بنفسج

"حب نفسك تتحب": كيف ألهمتنا نسمة يحيى؟

الأربعاء 24 فبراير

بينما الكل منهمك في الحديث عن الدرس الذي سيشرحه المعلم بعد قليل، والذي يجمع طلابًا من الثانوية العامة، وبمجرد دخول نسمة من باب القاعة، وإذ بفتاة تصرخ بعلو الصوت، وتقفز من مكانها متأهبة، وكأنها تعرضت لعضة حيوان مفترس، والكل في حالة ذهول تام مما حصل، اقتربت منها نسمة ببطء، بعد أن سكنت قليلًا وقالت: "هوا في حاجة حصلت حاجة". فردت مجيبة: "لأ، أصلي أنا اتخضيت لما شفتك".

جلست كل منهما في مكانها، ولكن نسمة ظلت حابسة دموعها التي تأبى السقوط، حتى لا يراها أحد في موضع ضعف. لم تستطع الرد ولا الحديث، وكأن صوتها أصابته بحة لا تُشفى. ومنذ تلك اللحظة، والفتاة الرقيقة تعيش مع جرح لا يندمل بمرور الزمن، بل يتفاقم، لا تنساه ولن ينساها، تجاوزته، نعم، ولكنه ظل عالقًا بقلب الطفلة التي تحمله. نسمة يحيى، أول عارضة أزياء في مصر من قصار القامة، تدرس الإعلام في سنتها الثالثة، تمكنت في سنوات قليلة أن تصنع لها اسمًا في عالم الأزياء. تغلبت على خوفها وكسرت الحاجز الكبير الذي يقف بينها وبين العالم بأسره.

| "مفيش مقاسك هنا"

نسمة يحيى، أول عارضة أزياء في مصر من قصار القامة، تدرس الإعلام في سنتها الثالثة، تمكنت في سنوات قليلة أن تصنع لها اسمًا في عالم الأزياء. تغلبت على خوفها وكسرت الحاجز الكبير الذي يقف بينها وبين العالم بأسره.
 
تقول: "نفذّت مشروع تصميم الأزياء لقصار القامة في 25 أيلول/سبتمبر 2020، وأطلقت عليه اسم «breeze»، وهو معنى اسمي باللغة الإنجليزية، أرسم على الورق التصميم، وأراعي كل أساسياته. ولم أعتمد على موهبتي فقط بالرسم، بل التحقت بعدة دورات أون لاين".

أن تكون قصير قامة يعني أن لا تسلم من نظرات الهمز واللمز في مجتمع لا يكف عن التنمر، تقول نسمة: "طفولتي كانت هادئة جدًا، أحب اللعب مع أشقائي وأبناء الجيران. ترعرعت في السعودية حتى عمر السابعة، ثم عدت مع عائلتي لمصر للدراسة. أذكر جيدًا حين كان يرميني الأطفال بالطوب في الشارع، ونظرات الاستغراب تبدو في وجه كل من رآني. رأيت أمًا تلفت نظر طفلها لمشاهدتي وكأني أعجوبة. كنت دائمة السؤال لوالدتي: لماذا حين أحضر يترك الجميع كل ما بأيديهم ويلتفتون إليّ، طوال مرحلة الابتدائية وهذا الأمر يزعجني. لا أود الخروج ولا رؤية الناس أبدًا".

لم تواجه نسمة داخل أسوار المدرسة أي تنمر، وترجع ذلك إلى عمل والدتها في المدرسة التي تدرس بها، حيث كانت توصي المدرسين عليها دومًا. أما علاقتها بزملائها في المدرسة، فكانت جيدة، تحبهم ويحبونها. متفوقة ومن الأوائل، وقارئة نهمة، وكاتبة شغوفة. وعن رحلة بحثها عن الملابس التي تناسب حجمها الصغير، تضيف لـ "بنفسج": "وأنا صغيرة، لم يشكل موضوع اللباس مشكلة، ولكن فور دخولي الإعدادية، لم أحب الملابس التي تناسب حجمي ولا تناسب عمري، فبدأت التفكير بحل جذري لهذه المعضلة".

نسمة 1.jpg
نسمة يحيى أول عارضة أزياء من قصار القامة في جلسة تصوير

تقف في محل لبيع ملابس الكبار، تنظر يمنة ويسرة، وإذ بالبائع يفاجئها متدخلًا وقائلًا: "مستحيل تلاقي حاجة مقاسك هنا، وفري على نفسك الوقفة". فتشعر بالإحباط وقلة الحيلة، تكمل: "مع كل مرة يتكرر هذا الموقف أشعر بضرورة إيجاد الحل، وبالفعل، وجدته، وبدأت باستغلال موهبتي في الرسم والتصميم، لتصميم ملابسي بنفسي، وإرسالها للخياط".

تضيف: "نفذّت مشروع تصميم الأزياء لقصار القامة في 25 أيلول/سبتمبر 2020، وأطلقت عليه اسم «breeze»، وهو معنى اسمي باللغة الإنجليزية، أرسم على الورق التصميم، وأراعي كل أساسياته. ولم أعتمد على موهبتي فقط بالرسم، بل التحقت بعدة دورات أون لاين، وبدأت بعدها باستقبال الطلبات من قصار القامة، فآخذ مقاساتهم، وأرسم التصميم بشكل يليق بصاحبه، وأختار بنفسي اللون ونوع القماش، ثم أرسله للتنفيذ، وبعد ذلك أرسله لصاحبه عبر شركة شحن".

