بنفسج

سياسات التحيّز ضد المرأة: كيف تواجهينها في العمل؟

السبت 13 نوفمبر

يمكننا رؤية، بل، والتماس التحيّز في جميع مجالات حياتنا، فأدمغتنا مصممة لتمييز الأشياء وتصنيفها وترتيبها للتعامل مع هذا العالم المعقد من حولنا، بدءًا من تحيّزك في الطعام لطبقِ المقلوبة على حساب ساندويشة الفلافل، ووصولًا إلى تحيّز البشر تجاه بعضهم بعضًا، ولكن مهلًا هنا، في مثال المقلوبة، هذا التحيز يرجع لك لنفسك، ولا يضرّ أحدًا، لا يضرّ بكَ حتى، إنما قد يتخطى الأمر المعنى البسيط "للتحيز" عندما يصل إلى الإضرار بالبشر. عندما يصل الأمر إلى تحيّز المدير تجاه موظف دونًا عن الآخرين، فذلك يشكّل تفاوتات فظيعة بين الديموغرافيات المختلفة.

إذا أردنا الحديث عما تعانيه المرأة من "تمييز مجتمعيّ"، فلدينا الكثير من المظاهر، مع عدم التعميم، ومع ذلك فهي تعاني، في بعض المجتمعات، من "الشؤم العائلي" عند عائلتها منذ ولادتها، ومن التمييز بينها وبين أخوتها كونها فتاة، والتجرّد من الكثير من الحقوق لمجرد أنها أنثى! وأما عن التمييز في مكان العمل، فمن أين نبدأ؟ هل من فجوة الأجور بين الجنسين لمجرد اعتبار أن الذكر يستحق الأجر الأعلى لأنه يُفترض أنه أكثر كفاءة؟ أو لأنه أكثر جهدًا باعتباره عضو عامل في مكان العمل، ولكنه غير مسؤول عن الأمور المنزلية التي تقف عائقًا في وجه الزوجة، الزوجة الأم العاملة المربية! التي تحق لها إجازة الأمومة أشهرًا قليلة، وأما بعد ذلك، فيجب أن تترك ابنها لدى مربية تهتم به بينما هي ذاهبة إلى العمل.

وهنا نناقش، بشكل خاص، التمييز على أساس الجنس أو النوع الاجتماعي في مكان العمل، وذلك عندما يأتي وقتُ مراجعاتِ الأداء للموظفين. لمَ يحدث هذا التمييز وكيف تتأثر النساء العاملات، وكيف يمكن للمرأة أن تواجه هذا الموضوع؟

| تقييمات الأداء المتحيزة في مكان العمل

 
عندما يتلقى الموظفون مراجعات الأداء الخاصة بهم، يجدون صعوبة في تلقّي الملاحظات والتعليقات حول آلية عملهم، بغض النظر عن مدى مهارة مقدمي الملاحظات ومدى دقة ملاحظتهم، ففي استطلاع حديث أجرته فرانشيسكا على 360 شخصًا من العاملين البالغين، أبلغ حوالي 89% منهم بأنهم لا يتطلّعون أبدًا إلى مراجعة أدائهم القادمة، وعندما سُئلوا عن السبب أجاب 74% منهم أنهم وجدوا التوصيات في تلك المراجعات؛ إما غير مفيدة أو غير مريحة (متحيّزة).

تُعد مراجعات الأداء جزءًا مهمًا من عملية الحوار المستمر بين المديرين والموظفين، وفي تلك المراجعات، يتم تلخيص أداء الموظفين السابق في العمل ومحادثات التطوير، وتوقعات العمل المستقبلية لكلٍّ منهم للمضيّ قدمًا، ولكن "غالبًا ما يلوّث التحيز على أساس الجنس مراجعات الأداء"، هذا ما تقوله فرانشيسكا جينو (Francesca Gino) إحدى أعضاء التحرير في كلية هارفارد للأعمال.

