بنفسج

منار سعيد.. ماذا يعني أن تكون مصابًا بطفرة نادرة؟

الأحد 30 يناير

"ابعدوا ابعدوا لاحسن تتعدوا"؛ "أنت شكلك مش واجهة للمكان، صوتك هيخسر شركتنا". تقف أمام مرآتها بأعين مشوشة، تنظر لقسمات وجهها جيدًا، متحسسة إياه بيديها، تُقسم أن لا تحزن، تواسي نفسها بنفسها. اسمها منار، وهي منارة تمد من حولها بالنور. وقفت في وجه مجتمع بأكمله، تساند ما لا سند لهم، وتداوي أفئدة من يشابهونها بالظروف، حادثتهم بقلبها قبل لسانها. تعرضت للتنمر في كل مكان ومن كل جهة، ولكنها لم تكف عن المحاولة، ولكن المجتمع قابلها بقسوة في كثير من الأحيان. شجاعة، طموحة. لقبت نفسها بوزيرة السعادة لتنجح في إدخال السعادة لقلوب جرحتها الحياة بقسوة، كتبت كتابًا لتدون فيه تجربتها، وأسمته "التنمر القاتل الخفي". الشابة منار سعيد المصابة بالطفرة الجينية "الشيخوخة المبكرة"، وهي من ضمن ٥٠٠ شخص حول العالم مصابين بهذه الحالة، ضيفة بنفسج، تحكي لنا الحكاية منذ طفولتها حتى أصبحت من المؤثرين في الوطن العربي.

| فتاة الطفرة

تقول منار، وهي التي أنهت درجة البكالوريوس من كلية أصول الدين قسم العقيدة والفلسفة، دبلوم تربوي من جامعة الأزهر، وتدرس الآن الماجستير في ذات الجامعة: "الطفرة الجينية ولدت بها، وهي مرض وراثي جيني يؤثر على شكلي وصوتي وبعض الأجهزة الحيوية. بوجهي، أظهر أكبر من عمري وأنا الوحيدة في مصر المصابة به، منذ طفولتي وأنا أشعر أن هناك شيئًا ليس طبيعيًا".
 
منار وهبت عمرها للتعلم؛ فتعلمت اللغة الهندية وأنهت الدبلوم من السفارة الهندية، وأتقنت الألمانية بجدارة، وتعلمت الإنجليزية بالتعلم الذاتي، ونالت دبلوم تخاطب، إضافة إلى دبلوم التربية الخاصة.

تركض هنا وهناك، فينظر لها المارة باستغراب، نظرًا لشكلها غير المعهود، فهي طفلة بوجه مجعد وصوت غير مألوف، يهرب الصغار منها، يعاملونها بالمدرسة بشكل سيء، يبتعدون فورًا. عانت الوحدة التي نخرت قلبها بعنفوان، نهضت من تحت حطام كثيف، وتعلمت كيف ترش على جرحها وردًا وتتجاوز. تقول منار، وهي التي أنهت درجة البكالوريوس من كلية أصول الدين قسم العقيدة والفلسفة، دبلوم تربوي من جامعة الأزهر، وتدرس الآن الماجستير في ذات الجامعة: "الطفرة الجينية ولدت بها، وهي مرض وراثي جيني يؤثر على شكلي وصوتي وبعض الأجهزة الحيوية. بوجهي، أظهر أكبر من عمري وأنا الوحيدة في مصر المصابة به، منذ طفولتي وأنا أشعر أن هناك شيئًا ليس طبيعيًا، ولكن لم أكن أسأل ما هو، وكنت متيقنة أنه شيء صعب للغاية، حتى كبرت وبدأت أستوعب".

الفتاة التي وهبت عمرها للتعلم؛ فتعلمت اللغة الهندية وأنهت الدبلوم من السفارة الهندية، وأتقنت الألمانية بجدارة، وتعلمت الإنجليزية بالتعلم الذاتي، ونالت دبلوم تخاطب، إضافة إلى دبلوم التربية الخاصة. عانت خلال فترة دراستها ومرحلة طفولتها بشكل عام، كانت لوحدها تمامًا، من يدعمها العائلة فقط، أخوها وأختها الكتف الآمن التي تلجأ لهما في كل أوقاتها، هما أجمل ما في حياتها على الإطلاق رفقة والديها اللذان شكلا حصنًا منيعًا ضد الصدمات المتوالية من أشرار الدنيا الذين تعمدوا إهانتها والنفور منها كل مرة، أختها التي كانت رفيقتها الوحيدة كان تدرس في مدرسة بجانب مدرسة منار، فلم تكن تنزل إلى الفسحة اليومية بين الحصص، وتظل واقفة على شباك فصلها لتتحدث مع أختها.

