بنفسج

أطفال المساجد: عن التربية بين القباب والمآذن

الأحد 25 سبتمبر

إذا كنت تريد من يساعدك في تربية طفلك ولا تجد جهة أمينة موثوقة، أو تودّ أن تعلق قلب طفلك بالمساجد وتجعله يرتادها باستمرار ولا تعرف كيف السبيل لذلك، أو لا تدري مآثر ارتياد المساجد على تربية طفلك. فأضمن لك بعد قراءة هذا المقال أنك ستغير تفكيرك، أو ستعيد النظر بالأمر من جديد. فتعالوا معي نبحر في هذا العالم الروحاني الجميل ونتذكر معًا ماضينا.  فالمسجد هو مدرسة الطفل الأولى، فقبل أن يذهب إلى المدرسة لتعلم الحروف والأرقام يذهب للمسجد للصلاة مع والده، وتذهب الفتاة الصغيرة مع أمها لسماع درس ديني أو لتحفظ القرآن.

وللمسجد أثر كبير في تربية الطفل على أخلاق الدين الإسلامي الحميدة، وكان أول ما فعله النبي- صلى الله عليه وسلم- حين هاجر إلى المدينة هو بناء المسجد، وكذلك فعل المسلمون بعده، ففي كل حضارة وعصر تلمس أثر الحضارة والعمارة الإسلامية واضحة في بناء المساجد، وكانت هي المدرسة الأولى التي يقصدها الطلاب للعلم منذ الصغر، فكانت الكتاتيب لتعليم القرآن وكذلك دراسة العلوم الشرعية، فمثلًا نجد في أروقة "جامع  السلطان حسن" بالقاهرة أثر المدارس الشرعية لتعليم المذاهب الدينية للأئمة الأربعة، وحتى الآن يتلقى الطلاب العلوم الشرعية في أروقة" جامع الأزهر الشريف".

| كيف أثّر ارتياد المساجد شخصيتي وتنمية مواهبي؟

 
كانت أمي تصحبني معها كل يوم جمعة بعد صلاة العصر للذهاب إلى المسجد لسماع درس ديني، وتعلّم أمور الدين والدنيا، وكذلك كانت تُقام في المساجد للأطفال دورات صيفية لتعليم القرآن والسيرة والأحاديث، وكذلك الأناشيد الإسلامية والأخلاق الحميدة.
 
كل تلك الفعاليات والأنشطة التي تربيت عليها منذ صغري وارتباطها بالمسجد أثّرت في شخصيتي وشكلتها، بل وتركت أثرًا لازلت ألتمسه حتى اليوم في حياتي وغربتي عن وطني وأهلي، بل حتى أن قرآن الصلوات الذي كنت أستمع إليه من مذياع المسجد قبيل كل صلاة عبر إذاعة القرآن الكريم، لازالت أتذكره ومن تكراره حفظته وكل الأطفال وكنا نقلده.

 إن للمساجد حضور وسكينة وروح ليست لدى غيرها من الأماكن، كيف لا وهي بيوت الله، فحينما تدرس فيه أو تحفظ قرآنًا أو علمًا، تجد في نفسك القدرة على الحفظ والفهم والتذكر بسهولة ويسر، وتجد كل من حولك يعمل بجد كخلية النحل، ومجرد جلوسك فيه يشعرك براحة سحرية لا علاقة لمخلوق بها. حينما كنت صغيرة كان أخوتي الذكور يذهبون مع أبي للصلاة، وكنت أتمنى لو كنت صبيًا للذهاب معهم. كنت أشعر بوقار وهيبة، وكذلك خشوع وسكينه جميلة لمن يذهب للصلاة في المسجد.

 كانت أمي تصحبني معها كل يوم جمعة بعد صلاة العصر للذهاب إلى المسجد لسماع درس ديني، وتعلّم أمور الدين والدنيا، وكذلك كانت تُقام في المساجد للأطفال دورات صيفية لتعليم القرآن والسيرة والأحاديث، وكذلك الأناشيد الإسلامية والأخلاق الحميدة، والقيام بعمل بعض المسرحيات التي تجسد تلك الأخلاق وكيف نتحلى بها، إضافة للمسابقات التي تقوم بها إدارة المساجد وتوزع الهدايا في ليلة السابع والعشرين من رمضان، أو بعد صلاة العيد، غير الحفلات التي تقام في المسجد لختام العام الصيفي. 

