بنفسج

بين الاستبداد السياسي والاستبداد الأسري: كيف يؤثر أحدهما على الآخر؟

الثلاثاء 01 فبراير

ليس بعيدًا عن أي إنسان عربي يعيش في مجتمعاتنا العربية، ذلك المعنى الذي يفضي إلى إخضاع الكبير للصغير، والقوي للضعيف، وصاحب السُلطة لمن دونه، يُعايش كل منّا هذا المعنى بطريقة ما، فتقول الأم لطفلها افعل ما آمرك به ولا تناقشني، ويقول الموظف -في فكاهة أحيانًا- الإدارة دائمًا على حق! وغيرها من صنوف وأشكال العلاقات غير المتكافئة التي تحكمها معادلات وأحكام مسبقة تجعل من هذه السيطرة، مقبولة أحيانًا أو مبررة في أحيان أكثر. 

وإذا أخضنعا الكلام أعلاه للمقايسة، وألبسنا المعاني بعض المصطلحات الفضفاضة، فيمكننا القول أننا نتحدث عن علاقات يستبد فيها أحد الأطراف على الطرف الآخر، وينطبق هذا الأمر على علاقة الحاكم بالمحكومين، فنقول استبدادًا سياسيًا، وينطبق على العلاقات داخل الأسرة الواحدة كالاستبداد الأسري، أو بين الوحدات المجتمعية كالاستبداد المجتمعي وهكذا. ولكن ما أصل هذه الحكاية؟ ومن أين بدأت هذه الدائرة المغلقة؟ أهي من الأسرة؟ أم أن الاستبداد السياسي هو أصل لكل بلاء تعيشه المجتمعات العربية، ويحول دون تطورها ونهضتها؟ 

| بين الاستبداد والأبوية

استبداد 1.jpg

إذا عدنا إلى الأصل اللغوي لكلمة المستبد (despot) نجدها مشتقة من الكلمة اليونانية "ديسبوتيس" التي تعني رب الأسرة، أو سيد المنزل. ثم خرجت من هذا النطاق الأسري، إلى عالم السياسة، وهذا الاشتقاق يبرز معنًى ظاهرًا في الحالة الاستبدادية، وهي شعور الحاكم المطلق بالأبوية تجاه الشعب، فيرى أن من حقه معاقبتهم بالطريقة التي يراها مناسبة، وله الحق في الطاعة من دون تقديم مقابل.

أما بالرجوع إلى المعجم، فإن كلمة استبداد تندرج تحت الفعل استبدّ، نقول استبد بالأمر: انفرد به، فنقول استبد برأيه. وقد نرى الاستبداد بصور متعددة في مختلف السلطات المجتمعية، فهناك استبداد السلطة السياسية أو الاجتماعية أو الدينية وغيرها.

فالسلطة السياسية تعني انفراد شخص أو عائلة بالسيطرة على الحكم دونًا عن جميع الناس، كما أن الدينية تتمثل في استئثار فئة من الناس بتفسير الدين وأحكامه، والاجتماعية نراها في النقابات والأسر والقبائل ومختلف التشكيلات الاجتماعية التي يمكن من خلالها أن تسيطر فئة أو جماعة على الآخرين، مثل سيطرة القبيلة على أفرادها بفرض تقاليد معينة في مختلف الأمور الحياتية مثل الزواج والمعيشة، وكذلك سيطرة الوالدين على أبنائهم بالمعنى السلبي، بالتحكم بالكامل في خيارات الأبناء، مثل التخصص الجامعي وكيفية الزواج ومكان الإقامة وإمكانية السفر.

| الاستبداد المجتمعي: كيف تسلط الدولة المجتمع ضد بعضه؟

استبداد 7.jpg

في صورة بنورامية للمجتمعات العربية، فإنها تتكون غالبًا من تكتلات أو تجمعات بشرية تربطها علاقات الدم والنسب، تُسمى في بعضها قبائل، وفي الآخر عشائر، وفي كثير من الأحيان عائلات ممتدة، والتي بدورها تتفرع إلى مجموعة واسعة من الأسر، تنتهي إلى الأسرة الصغيرة والتي هي نواة المجتمعات. تختلف المجتمعات العربية في حجم ومساحة السلطة التي تتمتع بها هذه التكوينات المجتمعية، كما تختلف في تسمياتها ومدى انتشارها، نظرًا للاختلافات العرقية أو الاثنية أو الدينية التي تتكون منها هذه المجتمعات. 