نسمة محبة للألوان الفاتحة، كونها تعطيها إيحاءً بالبهجة والثقة بالنفس، تستخدمها في أغلب تصاميمها، وتفضل استخدام الغوامق في إطار معين كملابس الجامعة مثلًا. تراعي أسس التصميم التي تعلمتها في التدريبات، ترسم بكل شغف على دفترها المخصص للتصميم.

| أول جلسة تصوير "حب نفسك تتحب"

نسمة3.jpg
نسمة يحيى أول عارضة أزياء من قصار القامة في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي

في خطوة غير مسبوقة، وجديدة على نسمة التي لم تحب التصوير أبدًا، ولم تلتقط صورًا كاملة أبدًا، حيث كانت تهاب أن تعرض صورها على "السوشال ميديا" بشكل كامل، خوفًا من رد فعل الناس، ولكنها قررت أن تكسر حاجز خوفها، وتنشر أول جلسة تصوير لها في عام 2018 وخلفها البحر، لتثير الصور بعد أقل من 24 ساعة ضجة كبيرة في الأوساط المصرية.

وفيما بعد، قررت أن تقبل عرض مصور مصري بتصويرها في جلسة تصوير خاصة وهي ترتدي فستان زفاف كلاسيكي، وهي تحمل مظلة بيضاء صغيرة، وكان شعار الجلسة "حب نفسك تتحب"، تقول: "أنا بحب الحاجات المختلفة اللي بتبهر الناس بشكل مختلف، بعيدًا عن العنصرية، وبتعطي فكرة أنه أي حاجة ممكن تليق بأي حد، بغض النظر عن أي حاجة". كما نفذت جلسة بإطلالة مستوحاة من فساتين الستينيات بألوان مبهجة.

نسمة البالغ طولها 105 سنتيمترات، بعد نجاح جلسات التصوير التي تلقت عليها ردود فعل مشجعة، ورسائل الدعم التي وصلتها من المتابعين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، استمرت في طريقها تلهم رفاقها من قصار القامة، وهي أول عارضة أزياء مصرية بدأت في مجال عرض الأزياء منذ ثلاث سنوات، تقول لـ "بنفسج": "فكرت في المجال ده عشانه حاجة مختلفة، والناس بتبصلي بشكل مختلف، فحلمي دايمًا لازم يكون مختلف، حبيت أثبت للمجتمع أني قصار القامة يقدروا يعملوا أي حاجة".

تغلبت نسمة على فوبيا رد فعل الناس على شكلها، فلم يعد يهمها شيء غير حلمها وتحقيقه، تعلمت أنه يجب عليها تقبل نفسها مثلما هي، لم يعد يهمها المتنمرين ولا آرائهم، يكفيها يقينها بنفسها وبحلمها، تردف، "التنمر شيء صعب وقاسٍ، حين يتعمد أحدهم النظر إلي بنظرة غريبة، أبتسم فقط ولا أدقق، ولدي يقين أن حقي لن يضيع، في النهاية هذه ثقافة مجتمع وعادته".

تقول نسمة: "أتمنى أن ينجح الجميع في اختبار التأقلم مع الذات، لقد نجحت فيه بجدارة، هو صعب نعم، ولكنه يمنحك قوة فيما بعد تجعلك لديك من الإصرار ما يكفي لتحقيق حلمك، "من رضي بقدري أرضيته فوق قدري"، هذا الحديث القدسي أحبه جدًا، وأعتبره زادي الذي يقويني في أيامي الصعبة".

| السيدة الملهمة

نسمة2.jpg
نسمة يحيى تتحدث عن تجربتها في تيدكس

أول عارضة أزياء من قصار القامة تم اختيارها من ضمن 50 سيدة ملهمة على مستوى الوطن العربي، عن طريق مجلة روز اليوسف، وهذا الاختيار أسعدها جدًا، وتعتبره من أفضل ما حصل لها في 2020. وقفت "الموديل" نسمة ولأول مرة في تاريخ مهرجان القاهرة السينمائي الدولي على السجادة الحمراء بالمهرجان، في دورته الـ 42 بالحفل الختامي، حيث كانت عبّرت عن رغبتها بالحضور، وكتبت عبر صفحتها على "الفيس بوك"، "يومًا ما سأطل على الريدكاربت، بطلة فستان تبهركم". فوصلتها دعوة من إدارة المهرجان لحضور الحفل.

كانت الأولى على دفعتها في سنتها الأولى والثانية، وشاركت في التمثيل على مسرح الجامعة غير آبهة بمن يتنمر عليها وعلى طولها، تقول: "مثلت مسرحية عن التنمر بعنوان "ما ذنبي أنا". كنت البطلة فيها، والكاتبة، والمخرجة. عرضت فيها المواقف اليومية، والواقع الذي أعيشه أنا وأمثالي كمشاهد تمثيلية، مما أبكى الحضور، وحازت المسرحية على المرتبة الأولى في مسابقة الجامعة الفنية".

تطمح نسمة بأن تصبح مذيعة ولها برنامج خاص، لتساند بدورها كل ذوي الهمم، وأن تصدر كتابها الأول الذي عكفت على كتابته مؤخرًا، ليكون ملهمًا لكل من يقرؤه. إضافة إلى تطوير "براند" نسمة، ليكبر أكثر، ويصبح مرجعًا أساسيًا لقصار القامة. كل هذا بدعم من عائلتها التي لم تتوانَ لحظة عن انتظار كل نجاح لها، ويفخرون بكل ما تحققه من إنجاز.