منار.jpg
منار سعيد مع والدتها في طفولتها

"حين كنت أجد شخصًا خارج نطاق العائلة يدعمني ويعاملني برفق كنت أنبهر، ومن الأشخاص الذين وضعوا بصمة في حياتي أستاذي الفيزياء في الثانوية العامة، كان يعاملني كابنته، يحبني، ويود أن أنجح أكثر، حقيقة ممتنة لهذا الرجل جدًا". تقول منار. انتهت مرحلة المدرسة بحلوها ومرها، وبدأت رحلة أخرى في الحياة داخل أروقة الجامعة، فشكلت نقطة تحول في حياة منار، لأنها تقبلت اختلافها وأحبت نفسها، وبدت أكثر رضا، تكمل: "اخترت تخصصي بناء على حبي لوالدتي وددت أن أشبهها في كل شيء، أردت أن أكون صاحبة أثر وقتها، بدأت أفكر بطريقة مختلفة، اندمجت في الأنشطة الطلابية، وعززت ثقتي بنفسي، وعقدت اتفاق صداقة مع الطفرة التي صاحبتني منذ مولدي".

صُنفت منار من ضمن أكثر 40 شخص مؤثر في الوطن العربي، وشعرت بمسؤولية أكبر تجاه هذا اللقب، تقول لبنفسج: "تعلمت خلال حياتي أن أواجه التنمر بالتجاهل، وقبل ذلك تقبلت نفسي كما هي وهذا كان أكبر تحدي لي، ونجحت في اختبار النفس وأحببتها كما هي".

| التنمر القاتل الخفي

منار سعيد.jpg
كتاب التنمر القاتل الخفي الذي كتبته منار سعيد

حين يؤذى المرء ويُهان بطريقة فجة على شيء لم يكن له يد به، يشعر بغصة قلب لا تندمل تزداد بمرور الزمن ولا تقل حتى لو قلّت الأذية. اصطفى الله منار بهذا الابتلاء الصعب، وليس كل نفس قادرة على تحمله، ولكنها صمدت في وجه طوفان من الأذى، فقررت أن تكتب كتابًا تسطر بين دفاته حكايتها فأسمته "التنمر القاتل الخفي"، تردف: "تحدثت في كتابي عن معنى التنمر، وتاريخه، وإحصاءات عنه، وعن من تأثر وأنهى حياته بسبب التنمر، ومن وقف في وجه كل متنمر وقال لا ونجحوا في اختبار المواجهة، وحاز الكتاب على انتشار واسع وإقبال من القرّاء".

أخدت عهدًا على عاتقها أن تكون لها بصمة في المجتمع، أنت تقف مع من لا سند له، فأنشات مبادرة أسمتها "حدوتة"، تكمل: "هدفت من خلالها تغيير فكر المجتمع حول الأشخاص من ذوي الهمم، وفتح المجال أمام كل من يود أن يحكي حكايته لتكون عبرة لغيره، والمساهمة في إعطاء دفعة أمل لفاقدي الشغف، التقيت بكثير من الأشخاص تحدثوا عن قصصهم، وعقدنا لقاءات عبر الزوم مع أناس من السعودية والصين والمغرب، كل الحكايات أثرت بي بلا استثناء، تعلمت من كل منها عبرة".

مناار.jpg
منار سعيد 

من حدوتة إلى بهجة تنطلق منار، "بهجة" هو مشروعها الخاص الذي افتتحته عام 2020، وفكرته تقوم على توفير مكان خاص بالأشخاص ذوي الهمم، ليقدم لهم الخدمة التي يحتاجونها، تضيف منار لبنفسج: "أقدم فيديوهات تحفيزية، وشجعني من قالوا لي إني مؤثرة بشكل كبير، وكلامي مقنع ويصل إلى القلوب بسرعة. أعددت فيديوهات عن الحب والتنمر والتعاطف. تحدثت مع الجمهور في كثير من الحكايات، أحببت فكرة التقديم جدًا، وأطلقت على نفسي وزيرة السعادة، لأنني شعرت أن دوري في الممجتمع، أن أنشر السعادة، وأفرح حين يناديني أحد بوزيرة السعادة".

أيستطيع المرء العيش من دون كتف يميل عليه? وكف تدفئه? وقلب يحبه بصدق? منار كانت محظوظة ووجدت الملجأ الآمن في العائلة، كانا أكبر داعمين لها، يروها بتجاعيد وجهها وصوتها المختلف الأجمل والألطف، بكت في كثير من الأحيان، فكان قول الله يردد في أذنها: "لا تحزن إن الله معنا"، تضيف بنبرة هادئة راضية: "كلنا عندنا امتحان من ربنا كلنا عندنا حاجه مختلفة مش شرط تكون ظاهرة، بس لازم نقتنع أن كلنا في امتحان، ولازم ننجح في الامتحان، ولازم نفهم برضو إن ربنا مش بيدي حاجه لحد إلا لو كان قدها فعلًا".

تأمل منار أن تترك أثرًا في حياتها، وتكون وزيرة للسعادة بشكل رسمي، وأن تساعد أكبر قدر من الناس بشكل إيجابي، وتزرع الأمل ليطرح بذوره في قلب كل يائس.