بنفسج

فيحاء عبد الهادي: تاريخ فلسطين من منظور نسوي

الإثنين 20 سبتمبر

"عاشت في بيئة ثقافية منذ طفولتها، ترعرعت وكأنها في صالون ثقافي، وخاضت معترك الحياة السياسية مبكرًا؛ والدها ذو ذوق شعري عالٍ، لديه شغف كبير بكتابة الشعر وإلقائه، ووالدتها سيدة من طراز فريد؛ فهي من رائدات العمل النسائي الفلسطيني، علّمتها كيف تكون القيادة على أصولها، أوليسوا يقولون "ابن الوزّ عوّام"؛ فهي تشبه والدتها السيدة عصام عبد الهادي إلى حد كبير، كلتاهما تعشقان النجاح، لم يأتِ شيء لهن على طبق من ذهب، حاربن وسعين بقوة ليحجزن لهن مقعدًا في الصفوف الأمامية للمشهد الثقافي والعمل النسائي والمجتمعي، اعتُقلت الأم وابنتها التي كانت تبلغ من العمر 17 عامًا، في ذات الوقت.

 لكن ذلك لم يثنِ الابنة العنيدة من الاستمرار في أنشطتها الداعمة للوطن ضد الاحتلال، أُبعدت ومُنعت من تقديم امتحان الثانوية العامة، فردّت على ذلك العنف بطريقتها وأصبحت أيقونة ثورية فريدة، تخط بقلمها وتؤرخ الكتب التي تحكي عن نضال المرأة الفلسطينية، ابتداءً من كتابها "ذاكرة حية" وحتى رسالتها الدكتوراه "نماذج المرأة البطل في الرواية الفلسطينية المعاصرة"، وما بينهما من توثيق لفترات حياتية فارقة في حياة المرأة الفلسطينية على مر التاريخ. سنتحدث هنا عن الكاتبة والشاعرة والناشطة المجتمعية النسوية فيحاء عبد الهادي، لنسرد سيرتها الذاتية وحكايتها مع الكتابة وأعمالها التي تركت بصمة يتحدث بها عن كل من عايشها وسمع عنها.

| "ابن الوز عوام"

فيحاء عبد.jpg
السيرة الذاتية لفيحاء عبد الهادي

فيحاء المولودة عام 1951 في مدينة نابلس، عاشت حياتها كطفلة تذوق العسل الأدبي والشعري في وسط عائلة مثقفة، نهلت من علم والدتها وخبرتها، شهدت تدرجها في الأعمال من ناشطة بسيطة حتى نالت منصب رئيسة لـ"الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية"، فتعلمت كيف يكون الاجتهاد. بدأت رحلتها مع الشعر فهو حبيبها الأول، تشعر برفقته أنها تستطيع البوح بما تريد، وهذا الحب دفعها للغوص أكثر في بحر هذا الفن.

الابنة الصغيرة ربطتها علاقة قوية بالشاعرة فدوى طوقان، كانت دائمة التردد على منزل والديها، واعتادت عائلتها أن يقولوا لفدوى: هل تريدين سماع قصائدك بصوت فيحاء؟ وبالفعل، كانت تبدأ بانتقاء أبيات شعرها وتلقيه على مسامع الشاعرة الكبيرة، وتكرر الأمر أكثر من مرة، فدوى تكتب وفيحاء تلقي بأسلوبها الخاص. حتى قررت أن تصدر أول مجموعة شعرية لها بعنوان: "هل يلتئم الشطران".

فقررت إرسالها لشاعرتها التي تنبهر بجمال قلمها وكتبت: "يهمني رأيك في أن أصدرها أو لا". فردت فدوى: انشري. وكتبت لها مقدمة المجموعة. كان والداها حريصان على تنظيم المناظرات الشعرية لأولادهما، لفيحاء أخت تدعى فادية، وأخين هما سعد وقاسم. من بعد الشعر اليومي والمناظرات أصبحت فيحاء تتردد على مكتبة البلدية، هناك اتسع أفقها في عالم الكتب وتعرفت على أعمال نجيب محفوظ ويوسف السباعي وأفلاطون وأرسطو.