وإذا عدنا بخطوات إلى الوراء، وبصورة أعم وأشمل، يمكننا الإشارة إلى الاحتياج العام للبشر إلى أشكال مختلفة لتنظيم المجتمع، وهذه الأشكال من التنظيمات المجتمعية في الدول العربية لها الأثر الإيجابي والأثر السلبي، أحد أهم الآثار الإيجابية هي تنظيم المجتمع والمحافظة على تماسكه، ولكن لهذه التكوينات أثر سلبي يمكن أن نعتبره أحد أشكال تراكم الاستبداد في مجتمعاتنا، فطالما استطاعت القبائل والعشائر أو العائلات الممتدة أن تمارس دورًا سلطويًا على الأسر التي تجمعها.

 يعيش المجتمع العربي تحت وطأة الاستبداد السياسي منذ عقود، وهذا بدوره يؤثر على المجتمع، وبالتالي، يضغط أيضًا تجاه تكريس الاستبداد مجتمعيًا في مختلف نواحي الحياة، وباختلاف التشكيلات الاجتماعية، لتكون المحصلة مجتمعًا منقطعًا عن التطور والتفاعل الديناميكي، الذي يساعد المجتمع للارتقاء والنهوض للخير ولإصلاح شؤونه، يقول الدكتور مصطفى حجازي: "التخلف الاجتماعي هو في النهاية ثمرة الاستغلال والاستعبادفلا شك في قوة أثر الاستبداد السياسي على تكريس الاستبداد الاجتماعي في كافة طبقات المجتمع، وصور التفاعل المختلفة بين أفراده.

يتهرب الرجل من مأزقه بصبه على المرأة من خلال تحميلها كل مظاهر النقص، والمهانة التي يشكو منها في علاقته مع المتسلط وقهره. ولذلك يُفرض على المرأة أكثر الوضعيات غبنًا في المجتمع المتخلف، إنها محط كل إسقاطات الرجل السلبية والإيجابية على حد سواء".

إن الاستبداد الذي تمارسه الدولة على أساس الطبقة الاجتماعية والوجاهة المجتمعية، أي بحسب المستوى المادي للأفراد، ومدى السلطة الذي يملكونها بناءً عليها، أو بحسب القوة التي يمتلكها البعض لأسباب اجتماعية؛ مثل شيخ القبيلة، ورئيس العشيرة، وتقسيم القبائل والعشائر حسب إمكانياتها وقوتها، وتوسيع مساحة سيطرة القبيلة على حساب حرية الأفراد، وبما يتوافق مع الدولة.

إذ تتنازل الدولة في بعض الأحيان عن السيطرة على بعض النواحي، مثل تعدي بعض أفراد القبيلة على الطرف الأضعف، وفرض اختيارات معينة على الأفراد، ليكون المقابل أن تسلم القبيلة بما تريده الدولة من مراقبة وسيطرة، وحين تمارس القبائل هذه السلطة، فإن الوحدة المتأثرة بهذا هي الأسرة الصغيرة بركنيها الأساسيين الزوج والزوجة، وكلما ضغطت القبيلة على الرجال، لفرض نمط حياة معينة، كان لذلك تأثير بضغط الرجل على زوجته في سيطرة غير مستحقة لاتباع نمط وقوانين معينة.

يؤثر هذا الاستبداد بدوره على الأطفال الذي ترعاهم الأم، فيخلق لنا الأم المتسلطة نتيجة تسلط الأب وتسلط القبيلة من فوقه فتسلط الدولة.  بهذه التراتبية نجد أن الدولة المستبدة تكرس سيطرتها على الأفراد منفردين بتوسيع أثرها على التشكلات الاجتماعية المختلفة، ونرى أثر ذلك طغيان الأفراد بعضهم على بعض كل حسب مساحة قدرته، فكأن الدولة المستبدة تنتج طاغية في كل فرد يستغل القوة لفرض نفسه.

