقالات والفيديوهات سبباً للإحساس بالفشل والغضب والتعاسة، ثم تلتفتين إلى أطفالك، فتأسفين لحالهم معك، ولحالك معهم.
 
وتتمنين حياة فلانة وغرفة ألعاب علانة، وزوج تلك الثالثة، معتقدة أن كل هذه الأمور تجعلهن أمهات أفضل ونساء أسعد، فدعيني أخبرك بكل ثقة أنك جالبة التعاسة لنفسك، صانعة الكآبة في بيتك.

لا تكوني متلقية فحسب، انظري ما أثر ما تقرئينه وتسمعينه وتشاهدينه، عليك، وعلى سلوكك كأم. فإن كان للحظة يجعلك أماً أكثر ضجراً أو أشعرك بالسخط وعدم الرضا، أو نمّى عندك شعوراً بالنقص، أو صوّر طفلك في عينيك طفلاً سيئاً، فدعك من كل هذا وعودي مع طفلك إلى المكعبات والألوان والقصص والضحكات. سامحي نفسك عندما تقصرين، وانهضي صباحاً وحاولي من جديد. أطفالنا أكرم منا، يسامحوننا ويبادلوننا المحبة أضعافاً، فقط علينا أن نفتح قلوبنا ونستقبلها.