بنفسج

مصورة شمس الوطنية - الناصرة: كريمة عبود

الأحد 07 يونيو

تكثر العوائق والحدود والمحرمات على النساء في الفضاء المجتمعي عامة، وسوق العمل الذي يرفض المرأة في كثير من المجالات بشكل خاص، ويحددها في كثير من دوائر وفضاءات العمل كذلك. فماذا إذا كنا نتحدث عن وقت مبكر جدًا مُنعت فيه المرأة من الظهور والحركة والعمل حيث العادات الاجتماعية التي تفرضها البيئة وينص عليها المجتمع.

إن نموذج المرأة الفلسطينية الرائدة التي أتناولها في هذا المقال جمعت بين الريادة والأولية والتميز، ليس فقط على صعيد إبداعها في مهنتها، بل كذلك على صعيد تجيير هذه المهنة لصالح القضية الفلسطينية؛ تثبيت الأرض والهوية والإرث الثقافي الفلسطيني. فنحن أحوج ما نكون لنشر التاريخ النسوي في فلسطين وتغيير الأفكار العالقة حول النساء قديمًا. وإننا هنا نسلط الضوء على فلسطين الزاخرة بالمعالم والمنابر الثقافية؛ سواء من خلال الصحف والمجلات وغيرها من النماذج الثقافية والفنية وغيرها.

كريمة أسعد عبود، المولودة في بيت لحم في الثالث عشر من نوفمبر من عام 1893م وقطنت في الناصرة. قررت كريمة احتراف التصوير منذ أن أهداها والدها كاميرا تصوير فوتوغرافي. برعت في تصوير المناظر والأحياء الفلسطينية. ومن ثم أخذت تبرع وتبدع في مجال تصوير الأشخاص والوجوه، وخصوصًا أنها افتتحت أول استوديو لها في الناصرة، في الوقت الذي لم يكن آنذاك سوى مجموعة من المصورين الأرمن وغيرهم من الجنسيات الأجنبية.

كريمة أسعد عبود، المولودة في بيت لحم في الثالث عشر من نوفمبر من عام 1893م وقطنت في الناصرة. نشأت لأسرة محافظة متدينة، والدها أسعد عبود، رجل دين مسيحي ومهتم بالتأليف والشعر. وأمها معلمة في بيت لحم. قررت كريمة احتراف التصوير منذ أن أهداها والدها كاميرا تصوير فوتوغرافي. تدربت كريمة عبود عند أحد المصورين، وكانت متفردة باعتبارها امرأة تحترف مهنة التصوير، وكانت مبدعة في إظهار الصورة الشخصية، والجانب الإنساني بعمل هالة للأشخاص الماثلين للتصوير.

برعت في تصوير المناظر والأحياء الفلسطينية، وكذلك مظاهر الحياة الاجتماعية العامة. ومن ثم أخذت تبرع وتبدع في مجال تصوير الأشخاص والوجوه، وخصوصًا أنها افتتحت أول استوديو لها في الناصرة، في الوقت الذي لم يكن آنذاك سوى مجموعة من المصورين الأرمن وغيرهم من الجنسيات الأجنبية، من الفرنسيين والبريطانيين والألمان والايطاليين والأمريكيين، وارتبط بعضهم ببعثات أثرية وعلمية وعسكرية خاصة أو مرافق لمنظمات. كما افتتحت استوديو في حيفا والقدس وبيت لحم.

| المرأة الفلسطينية تقود السيارة منذ 1920

كريمة عبود00.png
مصورة شمس وطنية: كريمة عبود 

لم تكن كريمة تعمل في حدود الاستوديو فحسب، بل كانت تتنقل بين المدن الفلسطينية، لذلك، وجدت أن عليها أن تقود السيارة، وِتتوجه لتصوير الأعراس والمناسبات في فلسطين وسوريا ولبنان.