تعلمنا في المسجد ما لم نتعلمه في المنزل أو المدرسة ولازالت أتذكرها كلها، وخاصة دروس التجويد وكيف كانت تعلمنا المعلمة بطريقة مميزة، فكانت أخلاقنا الحميدة انعكاس لأثر وتربية المسجد فينا، وارتبطنا به ارتباطًا وثيقًا، ولذلك حينما كان يغلق أو يتم التضييق بتقليص أوقات الصلاة والعبادة، ومن ثم احتكارها على الرجال ومن بعدها زاد التضييق، كان حزننا كبيرًا.

كل تلك الفعاليات والأنشطة التي تربيت عليها منذ صغري وارتباطها بالمسجد أثّرت في شخصيتي وشكلتها، بل وتركت أثرًا لازلت ألتمسه حتى اليوم في حياتي وغربتي عن وطني وأهلي، بل حتى أن قرآن الصلوات الذي كنت أستمع إليه من مذياع المسجد قبيل كل صلاة عبر إذاعة القرآن الكريم، لازالت أتذكره ومن تكراره حفظته وكل الأطفال وكنا نقلده، وكنا نستمع لبعض البرامج عبر الإذاعة ونتعلم منها، وخاصة القرآن بأصوات الشيوخ والقراء ونراجع معهم ما حفظناه، وحين كبرت كانت سلوتي وونيسي في مرضي ووحدتي وشدتي هي إذاعة القرآن الكريم، بل حتى في غربتي لازالت أستمع إليها عبر الإنترنت، وأستعيد بها ذكريات طفولتي وأشبع بعضًا من حنيني لوطني.

نمّى المسجد مواهبنا أيضًا في الخطابة والإلقاء، في الشعر والتمثيل والإنشاد أيضًا. وكانت كلها ذات هدف تربوي إسلامي نبيل. كذلك تعلمنا من المسجد بعض الوصفات والأكلات المنزلية، وتشاركناها، وتعلمنا أيضًا المشغولات اليدوية وفن التطريز والصناعات اليدوية، وكانت من تعرف حرفة تعلم الراغبات. تعلمنا في المسجد ما لم نتعلمه في المنزل أو المدرسة ولازالت أتذكرها كلها، وخاصة دروس التجويد وكيف كانت تعلمنا المعلمة بطريقة مميزة، فكانت أخلاقنا الحميدة انعكاسًا لأثر وتربية المسجد فينا، وارتبطنا به ارتباطًا وثيقًا، ولذلك حينما كان يغلق أو يتم التضييق بتقليص أوقات الصلاة والعبادة، ومن ثم احتكارها على الرجال ومن بعدها زاد التضييق، كان حزننا كبيرًا، وكل من تربى على المسجد يدرك أثر الفارق والحزن الكبير الذي ترك في قلوبنا.

| في المسجد أحببنا الله ورسوله

1434379753.jpg
في المسجد يتسابق الصغار نحو حفظ القرآن الكريم يتعلمون التجويد ويعرفون أكثر عن سيرة رسول الله

في المسجد نتعرف على العديد من الناس بمختلف ألوانهم وثقافاتهم، ونشعر أننا كلنا واحد، لا أنسى بعض الجدات اللاتي كن يأتين إلى المسجد ولو حبوًا، وفوق كل ذلك كن ينظفن المسجد بأنفسهن، كنا نتسابق معهن من سيذهب إلى المسجد أولًا وينظفه سرًا ويأخذ الأجر. وأحيانًا كنا نتشارك لننال الأجر سويًا. وفي رمضان نتسابق إلى صلاة القيام كاملة والفجر والجمعة، نزين المسجد استقبالًا لرمضان، ونقييم الإفطار سويًا، ونتعبد لله معًا، وفي غير رمضان تقييم بعض الخالات أكلة ما وتعطي الجميع، وهذه تأتي للمسجد محملة بالمياه للشرب، لأن المسجد حديث البناء وبسيط، ولكن الجميع يتسابق في الخير.