عصام عبد الهادي.jpg
الكاتبة عصام عبد الهادي والدة فيحاء عبد الهادي

كبرت الابنة التي نهمت من بحور الشعور وأصبحت أكثر ثقافة ودراية، وبعد احتلال الضفة الغربية في عام النكسة 1967، انخرطت فيحاء وهي بعمر ال 16 عشر في المشاركة في التظاهرات والاعتصامات، وحينها تعلمت حمل السلاح على يد معلميها مازن أبو غزالة وشادية أبو غزالة اللذان استشهدا فيما بعد. واعتقلت فيحاء ووالدتها وأربعين من زميلاتها بعد أن كُشف تنظيمهما. وبعدها خرجت من السجن وتم ترحيلها من الأردن، وظلت خارج البلاد بقرار جائر لمدة 27 عامًا، فتركت العمل النضالي في داخل الوطن قليلًا، وانشغلت في الدارسة الأكاديمية.

حصلت فيحاء على الإجازة باللغة العربية من الجامعة الأردنية في عمّان عام 1973، وعلى الماجستير من جامعة القاهرة عام 1982 وكانت رسالتها بعنوان " في أدب غسان كنفاني". ونالت الدكتوراه من جامعة القاهرة عام 1991 عن رسالتها "نماذج المرأة البطل في الرواية الفلسطينية المعاصرة". ثم انتقلت إلى العمل مدرسة غير متفرغة في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، ونشرت مقالاتها في الصحف العربية، ولها قصائد عدة، ومراجعات نقدية لأعمال أدبية.

تميزت بجدارة في مجال الكتابة في التأريخ الشفوي، وكتبت في قضايا المرأة، وفي المجال السياسي. صدر لها أحدَ عشرَ كتابًا، والعديد من الدراسات. كما أصدرت مجموعة قصص عن معاناة النساء الفلسطينيات، بعنوان "الأمل هو أغلى ما أملك".

وشغلت منصب مسؤولة اللجنة الثقافية في اتحاد المرأة الفلسطينية في القاهرة عام 1982. كما عملت مستشارة بحثية، لدى "اليونيسيف"، في مصر، و"إدارة تخطيط وتطوير المرأة في وزارة التخطيط والتعاون الدولي"، ومركز المرأة الفلسطينية للأبحاث والتوثيق "اليونيسكو"، في فلسطين. وتميزت بجدارة في مجال الكتابة في التأريخ الشفوي، وكتبت في قضايا المرأة، وفي المجال السياسي. صدر لها أحدَ عشرَ كتابًا، والعديد من الدراسات. كما أصدرت مجموعة قصص عن معاناة النساء الفلسطينيات، بعنوان "الأمل هو أغلى ما أملك". ومن مؤلفاتها: المرأة الفلسطينية والذاكرة، بيببلوغرافيا التاريخ الشفوي الفلسطيني، وعد الغد: دراسة في أدب غسان كنفاني.

وهي المؤسسة والمديرة العامة، لمؤسسة "الرواة للدراسات والأبحاث"، وعضو في المجلس الوطني الفلسطيني، والمنسقة الفلسطينية للشبكة النسوية: "ألف امرأة عبر العالم".

| رائدة التأريخ الشفوي

فيحاء مع نداء ابو طه.webp
فيحاء عبد الهادي مع نداء أبو طه خلال توثيقهن شهادات نساء من قرية رابين قضاء طولكرم

تقول فيحاء: "حين تعرَّفُت إلى التاريخ الاجتماعي من منظور النساء سحَرني. وجدت تقاطعًا خاصًا بين التغيير الذي يتيحه هذا المنهج، حيث تمكّن من إعادة كتابة التاريخ من وجهة نظر النساء، وحيث تفكيك القيم السائدة، وبين النقد الأدبي، الذي يتيح تغييرًا سياسيًا اجتماعيًا بشكل غير مباشر، عبر زعزعة المسلَّمات والأفكار الجاهزة".

عكفت الباحثة الفذة على نشر الأبحاث فيما يتعلق بالرواية الشفوية، ونتج عن ذلك كتابان: "أدوار المرأة الفلسطينية في الثلاثينيات" و"أدوار المرأة الفلسطينية في الأربعينيات"، حيث ركزت على مساهمة المرأة السياسية عبر تلك الحقبة الزمنية، من خلال توثيق شهادات حية لفلسطينيات عايشن الحكايات في تلك الفترة، الأبحاث القيمة نشرت في مركز المرأة الفلسطينية للأبحاث والتوثيق، وشاركت في العمل على الكتابين عشرون باحثة ميدانية لتوثيق الشهادات، سلطن الضوء على الدور العسكري والسياسي الفلسطينيات في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي.