عندما يتلقى الموظفون مراجعات الأداء الخاصة بهم، يجدون صعوبة في تلقّي الملاحظات والتعليقات حول آلية عملهم، بغض النظر عن مدى مهارة مقدمي الملاحظات ومدى دقة ملاحظتهم، ففي استطلاع حديث أجرته فرانشيسكا على 360 شخصًا من العاملين البالغين، أبلغ حوالي 89% منهم بأنهم لا يتطلّعون أبدًا إلى مراجعة أدائهم القادمة، وعندما سُئلوا عن السبب أجاب 74% منهم أنهم وجدوا التوصيات في تلك المراجعات؛ إما غير مفيدة أو غير مريحة (متحيّزة).

بالطبع؛ شملت العينة رجالًا ونساء على حدٍّ سواء، وأفاد كلاهما بأنهم ليسوا متفائلين بالتوصيات التي سيحصلون عليهما ولا أنها ستساعدهم وتدعمهم في عملهم، ولكن اختلف الجنسان بنظرتهم إلى التعليقات السلبية على الموضوع: توقّعت النساء تحيزًا بين الجنسين في التعليقات على أدائهنّ أكثر من الرجال.

| كيف يُلتمَس التحيز على أساس الجنس ضد المرأة في العمل؟

التحيز4.png

في إحدى الدراسات التي أجريت على 28 شركة، كانت نسبة 76% من التعليقات السلبية المقدمة للنساء تعليقات على شخصيتها: حادّة الطباع، عنيفة، عصبية. بينما كانت نسبة التعليقات مثل هذه على الرجال لا تتعدى الـ 2%[1]. وفي نتائج مراجعات الأداء للنساء، تقلّ احتمالية تلقيهنّ ملاحظات محددة مرتبطة بنتائج العمل، ملاحظات مفيدة تنبههنّ إلى قصصٍ معينة في العمل، وتنصحهنّ كيف يمكن التقدّم الوظيفي، مثل: "أداؤكِ جيد آنسة A، ولكن ركّزي أكثر على طريقة العمل، حاولي استخدام بعض البرامج المساعدة مثل كذا وكذا...."، بل يميل المديرون إلى التركيز على شخصيات ومواقف النساء، أي توجيه الملاحظات السلبية غير المفيدة: "أتمنى أن تخففي من حدّة العصبية لديكِ، وأن تتقيّدي بالوقت المحدد للدوام، ويُفضّل ألا تكثري من الإجازات..".

بينما من المرجح أن يتلقى الرجال النصيحة التي يحتاجون إليها للتقدم والانتقال إلى المستوى التالي من الأقدمية في المؤسسة، بالتالي، يركز المديرون على سلوكيات وإنجازات الرجال: "تقييمك جيد جدًا، أتمنى أن يتم التركيز على الإنتاجية والتعلّم أسرع، فذلك يُحسّن من مراتبك الوظيفية..". نعم، تواجه نسبة معينة من النساء هذا التحيّز الواضح، حتى أن بعض الشركات تعزلهنّ لأعمال مكتبية أو إدارية، وتبعدهنّ عن العمل الحقيقي الذي يسهم في تقدمهنّ، وهو ما يؤثر على تقييم الأداء أيضًا.

كون التحيز على أساس الجنس قضية ليست شخصية بالنسبة لكل امرأة، بل هي قضية مجتمعية تجبُ معالجتها، قامت العديد من المنظمات بتنفيذ تغييرات شبه جذرية على أنظمتها الداخلية، مثل إلغاء نظام التقييمات الذاتية السابق لتقييم الأداء من المديرين.

مواجهة تقييمات الأداء المتحيزة:هنا  ثلاث أفكار يمكن للمرأة التقيد بها لمعالجة التحيز على أساس الجنس. كون التحيز على أساس الجنس قضية ليست شخصية بالنسبة لكل امرأة، بل هي قضية مجتمعية تجبُ معالجتها، قامت العديد من المنظمات بتنفيذ تغييرات شبه جذرية على أنظمتها الداخلية، مثل إلغاء نظام التقييمات الذاتية السابق لتقييم الأداء من المديرين، والذي عادةً ما يُقلق النساء، وبعض المنظمات اقترحت التركيز على تقييم المهارات المرتبطة بالوظيفة لكل موظف، بدلًا من السماح للمدراء بتقديم ملاحظات عشوائية غير منظمة.