يصف مصطفى حجازي في كتابه التخلف الاجتماعي: سيكولوجية الإنسان المقهور: يتهرب الرجل من مأزقه بصبه على المرأة من خلال تحميلها كل مظاهر النقص، والمهانة التي يشكو منها في علاقته مع المتسلط وقهره. ولذلك يُفرض على المرأة أكثر الوضعيات غبنًا في المجتمع المتخلف، إنها محط كل إسقاطات الرجل السلبية والإيجابية على حد سواء. وهي تُدفع نتيجة لذلك إلى أقصى حالات التخلف. ولكنها من هوة تخلفها وقهرها ترسّخ تخلف البنية الاجتماعية من خلال ما تغرسه في نفوس أطفالها من خرافة وانفعالية ورضوخ".

| الدولة وأدوات الاستبداد السياسي المختلفة

الاستبداد 2.png

| أولًأ: الدين

 كان وما زال الدين أحد أهم العناصر التي تعتمد عليها الدولة المستبدة في تثبيت استبدادها، فعادة ما يوازي الاستبداد السياسي استبدادًا دينيًا يفرض على الناس رؤية معينة في الدين لا يمكن مخالفتها، بل يعاقب كل من يمشي في اتجاه غيرها، وأهم الملامح المميزة للاستبداد الديني هو التحدث باسم الله، والمناداة بتطبيق الشريعة بناء على فهم ذاتي إنساني للدين.

وتمكين الاستبداد السياسي عن طريق الاستبداد الديني يكون عادة بربط الرئيس بظل الله على الأرض، وجعله الصورة التي يرتضيها الله أيًا كانت للسيطرة على الناس، وكذلك بتثبيت حكم التغلب للحاكم على الناس، فيضغط رجال الدين على الناس، بأن هذا أمر واقع يجب أن ترضوه أو القول بأن هذا من ذنوبكم، وإن أصبحتم صالحين فإن الله سيغير الحاكم بما يصلح لكم.

ولهذا الأمر أثره السلبي على الأسرة، مما يعزز حتمية الرضا بالواقع، مهما كانت السلطة ظالمة أو أن صاحب السلطة يسيء استخدامها، ويتم تكريس ضعف وهامشية الفئات الأقل سلطوية في المجتمع، ومن هذه السلطات هي سلطة الرجل على المرأة، بما هي أم أو أخت أو زوجة أو ابنة، فيجعل قرارها الأخير مهما كان شخصيًا يرجع إلى الرجل، وله أن يجبرها على ما لا تريده بحكم سلطته، مثل إجبارها على الزواج برجل معين وبطريقة معينة، ومن ذلك إساءة استخدام القوامة لفرض رأيه بشكل دائم.

بإمكاننا أن نرى مقابلة  بين سوء استخدام القوامة، في مقابل سوء استخدام مفهوم الطاعة لأولياء الأمر، والظلم الناجم عن عدم وجود حدود واضحة، أو قانون رادع ضد ظلم الرجل للمرأة، وعسفها في أمور عدة، مثل الخروج من المنزل والعمل وحضانة الأبناء عند الطلاق، والاغتصاب الزوجي.

ومن أحد صور الإساءة منعها من الخروج لأي سبب، أو استخدام العنف ضد المرأة سواء كان عنفًا معنويًا، مثل المنع والاستبداد بالتحكم في حياتها وإهانتها، أو ماديًا بالضرب الخفيف أو المبرح، ومن الجدير بالذكر أن العنف الجسدي تجاه جسد المرأة هو أحد آثار الاستبداد المباشرة التي نراها على أرض الواقع، وهي انتشار العنف بناء على سلطة القوة، الأقوى جسدًا.

كما يُساء استخدام النصوص الدينية في هذا السياق إساءة شديدة، يقول الشيخ محمد الغزالي في كتابه: قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة: "إن القوامة للرجل لا تزيد عن أن له بحكم أعبائه الأساسية، وبحكم تفرغه للسعي على أسرته والدفاع عنها ومشاركته في كل ما يصلحها. أن تكون له الكلمة الأخيرة، بعد المشورة ـ ما لم يخالف بها شرعا أو ينكر بها معروفًا، أو يجحد بها حقًا، أو يجنح إلى سفه أو إسراف، من حق الزوجة إذا انحرف أن تراجعه وألا تأخذ برأيه، وأن تحتكم في اعتراضها عليه بالحق إلى أهلها وأهله أو إلى سلطة المجتمع الذي له وعليه أن يقيم حدود الله وهذا كلام حسن".