اقرأ أيضًا: مذكرات عنبرة الخالدة: الذاكرة كمصدر للتأريخ الاجتماعي


 في الكتاب الأول الذي يعد موسوعة ضخمة تحكي فيها فيحاء عن دورهن بدءًا من انتفاضة عام 1932، وركزت على حقيقة وجود تنظيم "رفيقات القسام"، كما أوضحت الدور النسائي في ثورة 1936، وأثر فشل الثورة على المرأة الفلسطينية والتغيرات التي صاحبت تلك الفترة على مختلف الأصعدة، وتخلل الكتاب فصل بعنوان "نساء في الذاكرة الشعبية"، مع تفريغ المقابلات الشفوية لخمس عشرة رواية فيه.

فيحاء في الاتحاد العام في القاهرة97.jpg
فيحاء عبد الهادي في الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية في القاهرة عام 1997

وفي الجزء الثاني من الكتاب تناولت فيحاء دور المرأة الفلسطينية على الصعيد السياسي عام 1939-1947، ثم خصصت الحديث عن دورها عام النكبة 1948 وتأثيرها عليها، وسلطت الضوء على المجازر التي ارتكبت في تلك الفترة والتي روتها سيدات فلسطينيات عايشن النكبة، ورصدت التغييرات الاجتماعية التي طالت المرأة، وخصصت كالكتاب الأول فصل بعنوان "نساء في الذاكرة الشعبية" تخلله شهادات حية للنساء، ومن بين ضيوف الفصل السيدة مهيبة خورشيد "مؤسسة الفصيل العسكري النسائي الفلسطيني "زهرة الأقحوان". وفي كتابها "أدوار المرأة الفلسطينية في الخمسينيات حتى أواسط الستينيات الصادر عن مركز المرأة الفلسطينية للأبحاث والتوثيق "اليونسكو"، بحثت عن المساهمة السياسية للمرأة بالرغم من علمها بوجود ضعف في مشاركة النساء في تلك الحقبة الزمنية في التاريخ المدوّن.

وظلت بعد تلك الفترة توثق شهادات النساء عبر القرن الماضي لتكون أبحاثها مرجعًا تاريخيًا قيّمًا للباحثين عن تاريخ كل فترة، بعد أن سلطت الضوء على أدوار المرأة في الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات، أطلقت كتابًا تحدث عن المرأة الفلسطينية منذ عام 1965 وحتى 1969، وأدوار المرأة بين عام 1969 وحتى 1982، والتغيرات الاجتماعية الحاصلة منذ منتصف الستينيات، وخصصت كالسابق فصولًا للمقابلات مع النساء، وعنونت الكتاب الموسوعي "أدوار المرأة الفلسطينية منذ منتصف الستينات حتى عام 1982"، وفيه نشرت أكثر من مئتي رواية لنساء ورجال قبل وبعد النكبة، وتمت ترجمته إلى اللغة الإنجليزية. وثّق الكتاب مرحلة تأسيس الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية وانطلاق العمل المسلح الفلسطيني عبر منظمة التحرير، بعد تأسيسها عام 1964، ويوثق انتقال المرأة الفلسطينية إلى النضال المسلح بعد النسكة، وتزايد أعداد المنتميات للعمل التنظيمي العسكري.

مهيبة خورشيد مع فيحاء.webp
فيحاء عبد الهادي والباحثة آمال الآغا تتوسطهم مهيبة خورشيد

فيحاء تؤمن أن الحديث عن النضال النسوي الفلسطيني في كتب التاريخ هامشي ولا يوثق كل شيء، تقول في إحدى مقابلاتها الصحافية: "كانت الفكرة بملء هذا النقص بهذا الجانب، ونوثق للذاكرة الفلسطينية بأكملها، عبر النساء.. من المعروف أن النساء يحبذن الحديث عن تجاربهن أكثر من كتابتها على عكس الرجال، لكنهن بحاجة إلى من يسمعهن، وبالتالي كان لا بد من توثيق روايات النساء أنفسهن لا روايات أزواجهن أو أشقائهن أو أبنائهن عنهن، مع أن الموسوعتين لم تغفلا الشهادات الذكورية، التي كان لها ما يقارب الـ10% من مجموع ما ورد من شهادات فيهما".