قد تكون الأفكار السابقة فعّالة، ولكنها ستستغرق بالتأكيد مجهودًا ووقتًا طويلًا لتنفيذها، ما يترك النساء العاملات في حيرة الملاحظات المقدمة، والتي قد تكون غير مفيدة، بل ضارة وتسيء بعقلهنّ الوظيفي، فتأتي الإجراءات السابقة متأخرة بعد فوات الأوان. لذا، هنا، سنقدم بعض النصائح لكِ سيدتي، علّها تساعدك في مواجهة تلك التقييمات المتحيزة والتي تمتص طاقتك وطموحاتك.

| ركّزي على التعلم

 
دعينا نتعلم من تجربة بوزما سانت جون (Bozoma Saint John)؛ كبيرة مسؤولي التسويق في نتفلكس، والتي أقرّت في مقابلة لها أنها لم تتلقَ تعليقًا إيجابيًا طيلة فترات عملها حتى وقتٍ ليس ببعيد، وكان يحثها مقدمو الملاحظات على التخفيف من حدّة استجاباتها. ما كان من بوزما إلا أن تحوّل تلك التعليقات السلبية إلى نصائح تدعمها في مسيرة العمل. بعد كل اجتماع كبير أو مهم، أصبحت تقدم لنفسها تقارير ذاتية، ولا تنتظر مراجعة الأداء.

دعينا نتعلم من تجربة بوزما سانت جون (Bozoma Saint John)؛ كبيرة مسؤولي التسويق في نتفلكس، والتي أقرّت في مقابلة لها أنها لم تتلقَ تعليقًا إيجابيًا طيلة فترات عملها حتى وقتٍ ليس ببعيد، وكان يحثها مقدمو الملاحظات على التخفيف من حدّة استجاباتها. ما كان من بوزما إلا أن تحوّل تلك التعليقات السلبية إلى نصائح تدعمها في مسيرة العمل. بعد كل اجتماع كبير أو مهم، أصبحت تقدم لنفسها تقارير ذاتية، ولا تنتظر مراجعة الأداء لتقيّم نفسها: "هل كنتُ جيدة أم سيئة خلال الفترة الماضية؟ ماذا حققت؟ ماذا تعلمت؟ هل أنجزت شيئًا؟ لأجمع المهارات الواجب تعلمها في الفترة القادمة..".

بحلول الوقت الذي كان يجب أن تواجه فيه تقرير أدائها السنوي، كان لديها فكرة كاملة عمّا يجب أن تطوّره، تتجنبه، تحسن من نفسها في التعامل معه، وباستلام مراجعة أدائها مرة تلو الأخرى، أضحت تسأل نفسها كيف يمكنها التحسين وعملت على ذلك، استطاعت التركيز على العناصر التي حددتها خلال مسيرة مراجعاتها الذاتية بالفعل، وتحسينها على المدى البعيد، وقدرت خلال فترة قصيرة أن تسيطر على الانفعالات جراء الملاحظات السلبية.

أرى أن هذه الاستراتيجية بنّاءة جدًا، وخاصةً مع النساء اللواتي يشعرن بالاضطهاد الوظيفي لمجرد أنهن نساء، وحتى لو لم يكن موجودًا بالشكل الذي يصفْنَه تمامًا، إلا أنهن سينزعجن من الموضوع، لأن المرأة بطبيعة الحال حساسة أكثر بكثير من الرجل، لذا من الجيد تنبيه النساء إلى اتخاذ الخطوة للتحسين والاستفادة من السلبيات قبل أن يتملّك الشعور بالتمييز على أساس الجنس لمخيلتهنّ.