بإمكاننا أن نرى مقابلة  بين سوء استخدام القوامة، في مقابل سوء استخدام مفهوم الطاعة لأولياء الأمر، والظلم الناجم عن عدم وجود حدود واضحة، أو قانون رادع ضد ظلم الرجل للمرأة، وعسفها في أمور عدة، مثل الخروج من المنزل والعمل وحضانة الأبناء عند الطلاق، والاغتصاب الزوجي، وبعض التفاسير المنتشرة للفئات المتطرفة دينيًا والتي يغذيها الاستبداد السياسي بشكل مباشر وغير مباشر، بضرورة السكوت عن الحاكم مهما فعل.

| ثانيًا: الضغط الاقتصادي

أحد المشكلات المعاصرة في الدول العربية هي سوء وتردي الأوضاع الاقتصادية العامة، فبسبب الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتدهور، أصبح عمل المرأة في بعض الأحيان واجبًا وضرورة، مثل المرأة المطلقة والنساء العازبات
 
إضافة إلى الانتقاص الدائم من وظيفة المرأة في البيت، مثل التنظيف والترتيب ورعاية شؤون الأولاد، واتهامها الدائم بالتقصير والتركيز على الدور الأمومي، وهو على أهميته لا يقلل من أهمية وجود الأب لاستقامة حياة الأولاد في التربية.
 

أحد المشكلات المعاصرة في الدول العربية هي سوء وتردي الأوضاع الاقتصادية العامة، فبسبب الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتدهور، أصبح عمل المرأة في بعض الأحيان واجبًا وضرورة، مثل المرأة المطلقة والنساء العازبات، وكذلك الأعباء الاقتصادية أصبحت أكبر من أن يتحملها الرجل وحده خاصة في المدن الكبيرة، فكون عمل المرأة ضروريًا في بعض الأحيان، لمحاولة توفير حياة كريمة للأسرة، إضافة إلى حاجة بعض التخصصات للمرأة بشكل رئيس، مثل التمريض والتدريس والطب، مع كل هذه الأعباء ما زالت المرأة مطالبة بإقامة البيت كاملًا وحدها من دون مساعدة الرجل غالبًا، ومن دون محاولة لتوزيع الأعباء على الأقل الأعباء المنزلية.

إضافة إلى الانتقاص الدائم من وظيفة المرأة في البيت، مثل التنظيف والترتيب ورعاية شؤون الأولاد، واتهامها الدائم بالتقصير والتركيز على الدور الأمومي، وهو على أهميته لا يقلل من أهمية وجود الأب لاستقامة حياة الأولاد في التربية، خاصة الذكور، لنشأة جيل قوي قادر على مواجهة المصاعب.

| كيف نخفف من وطأة كل ذلك؟

استبداد 5.jpg
 

مما سبق، لا يمكن تجاهل أثر الاستبداد السياسي العام على سوء أوضاع المرأة العربية، فبدون التحرر السياسي لا يمكن الوصول إلى تحرر كامل لكل ما تعانيه المرأة في المجتمعات العربية، ولذلك تجب موازاة العمل على التحرر السياسي مع العمل على تحسين أوضاع المرأة. فاستمرارية العلاقة الجدلية بينهما تثبيت أهمية وتأثر كل منهما على الآخر.

نرى بذلك أثر الطرق المختلفة لاستبداد الدولة السياسي على الأسرة بشكل عام، والمرأة بشكل خاص، سواء بأثر مباشر، مثل التمييز على أساس الجنس، أو غير مباشر، بسبب تكريس سلطة الأقوى ضد الأضعف، ويعتبر التخلص من الاستبداد السياسي أحد أهم العوامل في رفع الظلم بشكل كبير عن المرأة.وبالتالي عن الأسرة التي ترعاها المرأة خاصة في تربية الأبناء.

مما يسبق تتضح حاجة المجتمعات إلى إحداث قوة مجتمعية تضغط على الحكومات والسلطات لتعديل القانون وتغييره ليصبح أكثر تناسبًا وأكثر اتساقًا مع التفاسير الدينية الصحيحة، والتي تجعل للمرأة كرامة وإنسانية لا تختلف عن كرامة الرجل.