بالطبع، كانت بداياتِ كريمة صعبة، حيث كانت ترفض النساء التقاط الصور لهن، حتى أن جوازات السفر والوثائق القديمة لم تكن تحتوي على صور شخصية للنساء، ويقتصر ذلك على الرجال. ولكن شهدت البيئة الفلسطينية تحولات إبان انتهاء الحكم العثماني وبداية الانتداب البريطاني. وربما تدل الصور التي التقطتها كريمة على ذلك. حيث اختلفت تقنيات الصور، ومظهر النساء فيها ونوع اللباس.

يقول المؤرخ الفلسطيني، أحمد المروات: " لفتتني مقالة في إحدى الصحف في 2003 حول مصورة كان يُعتقد أنها يهودية أو أميركية، ولكن تابعت الموضوع وقابلت الشخص الذي يمتلك صور كريمة عبود وعليها ختمها، أردت الاستفسار عنها بتوجهي إلى سجلات المحكمة الكنسية بالناصرة، وحصلت على 2800 صورة من أعمال كريمة"[1].

|الصورة: أرشيف وطني وإرث تاريخي

j32.png
صور أرشيفية من فلسطين بعدسة مصورة شمس وطنية- كريمة عبود "1"

يقال إن الصورة تختصر الحكايات، وتلخص التاريخ، وتضع الماضي بين كفيك، وتحتفظ لك بمستقبل أكثر وثوقًا. وفي الحقيقة فإن الأرشيف؛ هو جواز سفر الفلسطيني وتراثه وتاريخه الذي يؤكد ويثبت وجوده ويبلور معالم هويته المهددة. أطلقت كريمة عبود اسم: "مصورة شمس الوطنية" على استوديوهاتها وبطاقة تعريفها المهنية، وإن كان لذلك دلالة فهي البعد الوطني التي كانت كريمة تأخذه بعين الاعتبار، حيث قرنت التصوير بالعمل الوطني، وهي تدرك أنها تقوم بالتأريخ والأرشفة من خلال التقاط الصور للقامات والعائلات الفلسطينية الوطنية، والأحداث إبان الانتداب البريطاني، وكذلك تصوير الأحياء والقرى الفلسطينية.

 ويتوفر من إرث المصورة كريمة عبود أربعة ألبومات من الصور المذيلة بخاتمها، وكانت تضم صور خمس مدن فلسطينية، بيت لحم ومعالمها كقبة راحيل وطبريا وشواطئها وأسواقها وكنائسها وجوامعها والناصرة وحيفا، حيث جمع المؤرخ أحمد المروات الألبومات من التاجر اليهودي "يوكي بوعز" ومن عائلة عبود في الناصرة[2].

j33.png
صور إرشيفية من فلسطين بعدسة مصورة شمس وطنية- كريمة عبود "2"

عملت عبود ما يقارب الربع قرن -1915-1940م- في فن التصوير في بيت لحم والقدس وحيفا والناصرة، وعملت مصورة عائلية ورصدت بعدستها الكثير من النساء والأطفال والعائلات الفلسطينية. حيث أضافت كريمة عبود جمالية على المرأة والصور النسائية، من حيث لباسها وحياتها وطبيعة عملها الذي تمارسه في البيت والحقل والمحيط العائلي. وكذلك رصد للمناسبات وشكلها في البيئة الفلسطينية؛ كالأعراس والأعياد والمواليد واجتماعات الوجهاء والمناسبات الأخرى.

قُدر لهذه المرأة الفلسطينية أن تعيش أعوامًا قليلة، جُلهن عمل ريادي متميز، حيث تعرضت كريمة لنوبات من الحمى المتواصلة وتوفيت بتاريخ 27 إبريل 1940م عن عمر 47 عامًا حيث عانت من مرض الفشل الكلوي ودفنت في مقبرة الكنيسة اللوثرية[3].

 


[2] متري الراهب وآخرون، كريمة عبود: رائدة التصوير النسوي في فلسطين، دار الديار، بيت لحم، (2013)ص24

[3] نفس المصدر، ص59