بنفسج

الجروبات النسائية": أنتِ تسألين والمفتي/يات يجبن!

الأحد 20 فبراير

جميعنا اليوم لدينا حسابات على مواقع التواصل، والكثير منّا منضم/ات إلى مجموعات على الفيسبوك التي تضم آلاف الأشخاص أو أكثر، وتتنوع هذه المجموعات للغاية التي أُنشأت من أجلها؛ سواء للتسلية أو التعلم أو اللعب أو لأي فكرة كانت، لكن جميعها تعتبر مجتمعات إلكترونية؛ ففيها الكثير من الناس بمستويات فكرية مختلفة، ومن بيئات مختلفة، ولكل منهم تصوراته وأفكاره وتجاربه، فتجد الواعيين والأقل وعيًا، وهذا طبيعي لأنها انعكاس للمجتمعات الحقيقة.

لكن أكثر المجموعات غرابة، وهي التي تحتاج إلى تفكّر ونظر إليها برؤية أبعد من كونها جروبًا عاديًا، هي المجموعات التي توفر للناس مساحة خاصة لمشاركة مشاكلهم وحياتهم واعترافاتهم، والسؤال عن حلول وكيفية التصرف، وهي فكرة جميلة حين تكون مثلًا مجموعات مختصة لمشاكل المعلمين، أو مجموعة مختصة لمشاكل الطلاب أو الأطباء، أو مجموعة تتيح لك طرح مشاكل تكنولوجية تواجهك في حاسوبك أو هاتفك، لكن ستكون فكرة ذات أبعاد غير آمنة في كثير من الأحيان إن كانت مجموعات تتحدث عن مشاكل عائلية، هنا يجب التمهل في طرح المشكلة والتفكير بحذر!

| فخ "الجروبات"

تنشر عضو في جروب سيدات "خطيبي شخص عصبي، تمشكلنا بسبب أمه، بدي طريقة أحرق أعصابها وآخذ حقي". ومنشور آخر على جروب آخر مختص بالاعترافات "خطيبي لم يحضر لأمي هدية في عيد ميلادها، أفكر في تركه لأنه من هذا التصرف واضح أنه بخيل". 
 
وبعد دقائق وساعات على المنشور تبدأ التعليقات بالعشرات والمئات، ومنها ما هو جيد ومنها ما هو سيء ومخيف، ومنها من يقدم حلولًا انتقامية، وأخرى طرقًا للصلح، ومنها "تطلقي".. "اخلعيه".
 

تنشر عضو في جروب سيدات "خطيبي شخص عصبي، تمشكلنا بسبب أمه، بدي طريقة أحرق أعصابها وآخذ حقي". ومنشور آخر على جروب آخر مختص بالاعترافات "خطيبي لم يحضر لأمي هدية في عيد ميلادها، أفكر في تركه لأنه من هذا التصرف واضح أنه بخيل". وآخرى "أنا وزوجي لم يعد بيننا أي علاقة جنسية، بيننا 3 أطفال، أفكر في الطلاق". وغيرها من المنشورات التي تتحدث عن مشاكل في العلاقات والبيوت. وبعد دقائق وساعات على المنشور تبدأ التعليقات بالعشرات والمئات، ومنها ما هو جيد ومنها ما هو سيء ومخيف، ومنها من يقدم حلولًا انتقامية، وأخرى طرقًا للصلح، ومنها "تطلقي".. "اخلعيه" .. "اهربي". تعليقات كثيرة بأفكار كثيرة منها المتهور والجدّي بين "اصبري"، "افسخي خطبتك".

أحيانًا كثيرة يلفت نظري بعض التعليقات وأدخل على صفحة "بروفايل" صاحبته وأجدها لم تتجاوز العشرين، وتضع حلولًا لمشاكل الزواج، وهي غير متزوجة، وتنصح بالخلع والطلاق! وأخرى مطلقة، ومن تجربتها السيئة بالزواج باتت تنظر إلى أن كل الرجال أعداء فتضع تعليقات متطرفة، وإحداهن يبدو أنها تعيش حياة سادية مع زوجها فتضع تعليًقا مفاده الصبر و"معلش، والرجال يحتاجون إلى مدارة، فتحملي إهانته وضربه". وأخرى خطبت الأمس فبدأت تقدم نصائح من دون تجربة!