تكمل: "بدأنا في العام 1999، بإعداد بحث حول "الناقص في التاريخ المدوّن حول النضال السياسي في كتب التاريخ"، فخرجنا بكتابين أحدهما حول الكتب العربية والأجنبية التي تناولت بشكل أو بآخر الحديث عما نودّ البحث فيه، والآخر حول تدريب الباحثات على الكيفية التي يتم عبرها جمع مادة التاريخ الشفوي، قبل صدور هاتين الموسوعتين، بعد عمل متواصل لقرابة السبع سنوات". تمكنت فيحاء خلال عملها البحثي برفقة فريقها من الوصول إلى نساء ورجال شاركوا في ثورة 1936، أو شهودًا عايشوا تلك الفترة، وثقت في موسوعتها شهادة فلسطينيات أمثال سناجق برهم من قرية رامين قضاء طولكرم التي تحدثت عن الدور التمويني للنساء في ثورة 1936.

فيحاء مع ميمنة.jpeg
فيحاء عبد الهادي برفقة السيدة ميمنة ابنة الشهيد عز الدين القسام

وبعد عناء للبحث عن سيدة لديها حضور، وذكر اسمها في مراجعة تاريخية سابقة، وصلت فيحاء للسيدة "ميمنة" ابنة الشهيد عز الدين القسام التي عثرت عليها في الأردن بعد شهور من البحث في طولكرم وفلسطين عام 1998، وحين فاتحتها بموضوعها البحثي رفضت ميمنة الحديث لظنها أنها تفشي أسرار أمنية مهمة، ثم تم إقناعها لتوثيق فترة الثلاثينيات التي عايشتها، فتحدثت عن تعليم والدها لها باستخدام السلاح.

| ذاكرة حية

كانت تريد فيحاء من وراء توثيق تلك الحقبة إثراء الرواية الفلسطينية، ووصف حجم المجازر التي ارتكبت بحق الأهالي في عام 1948، بينت شهادات الشهود بشاعة ما ارتُكب بحقهم في تلك الفترة وتهجيرهم القسري من قراهم، ووصفوا حياتهم الهانئة ما قبل النكبة وأنهم لم يفكروا يومًا في مغادرة مسقط رؤوسهم.
 
حين سُئلت فيحاء في إحدى مقابلاتها الصحافية ما الذي وجدته في التاريخ الشفوي، قالت: "لا أبالغ إن قلت إني وجدت فيه النقد والشعر. وإحدى قصائدي لها علاقة بالرواية الشفوية، وكذلك كتابي "قالت شهرزاد" هو حكايات الناس في قالب أدبي. إذا وجدت في الرواية الشفوية، الأدب بشكله القصصي والشعري، في أكثر من شكل. فهناك أشياء قاتمة في تاريخنا، ولا تملؤها إلا ذاكرة الناس الجماعية، التاريخ الاجتماعي هو من يملأ فجوات التاريخ المكتوب، هم العمال والفلاحون والفقراء، الأميون في الغالب، ولكن يملكون الحكمة والمعرفة.

"إن الفلسطينيين، من خلال رواياتهم؛ يساهمون في إثراء الرواية الفلسطينية الأخلاقية، وتشكيل الرواية الفلسطينية الجمعية". قدمت فيحاء في كتابها "ذاكرة حية"، شهادات حول تهجير الفلسطينيين عام 1948، حيث جمعت مقابلات شفوية من رواة، من الذين هجروا عام النكبة إلى مدن داخل فلسطين أو لخارجها، عكفت باحثات  مؤسسة الرواة على التوثيق حيث تم أخذ شهادة 115 رواية شفوية 62 من الروايات و53 من الرواة بالصوت والصورة، وبلغ عدد الملفات الصوتية 67، وعدد الملفات المرئية 48.

كانت تريد فيحاء من وراء توثيق تلك الحقبة إلى إثراء الرواية الفلسطينية، ووصف حجم المجازر التي ارتُكبت بحق الأهالي في عام 1948، بينت شهادات الشهود بشاعة ما ارتكب بحقهم في تلك الفترة وتهجيرهم القسري من قراهم، ووصفوا حياتهم الهانئة ما قبل النكبة وأنهم لم يفكروا يومًا في مغادرة مسقط رؤوسهم، حيث قال أحد الرواة في روايته، "إحنا كنا في عراق المنشية مسعدين ومليحين، وعايشين بأرضنا، ويا باي ما أحسنا! كنا الخير اللي كنا فيه ما كانش حد فيه".

