بنفسج

من ذاكرة الثورة: لينا نبض الضفة

الأحد 15 مايو

أتذكرون لينا! الروح الباقية في أغنيات الثورة، في طفولتنا، في ذاكرتها المعزوفة على لحن الرصاصات. نكاد نسمعها تردد فينا، لينا كانت طفلة.. تصنع غدها.. لينا سقطت.. لكن دمها.. كان يغني. من أنت يا لينا؟ كيف أحييت سنون الثورة فينا، كيف أشعلتها نيرانًا ملتهبة، نعود نغنيها مع كل رصاصة. من أنت. ننطقك في كل انتفاضة، نغنيك في روح طفلة، في سردها، في الحكاية، في فسيفسائها مركبة، مريولها، شعرها، دمها.  نبض لا يهدأ في فلسطين كل فلسطين.

هل تسمعين يا لينا، أنت هنا باقية، في القدس ويافا وأريحا، في الشجر الواقف في غزة. وإن للكلمة وموسيقاها أن تخلد لحظة، وشعبًا وتاريخًا. فلتُسمع، فلتُسمع عنا العالمين.

لينا كانت طفلة تصنع غدها… لينا سقطت لكن دمها كان يغني… للجسد المصلوب الغاضب.. للقدس ويافا وأريحا.. للشجر الواقف في غزة .. للبحر الميت في الأردن.. يا نبض الضفة لا تهدأ أعلنها ثورة.. حطم قيدك .. اجعل لحمك جسر العودة فليمسي وطني حرًا .. فليرحل محتلي فليرحل.

 | حكاية "مشوار"

لينا حسن مصباح النابلسي، ولدت في عام 1961م في مدينة نابلس. في عامها السابع عشر غادرت لينا مدرستها "المدرسة العائشية" بنابلس حيث قادت تظاهرة طلابية في اليوم التالي لذكرى النكبة، في 16 مايو 1976.

قام جيش الاحتلال بقمع التظاهرة بوحشية، وقد حاولت لينا الفرار إلى إحدى البنايات إلا أن أحد جنود الاحتلال تبعها وأطلق النار عليها عن قرب. تعتبر لينا ثالث شهيدة في الضفة الغربية قضت برصاص الاحتلال عام 1976 بعد الشهيدة شادية أبو غزالة.

لينا حسن مصباح النابلسي، طفلة فلسطينية، ولدت في عام 1961م في مدينة نابلس. في عامها السابع عشر غادرت لينا مدرستها "المدرسة العائشية" بنابلس حيث قادت تظاهرة طلابية في اليوم التالي لذكرى النكبة، في 16 أيار/ مايو 1976. قام جيش الاحتلال بقمع التظاهرة بوحشية، وقد حاولت لينا الفرار إلى إحدى البنايات إلا أن أحد جنود الاحتلال تبعها وأطلق النار عليها عن قرب.

تعتبر لينا ثالث شهيدة في الضفة الغربية قضت برصاص الاحتلال عام 1976 بعد الشهيدة شادية أبو غزالة المقاتلة في صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والتي استشهدت بانفجار عبوة ناسفة كانت تعدها عام 1968. أما الفتاة الأولى؛ فهي منتهى الحوراني من مدينة جنين واستشهدت عام 1967.

لينا نبض الضفة 2.jpg

يصف أهل لينا أنها تعرضت لعملية اغتيال بدم بارد على يد جندي صهيوني طاردها حتى بعد انتهاء المظاهرة، وتقول أختها في إحدى المقابلات الصحفية: "لجأت لينا مع صديقتها شروق جعارة إلى محل للحدادة في حارة الشيخ مسلم بالبلدة القديمة، وبعد أن هدأت المواجهات، صعدتا إلى منزل صديقة لهما من عائلة المصري".

لاحظ أحد الجنود الفتاتين فطاردهما إلى داخل المنزل بعد أن كسر الباب، وأطلق رصاصتين على لينا، وشد صديقتها من يدها بعنف. اُصيبت لينا في صدرها ويدها اليمنى واستشهدت في مكانها، نُقلت إلى المستشفى الوطني، وجاءت قوة من الاحتلال إلى المستشفى لخطفها، لكن الجموع المحتشدة في المستشفى تمكنت من تهريبها إلى منزل عائلتها، وتم دفنها في مقبرة في مدينة نابلس حيث كانت تعيش.

 | إعدام بدم بارد

وتستذكر الأستاذة الجامعية والكاتبة إلهام أبو غزالة شقيقة الشهيدة شادية أبو غزالة حادثة استشهاد لينا النابلسي، والتي كانت إحدى تلميذاتها في المدرسة العائشية بالقول: "خرجت طالبات مدرسة العائشية في تظاهرة في شوارع نابلس، وانضمت إليهن الهيئة التدريسية، وآخرين. كانت لينا تقود التظاهرة، وقد تدخلت قوات الاحتلال لقمع التظاهرة بوحشية، وعندما حاولت الفرار إلى إحدى البنايات لحق بها أحد الجنود في مطلع الدرج، وأطلق عليها النار عن قرب، عملية إعدام بدم بارد، وكان ذلك أمام عيني، ولا زلت أذكر تلك العمارة التي وقعت فيها الجريمة.