ولا ننكر أن بعض التعليقات التي تستحق الأخذ بها والتفكر بكلماتها، المنطقية والواقعية والتي تعكس وعي صاحبها، لكنها تكون في أحيان كثيرة قليلة! والأهم أن صاحبة الشأن أو التي رأت نفسها تعاني نفس المشكلة؛ ماذا ستأخذ من هذا الكم الهائل من التعليقات؟ ماذا سيعجبها من الكلام؟ هل ستتبع من تقول لها "اصبري ورابطي". أم "ستتبع من تقول لها "خليلوا الولاد واهربي عشان يتربى". على أي جنب ستنام؟ وبنصيحة من ستعمل؟

تقول السيدة "س" – وهي سيدة تتفاعل مع الجروبات ولها حضور دائم: "أحيانًا أتفاعل مع المنشورات لأنني أشعر أن صاحبة الشأن بحاجة للمساعدة، أو مظلومة، وليس لها أصدقاء تخبرهم عن مشاكلها. أعلق وأنصح من خلال تجاربي لكن هناك تعليقات "زنخة" وخارجة من أشخاص ساذجين بالتأكيد، لكن أيضًا هناك تعليقات جيدة".

تقول السيدة "س" – وهي سيدة تتفاعل مع الجروبات ولها حضور دائم: "أحيانًا أتفاعل مع المنشورات لأنني أشعر أن صاحبة الشأن بحاجة للمساعدة، أو مظلومة، وليس لها أصدقاء تخبرهم عن مشاكلها. أعلق وأنصح من خلال تجاربي لكن هناك تعليقات "زنخة" وخارجة من أشخاص ساذجين بالتأكيد، لكن أيضًا هناك تعليقات جيدة". وتقول سيدة أخرى "أنا بالغربة وليس لي أهل وأصدقاء، وهذه المجموعات تقضي وقت فراغي فهي نوع من التسلاي، لذلك أقضي وقت كثير عليها أعلق وأتفاعل مع الأعضاء".

وإحداهن قد جربت المشاركة وطرح مشكلتها على المجموعات، تقول "هناك أناس يطرحون حلولًا من دون أن يفكروا ماذا يكتبون، وهي حلول " بتخرب البيوت". وهناك أشخاص يعلقون بعقلانية واحترام، لكن الكثير من المشكلات يتجه المعلقون فيها إلى الاستهزاء، أو الإحباط، خاصة إذا كانت عن المشكلات الزوجية التي يصعب التحدث بها على الواقع، لكن الاختيار متوقف علي بعد قراءة التعليقات. أتمنى لو كنت أعرف شخصًا في واقعي يستطيع مساعدتي من دون أن يفضحني أو يعيرني بها مستقبلًا. بالتأكيد، لن ألجأ للجروبات والأسماء المستعارة".

| وجهة نظر علم النفس

كومنت1.png
بعض النساء لا يجدن مستمعًا لهن فيلجأن إلى المجموعات الإلكترونية ويطرحن مشاكلهن مما يؤدي في بعض الأحيان لنتائج سلبية بعد سماع التعليقات المرفقة من قبل كاتبة المنشور

وهنا، وبهذا الخصوص، تحدثت مع الأخصائية النفسية آلاء بسام حول الفكرة ككل، وماهية السلوك الإنساني الذي نتخذه في كتابة الاعترافات على المجموعات الإلكترونية وأخذ نصائح من أشخاص لا نعرفهم، وأين ذهبت الفضفضة الواقعية من حياتنا؟ ولماذا العلنية والشفافية في البوح عن مشاعرنا؟ قالت الأخصائية آلاء: "إن الذين يكتبون على المجموعات الإلكترونية غايتهم الأولى هي شرعنة مشاعرهم، وطلب التأييد لهم، ثم النصيحة، والحلول، إن وجدت. فالمنشورات توفر لهم التأييد ومساحة خاصة للشعور بأن مشكلتهم أصبحت مهمة وتقرأ وتناقش. والكثير سيؤيده بالتصرف الذي يفكر فيه ويشد على يده – خاصة أنها تطرح من وجهة نظر واحدة، وغالبًا يرى نفسه هذا الشخص كضحية – فالناس سيتعاملون معه بتعاطف".