| لا تدعي الغموض يتملّككِ

التحيز3.png

إذا تعمّقنا قليلًا في التفكير في الطريقة التي يتم تقديم ملاحظات الأداء بها، فسنلاحظ أن طريق توصيل الفكرة سيختلف من مدير لآخر، وتختلف طريقة تلقّيها أيضًا من موظف لآخر. قد يختلف تمامًا ما ينوي مقدّم الملاحظة قوله، وما يعبّر عنه عندما يتكلم، فقط بسبب لغة الجسد أثناء الكلام، أو لَنقُل بسبب الديناميكية التي يتكلم بها، فقد تأتي صيغة الكلام عنيفة بينما الموضوع طبيعي، وهذا ما يغير من حدة الاستجابة.

تواجه الموظفات أيضًا مشكلة في معالجة الموضوع بسبب الفجوة التي تظهر أحيانًا بين التعليقات السلبية التي تلقيْنَها، والخطوات التي تحتاج القيام بها للتحسين من أنفسهن، بمعنى: تلاحظ البعض أن التعليقات والملاحظات المقدمة إليهن غير واضحة لدرجة أن متلقية الملاحظة لا تعرف غالبًا كيف تتصرف وماذا تحسّن! لتفهم أكثر إليك في هذا المثال ملاحظة موجّهة إلى موظفة: "عليكِ أن تكوني أكثر حزمًا"، أو "حاولي إظهار إمكانياتكِ بشكل كامل"، هذا النوع من الأسئلة غامض بالنسبة للنساء، ويترك متلقية الملاحظة في حيرة.

في طريقكِ إلى التحسين من وضعك العمليّ، حاولي طرح الأسئلة على مقدِّم الملاحظات لتجاوز مشكلة الغموض، حيث سيجعل ذلك الأمر أكثر وضوحًا، وخاصةً إذا حاول المدير التركيز على شخصيتكِ في التقييم، فإذا ناقشتِه سيضطرّ إلى التطرّق إلى أدائك الفعلي، وهو المطلوب! إلى جانب أنكِ ستعرفين أين تكمن المشكلة تمامًا، يخلق طرح الأسئلة حوارًا مثمرًا يقوي العلاقة مع مقدم التقييمات، فيتحول تقييم الأداء من اتصال أحادي الاتجاه، إلى حوار فعال لِكلا الطرفين.

| تفاءل بالخير تجده 

التحيز7.png

تعقيبًا على الفقرة السابقة، فبالنسبة للكثيرات، أو بالنسبة للرئيس والمرؤوس عمومًا، غالبًا ما يبدو طرح الأسئلة على المدير أو مقدم التعليقات غير مريح، وربما سيء، لأنه غالبًا ما يُفسَّر على أنه تحدٍّ للطرف الآخر، وهذا ما يُشعل فتيل الغضب. ولكن عند افتراض النية الإيجابية لمقدم التقييمات - بمعنى أن هذا الشخص يريدنا أن نخطو إلى الأمام ونتقدّم ونتطوّر - تميل النساء إلى الارتياح عمومًا لطرح الأسئلة حول الملاحظات المُتلقاة. هذا ما أثبتته دراسة غير منشورة أُجريت على حوالي 300 امرأة، حيث طُلب منهنّ افتراض النية الإيجابية لمُقيّم الأداء، وأفضت إلى شعورهنّ بالفضول تجاه الملاحظات الغامضة وتشجّعهنّ لطرح الأسئلة والاستفسارات.

في الختام.. أودّ أن أقول لكِ أن التعلم ومواجهة الملاحظات السلبية التي نتلقاها نحنُ النساء الطموحات أمرًا ليسَ بالسهل، وخاصةً مع رغبتنا القوية في أن نكون موضع تقدير، وأن نصل إلى المرحلة التي نحبها جميعًا كفتيات "Strong Independent Woman"، ولكن دائمًا ما كان الأمر يستحق المحاولة على الرغم من انعدام إمكانية القضاء على التحيز على أساس الجنس تمامًا، وكما قلنا، يمكنكِ مواجهته وتحديّه بتلك الخطوات الثلاث. دُمتِ قويّة عزيزتي.