فالمرأة المقموعة أو المقهورة ستنشئ جيلًا ضعيفًا مقموعًا أو متسلطًا ضد الأقوى، فيصبح تكرار الاستبداد الأسري، فالاجتماعي لندور في حلقة مفرغة. ومما يسبق تتضح حاجة المجتمعات إلى إحداث قوة مجتمعية تضغط على الحكومات والسلطات لتعديل القانون وتغييره ليصبح أكثر تناسبًا وأكثر اتساقًا مع التفاسير الدينية الصحيحة، والتي تجعل للمرأة كرامة وإنسانية لا تختلف عن كرامة الرجل، ومن ثم العمل على رفع الوعي المجتمعي لتفعيل سبل الاستعانة بالقانون، لتمكين المرأة على الاستناد إليه لمواجهة الضغوطات الأسرية أو المجتمعية.وكذلك توفير غطاء مجتمعي حقيقي لإعطاء المرأة مساحة عامة، مثل تحسين شروط العمل، وإجازات الأمومة، وإعطاء دور للأبوة، وتحسين قوانين الأحوال الشخصية المتعلقة بالمطلقات خاصة.

وفي سياق موازٍ، لا بد من تركز الجهود لرفع الوعي عند الرجال بضرورة رعاية الأسرة والتشارك مع المرأة في تربية الأبناء، وكسر الصورة النمطية عن كون الأب مجرد ممول مالي، بمعنى آخر؛ إعادة تفعيل دور الأبوة وأهميتها في توازن الصحة النفسية للأبناء، أو كما يقول عبد الوهاب المسيري "أزعم أن المطلوب ليس تحرير المرأة وإنما تقييد الرجل".

وفي هذا الصدد وفي حوار الدكتورة هبة رؤوف عزت مع الدكتورة نوال السعداوي في كتاب المرأة والدين والأخلاق: هل المرجعية الإسلامية تتيح -لمن يريد- أن يوظف النص لصالح السلطة وضد المرأة؟ فأجابت رؤوف عزت: بالطبع نعم يمكن ذلك، ولكن ذات المرجعية تعطي النص سلطة مطلقة، فكما هو سيف عليّ في يد ظالم أساء التأويل والتوظيف، فهو سيفي في جهادي كي تكون كلمة الله هي العليا قبل أن يكون جهاد من أجل حقي كامرأة. وهنا موطن التمايز، لأن البديل هو كما رأينا رأي العين: سيادة النسبية الأخلاقية، أو مرجعية اللامرجعية، والسيولة الكاملة، ليسود الأقوى ويتم اختزال الإنسان في المادة.

وفي سياق موازٍ،  لا بد من تركز الجهود لرفع الوعي عند الرجال بضرورة رعاية الأسرة والتشارك مع المرأة في تربية الأبناء، وكسر الصورة النمطية عن كون الأب مجرد ممول مالي، بمعنى آخر؛ إعادة تفعيل دور الأبوة وأهميتها في توازن الصحة النفسية للأبناء، أو كما يقول عبد الوهاب المسيري " أزعم أن المطلوب ليس تحرير المرأة وإنما تقييد الرجل".

فالذي حدث أن حركية الرجل في العصر الحديث، قد زادت بشكل غير إنساني. مما يعني بعده أو غيابه عن المنزل، فيقع عبء تنشئة اطفال على كاهل ام وحدها إلى جانب أعبائها اخرى، "فاتجاه واحد للتغيير لا يكفي دون العمل على الاتجاهات الموازية، والتي تخلق توازنًا ضروريًا لتحسين الأسرة"يظهر التداخل بين الاستبداد الأسري والاستبداد السياسي على الدوام وفي التفاعل المجتمعي اليومي، ليس من السهل الفصل بينهما، فالظواهر الاجتماعية مركبة بدرجة أكثر تعقيدًا من الفصل بينهما، ولكن باعتبار أن الأسرة هي نواة المجتمعات وأن المجتمع بالأصل مجموعة من الأسر والعشائر، يمكن أن نرى أن الأصل يبدأ من النواة الصغيرة وانتقل إلى المجتمع السياسي الكبير.