وتكمل: "المجتمع اليوم اختلف قليلًا عن السابق، ما زال هناك فضفضة واقعية واجتماعات الجارات والصديقات وتناول الأحاديث لكن بشكل أقل. مثلًا لو أن أحدهن أخبرت صديقتها عن مشكلة تعكر حياتها ولم تجد منها أي تأييد أو نصيحة، فأنها سوف تبحث عن غيرها بشكل تلقائي، وهكذا. فبعض السيدات لا يجدن مستمعًا أو يجدن مستمعًا لكنه غير مؤيد فيخترن المجموعات الإلكترونية. إن الكثير من المشاكل تعتبر "التابو" مثل المشاكل الجنسية وغيرها، لا يمكن البوح عنها أمام أشخاص يعرفوننا".

الاء بسام.jpg
الاخصائية النفسية آلاء بسام

وتجيب عن السؤال الأخير لماذا هذه العلنية والشفافية في البوح عن مشاعرنا؟

| أولًا: البوح بما في دواخلهم:  في البوح يجدون سبيلًا للتخفيف عن المشاعر والمشاكل التي تجول في صدروهم، فهو نوع من تقليل الكبت و"التنفيس" عن دواخلهم.

| ثانيًا: الشعور بالأهمية: أنهم بحاجة لأن يشعروا بأنهم مسموعون، وهناك أشخاص يستمعون لهم ويعطونهم الاهتمام، ويتضامنون معهم ويقدمون الحلول، فهم يعيشون ولو لساعات شعور أنهم مركز الانتباه، وأن الناس تتفاعل معهم.

| ثالثًا: الشعور بالأمان: قد تكون هذه المجموعات في نظر البعض  المكان الآمن لهم، لأنهم مخذولون من دوائرهم وعائلاتهم ووحيدون من دون أصدقاء".


اقرأ أيضًا: الجروبات النسائية .... الطريق الأسهل لتعرية البيوت


إذًا وفق علم النفس؛ هم أشخاص احتاجوا لنافذة كي يتكلموا منها حتى لو أن هذه النافذة ستدخل منها رياح خطرة! فحين يتم التفكير بالأمر سنجده أمرًا مخيفًا حقًا، قد يكون كتابة المنشور في لحظة عصبية والكثير من الدراما والخذلان. والتي علّقت أيضًا ربما كانت بلحظة غيظ من شريكها فبدأت تقتص منه في التعليق وتفرغ غضبها. وربما في الواقع المشكلة ليست بهذا الحجم، وربما حلها أسهل، وربما لو تحدثت بها لأحد من واقعها ويعرفها ويعرف شريكها والمشكلة لكانت نظرته أثقب، فلا ننسى أن كل قصة لها أوجه، وكل من يروي مشكلة سيرويها بلسان الضحية، ومن وجهة نظره من دون أن نعرف بقية الحكاية، ومن دون أن نعرف أن الذي يُقال حقيقي حقًا، أم فيه نوع من المبالغة أو سوء فهم وإلخ.

| التحكيم في المشاكل الأسرية

أتفهم أن التحكيم غائب عن بيوتنا، وللأسف أن الحكَام محصورون بالأهل، وليس شرطًا أن يكون الأهل أهل علم ومنطقية! نعم، هم يريدون مصلحة أبنائهم، لكن ليس شرطًا أن يقدموا حلول عادلة، وهذا ما يدفع الكثير من الأشخاص إلى الهروب إلى المجموعات الإلكترونية.
 
بما أننا اليوم نعيش عصر التطور في كل الجوانب، لماذا لا ندخل أهم تطور وهو عيادات المستشارين الأسريين من أهل العلم والنصح، المختصون بعلاج المشاكل الأسريةوتقديم الحلول بعيدًا عن العشوائية، وهذا طبعًا يتقاطع مع فكرة مهمة، وهي أن يكون الطرفان حقًا واعيين ولديهم ثقافة الحل، فيطرقون باب أهل الاختصاص.