كتب فيحاء.jpg
كتب فيحاء عبد الهادي

حين سُئلت فيحاء في إحدى مقابلاتها الصحافية ما الذي وجدته في التاريخ الشفوي، قالت: "لا أبالغ إن قلت إني وجدت فيه النقد والشعر. وإحدى قصائدي لها علاقة بالرواية الشفوية، وكذلك كتابي "قالت شهرزاد" هو حكايات الناس في قالب أدبي. إذا وجدت في الرواية الشفوية، الأدب بشكله القصصي والشعري، في أكثر من شكل. فهناك أشياء قاتمة في تاريخنا، ولا تملؤها إلا ذاكرة الناس الجماعية، التاريخ الاجتماعي هو من يملأ فجوات التاريخ المكتوب، هم العمال والفلاحون والفقراء، الأميون في الغالب، ولكن يملكون الحكمة والمعرفة.

تكمل: "لذا علينا أن نخرج الحكمة من صدورهم، ونلتقط التاريخ من مروياتهم، قبل أن يُدفن معهم، إنني، وبعد البحث في التاريخ الشفاهي وجدت أسماء وبيانات بعض النساء اللواتي ناضلن في ثورة 1936. (للأسف، فقدنا، حاليًا أسماء من ناضلوا في العام 1948، ولم نعد نجدها)، ولأجل ذلك كله أشعر بمدى أهمية هذا المشروع".

| عطاء لا يتوقف

فيحاء في حفل افتتاح قول ي طير.jpg
فيحاء عبد الهادي من افتتاح معرض قول يا طير

لم تتوقف فيحاء عن توثيق الحكايات واتجهت إلى مشروع جديد وهو "فضة زمان"، فكرته تقوم على صناعة حلي تُحاكي التي كانت ترتديها الفلسطينيات قديمًا، فالنساء اضطررن لبيع مقتنياتهن بسبب النكبة وتدهور أوضاعهن الاقتصادية بعدها، واستطاعت فيحاء وفريقها بتوثيق جزء منها تبقى لصناعة ما يشابهه، إضافة إلى توثيق الحلي، وثقت لباس أهالي القرى وعاداتهم، واستمعت لرواياتهم عن ذكريات التهجير، وبعد المشروع نظمت مؤسسة الرواة معرض "قول يا طير" الفني المتنقل عامي 2017 و2018 والذي يهدف إلى نقل رسالة المهجرين في النكبة إلى كل العالم.

القاصة للحكايات والكاتبة للتاريخ تقول في مقابلة صحافية أجرتها مسبقًا: "حين تعرفت إلى التاريخ الاجتماعي من منظور النساء لامسني وسحرني ما يزخر به من مخزون ثقافي واجتماعي وجدت الشعر والقصص والسير الشعبية والأمثال والموسيقى والرقص والغناء، وجدت الحكمة الشعبية، ولما يُكتب التاريخ من منظور ديمقراطي شعبي يوثق تجارب الناس العاديين ويشركهم في صياغة تاريخهم، يبرز صوت الذين أقصوا عن الصدارة رغم أنهم هم الذين أحدثوا التغيير وصنعوا تاريخهم".

معرض قول يا طيري.jpeg
من معرض قول يا طير لنقل رسائل المهجرين

فيحاء منسقة في شبكة "ألف امرأة عبر العالم" النسوية في فلسطين، والشبكة تضم سيدات يطرحهن سؤال "لماذا تذهب جائزة نوبل للرجال وليست للنساء؟ وبدءًا من هذا السؤال انطلقت الشبكة لترشيح ألف امرأة لنيل نوبل، حيث لاقت فيها منبرًا للتعريف بالقضية الفلسطينية. الباحثة المنفية خارج الوطن منذ سنوات عمرها الأولى، بدأت في العام 1998 في رحلة توثيق روايات النساء الفلسطينيات في حقب زمنية مختلفة بعد أن عادت للوطن عبر الأمم المتحدة التي اختارتها عضوًا في مشروع جلب خبراء إلى فلسطين، وبذلك تركت القاهرة التي استقرت بها بعدما قضت سنوات النفي الأولى في عمّان، لتتنقل بعد ذلك بين فلسطين وعمّان بصورة دائمة.

بالرغم من كل إنجازاتها على صعيد التأريخ الشفوي عبر مؤسسة الرواة تظل الكتابة الإبداعية شغف فيحاء اللامنتهي، تقول في مقابلة صحافية قديمة لها: "أحب أن أتفرّغ للكتابة الإبداعية، هي أقرب الأنواع الأدبية إلى قلبي، لكنني أنتزع الوقت انتزاعًا لأن القضايا العامة تهمّني. أعتقد بأننا أسوأ محامين لأعدل قضيّة".