تؤكد أبو غزالة: "تم إعدام لينا بدم بارد رغم أنه كان بالإمكان اعتقالها". كما ونفذت القوات المسلحة للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين عملية فدائية في الجفتلك في 18-10-1976 بمنطقة الأغوار أسمتها "عملية الشهيدة لينا النابلسي" انتقامًا لدماء الشهيدة لينا النابلسي. شارك في تنفيذ العملية خمسة مقاتلين، عبروا نهر الأردن وهاجموا معسكرًا لجيش الاحتلال حيث دارت معركة عنيفة استشهد خلالها ثلاثة مقاتلين، وهم الشهداء: مشهور طلب العاروري من قرية عارورة في محافظة رام الله، وحافظ أبو زنط من مدينة نابلس، وخالد أبو زياد من قرية البص قضاء يافا، في حين عاد اثنان من أفراد المجموعة إلى قواعدهم سالمين. كما قُتل ثلاثة وأصيب ستة من جنود الاحتلال.

لينا نبض الضفة 1.png
صورة رسمها الفنان الفلسطيني سليمان منصور

خلّدها الرسام الفلسطيني ابن القدس سليمان منصور بلوحة تظهرها ملقاة على الأرض والدماء تسيل من رأسها وهي بزيها المدرسي الأخضر، وذلك بعد أن صادرت سلطات الاحتلال الصورة الأصلية التي تظهرها مضرجة بدمائها بعد قتلها.

لينا لم تكن الفتاة الوحيدة التي تركت الأثر في الدفاع عن أرضها، والوقوف بوجه الاحتلال الغاشم، فكان لدور المرأة الفلسطينية الكثير من التضحيات في تاريخ المقاومة الفلسطينية، ففي أعقاب هزيمة العرب في حرب حزيران 1967، واحتلال الدولة الصهيونية للأراضي الفلسطينية في الضفة والقطاع، والعربية في سيناء والجولان وجنوب لبنان، شهدت مشاركة المرأة الفلسطينية في العملية النضالية نقلة نوعية فعّالة، حيث انخرطت في كافة أشكال العمل الوطني الفلسطيني ومارست دورها النضالي في كافة المواقع، فسارعت للمشاركة في الكفاح المسلّح داخل الوطن وخارجه، فانضمّت للمجموعات الفدائية، وشاركت في تنفيذ العمليات المسلحة، وساعدت في نقل الأسلحة وتخزينها.

لينا 3.jpg
شهادة لينا للمرحلة الإعدادية

كما مارست المرأة الفلسطينية دورًا بارزًا ملفتًا على صعيد المقاومة المدنية؛ انخرطت بقوة كبيرة في التظاهرات والإضرابات والاعتصامات الاحتجاجية الصامتة، واخترقت معظم الأطر الطلابية والنسائية، وقد تمثّل ذلك في اتحاد المرأة الفلسطينية في الداخل والخارج، ونجحت المرأة الفلسطينية كذلك في تفعيل دورها الاجتماعي والثقافي والاقتصادي، فشاركت في اتحادات مجالس طلبة الجامعات والمدارس، وعملت على إنشاء الأطر النسائية في شتى المواقع، وبرز أيضًا دور اتحاد المرأة للعمل الاجتماعي، والمشاركة الميدانية الفعلية إلى جانب الرجل في التظاهرات والصدامات، وكل ذلك إلى جانب دورها في إقامة العيادات الميدانية لتوفير العلاج السريع لجرحى الانتفاضة، فضلًا عن دور اتحاد المرأة في إنشاء وتأسيس رياض الأطفال في المدن والقرى والمخيمات لتوفير التعليم المناسب للأجيال الفلسطينية وتعبئتها وطنيًا.

فالأحداث التي كانت تمر بها الأراضي الفلسطينية في هذه الفترة ساعدت في أن جميع وقد تعرّضت المرأة الفلسطينية خلال سنوات الاحتلال من 1967-1987 إلى شتى أشكال القمع الدموي الإسرائيلي الذي بلغ أعلى درجات الوحشية حينما داست الدبابات الإسرائيلية في مدينة جنين جسد المناضلة فتحية عوض الحوراني التي تصدّت للدبابة بجسدها خلال انتفاضة عام 1974، وكذلك في حالة استشهاد المناضلة لينا النابلسي في نابلس، حيث كانت تقف على رأس تظاهرة كبيرة ضد قوات الاحتلال عام 1977، أو في حالة الشهيدة دلال المغربي التي قادت دورية الساحل عام 1976.


| المصادر والمراجع

[1] غياظة، عماد، الحركة الطلابية الفلسطينية الممارسات والفاعلية، رام الله ، المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية، 2000.

[2] مؤسسة الدراسات الفلسطينية، فلسطين تاريخها وقضيتها، بيروت، مؤسسة الدراسات العربية الفلسطينية، 200.

[3] هلال، جميل، تكوين النخبة الفلسطينية منذ نشوء الحركة الوطينة إلى ما بعد قيام السلطة الوطنية، رام الله ، 2002.

[4] العواودة ، خالد، الحركة الطلابية وتراجع تأثيرها في الشارع الفلسطيني، موقع جامعة القدس المفتوحة، 2016.

[5] يوسف، أيمن، أطروحات الحركة الطلابية في الجامعات الفلسطينية بين السياسي والمطلبي، قراءة نقدية في السلوك والممارسة، الجامعة العربية الأمريكية، 2013.