هل فكرت قبل أن تنشري مشكلتك وتسألي الناس الحلول بمن الذي يلقي عليك بالنصيحة؟ وعيه؟ خلفيته الفكرية؟ تجاربه؟ ظروفه المجتمعية؟ مستواه التعليمي؟ من هو؟ هل يريد بك خيرًا؟ أم أنها مراهقة ليس لها عمل أو جامعة ورأت نفسها في وقت فراغ فبدأت بالتعليق؟ هل فكرتِ أن بيتك ومستقبلك ربما سيُدمر بسبب تعليق طائش في لحظة حزن؟

أتت في القرآن الكريم آية جميلة وعادلة تتحدث عن المشاكل آلا وهي: "إِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا". النساء (35). والتحكيم في المشاكل الأسرية هو أحد الإجراءات التي قد يسلكها القضاة عند الخلاف بين الزوجين. قال ابن العربي: (مسألة الحكمين نص الله عليها وحكم بها عند ظهور الشقاق بين الزوجين، واختلاف ما بينهما، وهي مسألة عظيمة اجتمعت الأمة على أصلها في البعث، وإن اختلفوا في تفاصيل ما ترتب عليه).

لجروبات1.png
هاتفك ومواقع التواصل الاجتماعي قد تسبب لك المشاكل إن أخطأت في استخدامها ومشاورة أي حد في مشاكلك قد يسهم في اتخاذك قرار ًا خاطئًا

يتبين لنا أن التحكيم بين الأزواج هو أمر عظيم وتترتب عليه نتائج عظيمة قد تدمر البيوت، وقد تبنيها وتصلحها مرة أخرى، فمن أين نأتي بالحكمين؟ هل من أناس لا نعرف عنهم شيئًا ولا يعرفوننا؟ مراهقين؟ صغارًا؟ فتاة بعمر السابعة عشر وقعت في حب شاب وتركها؟ أم من حكَام نعرفهم ويعرفوننا ويريدون لنا الخير، نختارهم لأننا نعرف عنهم العدل والعقل! يأتون إلينا أو نذهب إليهم ونجلس معهم ونتحدث بكل التفاصيل ويتابعون معنا المحاولات والإصلاح! هل يعقل أن تحل مشكلة عقيمة من منشور وكومنت بدلًا من حوار ونقاش مطول؟

وفي أسوء الأحوال إن لم يكن متاحًا لكم الذهاب إلى مستشار أسري، أو التحدث مع شخص متفهم، عليكم بتخيير المجموعات التي تطرحون مشاكلكم بها، فهناك مجموعات تدار من قبل أطباء نفسيين ومستشارين في مشاكل الأسر، يقدمون الحلول حسب خبرتهم وعلمهم. وتمهلي، فصاحبة تعليق "اطلقي وارتاحي" لن تهتم بأمرك بعد أن تنهي آخر حرف من التعليق.

أتفهم أن التحكيم غائب عن بيوتنا، وللأسف أن الحكَام محصورون بالأهل، وليس شرطًا أن يكون الأهل أهل علم ومنطقية! نعم، هم يريدون مصلحة أبنائهم، لكن ليس شرطًا أن يقدموا حلول عملية وعادلة ومنطقية، وهذا ما يدفع الكثير من الأشخاص إلى الهروب إلى المجموعات الإلكترونية! لكن، بما أننا اليوم نعيش عصر التطور في كل الجوانب، لماذا لا ندخل أهم تطور وهو عيادات المستشارين الأسريين من أهل العلم والنصح، المختصون بعلاج المشاكل الأسرية وفهمها وتقديم الحلول بعيدًا عن العشوائية والجهل، وهذا طبعًا يتقاطع مع فكرة مهمة، وهي أن يكون الطرفان حقًا واعيين ولديهم ثقافة الحل، فيطرقون باب أهل الاختصاص.

وفي أسوء الأحوال إن لم يكن متاحًا لكم الذهاب إلى مستشار أسري، أو التحدث مع شخص متفهم، عليكم بتخيير المجموعات التي تطرحون مشاكلكم بها، فهناك مجموعات تدار من قبل أطباء نفسيين ومستشارين في مشاكل الأسر، يقدمون الحلول حسب خبرتهم وعلمهم. وتمهلي، فصاحبة تعليق "اطلقي وارتاحي" لن تهتم لأمرك بعد أن تنهي آخر حرف من التعليق.