بنفسج

تغريد جهشان: من عايشت الأسيرات من خلف الأسوار

الخميس 04 اغسطس

بين عواصف التيه وضياع الهوية الفلسطينية، نستبشر بنماذج مشرفة، حافظت على أصولها، ورسخت جذورها بالأرض من خلال معارك الصمود اليومية التي تخوضها كل يوم، فأصبحت سنديانة من سنديانات يافا العريقة. تغريد جهشان التي تعرفها كل الأسيرات الفلسطينيات، وهي التي تطوعت منذ عقود لزيارتهن في السجون "الإسرائيلية" أينما وجدوا، حملت لهن رسائل الأهل باهتمام، وحملت منهن رسائل الشوق للأرض والأحباب بكل أمانة. تغريد التي حملت هم قضيتها بشكل عام كسيدة قانون ومؤرخة، وتركز اهتمامها بشكل خاص على قضايا حساسة تمس شريحة من الفلسطينيات بشكل مباشر، كالأسيرات الفلسطينيات والنساء اللواتي يحملن هوية الضفة ومتزوجات في الأراضي المحتلة منذ العام 1948.

| الوجه الآخر لتغريد

تغريد جهشان  تعرفها كل الأسيرات الفلسطينيات، وهي التي تطوعت منذ عقود لزيارتهن في السجون "الإسرائيلية" أينما وجدوا، حملت لهن رسائل الأهل باهتمام، وحملت منهن رسائل الشوق للأرض والأحباب بكل أمانة. حصلت على شهادة مزاولة مهنة المحاماة سنة 1990، ومباشرة ارتبطت بعملها مع الأسيرات الفلسطينيات منذ تلك السنة حتى هذا اليوم كما عملت مع فئات أخرى من شعبنا الفلسطيني الذي لا يزال يعاني يوميًا؛ كالعمال الفلسطينيين.

تبتعد ما استطاعت عن الحديث للإعلام، ولكننا نجحنا بمحاورتها، وفي بداية حديثنا معها كان لا بد لنا من التعرف إلى بطاقتها الشخصية، فقالت: "أنا تغريد أبو رحمة جهشان، فلسطينية أبًا عن جد، ولدت في مدينة شفاعمرو بالجليل، وانتقلت للعيش في مدينة يافا بعد زواجي من أديب جهشان، وأنا أم لثلاث بنات: نغم ونوا وناي، وجدة لخمسة أحفاد. حصلت على شهادة مزاولة مهنة المحاماة سنة 1990، ومباشرة ارتبطت بعملي مع الأسيرات الفلسطينيات منذ تلك السنة حتى هذا اليوم، كما عملت مع فئات أخرى من شعبنا الفلسطيني الذي لا يزال يعاني يوميًا؛ كالعمال الفلسطينيين، والنساء حاملات الهوية الفلسطينية المتزوجات من فلسطينيين داخل الخط الأخضر".

وعن مأساة التهجير داخل الوطن تقول جهشان: "لقد عشت النكبة الفلسطينية بشكل مباشر بما حدث مع أفراد عائلتي من حولي، فكل أعمامي وبعض من عماتي الذين أقاموا بحيفا وشفا عمرو هُجّروا من بيوتهم، وكذلك تهجّرت عائلة والدتي من قرية البصة قضاء عكا (والتي أصبحت مهجرة لاحقًا)، حيث أصبحوا لاجئين في لبنان".


اقرأ أيضًا: مذكرات أسيرات: فصل جديد لميس أبو غوش


وتضيف جهشان: "وكبرت على معاناة أبي وأمي بعد تشتت عائلتيهما وأهلهما عنهما، فعائلة أبي تركت كل أملاكها وراءها مثلها مثل كل العائلات الفلسطينية، واعتُبروا "غائبين"، لذا انتقلت هذه الأملاك إلى القيّم "اللإسرائيلي" على أموال الغائبين، مما سبب لوالدي صراعات ضارية مع القيّم من أجل الحفاظ على حصته وحصص عمتيّ اللتان لم تتركا البلاد، وحتى هذا اليوم بيت عائلتي يعود مناصفة لأبي والقيّم الذي تملّك حصص أعمامي وعماتي الذين اعتبروا "غائبين".

| العائلة وسنوات العمل

inbound7889992519692243747.jpg
تغريد جحشان في فعالية لجمعية معا في الخليل حول أوضاع النساء من حملة الهوية الفلسطينية المتزوجات من رجال من النقب

وعن أوضاع عائلتها  قبل النكبة، تصف لنا جهشان ذلك بقولها: "كان لوالدي حوانيت لبيع الأجهزة الموسيقية في يافا وحيفا قبل سنة 1948، وكم تأثرت عندما رأيت قبل أيام إعلانًا عن مصلحته في المتحف الفلسطيني في بيرزيت، من خلال معرض حمل عنوان "بلد وحدُّهُ البحر: محطات من تاريخ الساحل الفلسطيني". وأذكر عندما تزوجت وانتقلت للعيش مع زوجي في يافا، رفض والدي زيارتنا بعد أن سمع منا عن الأحوال الصعبة التي وصلت إليها المدينة من هدم وطمس لمعالم ومعاناة أهل المدينة اللذين لم ينزحوا. وتوفي والدي رافضًا زيارتي وزيارة يافا، رغبة منه بالحفاظ على صورة يافا كما عهدها في عز ازدهارها قبل النكبة .

وتكمل جهشان حديثها: "هذه الظروف وغيرها دفعتني للبحث عن تاريخ المدينتين التي ارتبطت بهما، شفاعمرو ويافا، وبحثت في المصادر التاريخية عن الحياة فيهما، من مصادر عربية فلسطينية، وغيرها ومصادر عبرية مثل الأرشيفات الإسرائيلية، طبعا مع توخي الحذر عند متابعة توثيقها، ومن خلال بحثي هذا وجدت أرشيفات إسرائيلية متطورة بالوقت الذي نفتقر لمثل هذه الأرشيفات المتطورة التي توثق نكبتنا".

وقد قمت بنشر عدد من المقالات عن مواضيع اهتممت بها ومنها عن يافا: جمعية زهرة الأقحوان النسائية العسكرية التي عملت في يافا أثناء الحرب جنبًا إلى جنب مع الثوار الرجال، وعملية نسف البلدة القديمة في يافا من خلال متابعة قضية رفعها أحد السكان لمنع هدم بيته.

"وقد قمت بنشر عدد من المقالات عن مواضيع اهتممت بها ومنها عن يافا: جمعية زهرة الأقحوان النسائية العسكرية التي عملت في يافا أثناء الحرب جنبًا إلى جنب مع الثوار الرجال، وعملية نسف البلدة القديمة في يافا من خلال متابعة قضية رفعها أحد السكان لمنع هدم بيته، وفيما يتعلق بشفاعمرو: تاريخ تعليم الفتيات في شفاعمرو، سقوط  شفاعمرو واحتلالها، والأوضاع التي عانت منها المدينة بعد الاحتلال من خلال ثلاث مقالات. ولكن للأسف، البحث عن المصادر والكتابة يتطلبان الكثير من الوقت الذي لا أمتلكه بسبب عملي وانشغالات أخرى". تضيف.

انتهى حديث تغريد جهشان، لكن عطاءها لم ينته، وجذورها لا تزال ضاربة في عمق الأرض والتاريخ، تحارب كل يوم لإثبات هويتها والدفاع عن قضيتها العادلة بكل همة رغم تراكم سنوات العمر.