كما تعلمنا في المسجد أيضًا عن النبي وأصحابه وأمهات المؤمنين، عشنا السيرة كأننا كنا معهم، احتفلنا معهم بالهجرة وبكينا معهم في الغزوات، واحتفلنا معهم بفتح مكة. وفي المسجد عرفنا الله ورسوله، تعلمنا كيف نحبهم وكيف نتقرب إليهم. وتسابقنا في حفظ القرآن والأحاديث والعمل بها، لم ننس نصيبنا من الدنيا، فلقد تعلمنا أيضًا كيف نتعامل مع الوالدين ونصل الرحم، ونصلح ذات البين، بل حتى رغم صغر سننا كنا نخرج جميعًا من المسجد لزيارة بيت إحداهن والإصلاح بينهما، وكذلك نشارك الأخريات الفرح والحزن، تعلمنا التعايش والرحمة، ونصرة المظلوم وإغاثة الملهوف، فحين نسمع بحصار لغزة أو عدوان على القدس نسارع لنجدة إخواننا بفلسطين بما نملك من مال أو زاد. 


اقرأ أيضًا: صاحب القرآن... الحفظ والتدّبر وضبط التلاوة


على صعيد آخر، فكم من شباب وشابات منّ الله عليهم بالهداية والالتزام بسبب ارتياد المسجد والاستماع لموعظة أو آية أو حديث لقى أثره في قلوبهم، فكانت بداية وسببًا لهدايتهم، ربما الآن تتوفر العديد من المصادر على الإنترنت  ومن علماء أفضل مما كان في المسجد، ولكن صدقنا فإن أثرها لن يكون مثل المسجد، وبدليل ازدياد نسبة الفساد والانحلال الأخلاقي في مجتمعاتنا اليوم بقدر زيادة المواعظ على الإنترنت.

 للمسجد أثر وعالم آخر، هناك الصحبة والمعايشة، هناك بيت الله حيث تحفنا الملائكة وتتنزل علينا الرحمة وتغشانا السكينة، هناك من يتفقون ويعينون بعضهم على الصيام والقيام والقرآن ولبس الحجاب، فدائمًا وأبدًا للبيئة أثرها في تغيير الفرد، وهي أفضل معين على تغيير سلوكه، ولذلك فبيئة المسجد هي الأفضل في تربية النفوس وخاصة الأطفال.

| كيف غرست أمي حب المسجد في قلبي؟

أتذكر أنني في طفولتي كنت أحيانًا أرفض الذهاب لدرس عصر الجمعة مع أمي، لأنني أودّ اللعب مع أقراني الذين يرفضون للذهاب معي للمسجد، لكن أبواي لم يسمحا لي بذلك، وكانا يصران على ذهابي، كنت أتذمر كثيرًا من ذلك، وكانا يخبرانني أنهم إن كانوا يريدون اللعب معك، فيمكنهم الذهاب معك للدرس ثم اللعب، وبهذا تجمعان بين الخيرين، ولكن أقراني يرفضون، فأذهب متذمرة للمسجد، تذكرني أمي، فالطريق بفضل المشي للمساجد حيث يمحو الله بها عنا سيئة ويحط عنا خطيئة، ويرفعنا بها درجة في الجنة، وأن المشي أفضل من الهرولة،  ويمكننا الجمع بين أكثر من أجر وخير إذا ما ذكرنا الله في كل خطوة نخطها.

أتذكر أنني في طفولتي كنت أحيانًا أرفض الذهاب لدرس عصر الجمعة مع أمي، لأنني أودّ اللعب مع أقراني الذين يرفضون للذهاب معي للمسجد، لكن أبواي لم يسمحا لي بذلك، وكانا يصران على ذهابي، كنت أتذمر كثيرًا من ذلك، وكانا يخبرانني أنهم إن كانوا يريدون اللعب معك، فيمكنهم الذهاب معك للدرس ثم اللعب، وبهذا تجمعون بين الخيرين، ولكن أقراني يرفضون، فأذهب متذمرة للمسجد، تذكرني أمي، في الطريق بفضل المشي للمساجد حيث يمحو الله بها عنا سيئة ويحط عنا خطيئة، ويرفعنا بها درجة في الجنة، وأن المشي أفضل من الهرولة.

 ويمكننا الجمع بين أكثر من أجر وخير إذا ما ذكرنا الله في كل خطوة نخطها، وحين ندخل المسجد تذكرني بنية الاعتكاف وما لها من فضل وأجر كبير، وكذلك دعاء الدخول والخروج من المسجد، وأثناء الدرس أشعر بالهدوء أكثر ومن ثم الاندماج معهم، وبعدها، ونحن عائدون إلى البيت، تخبرني أمي بقدر وعظم الأجر الذي تحصلت عليه من ذهابي للمسجد وفوقها رضا الله علينا، وتزيد علي في الفضل، فتخبرني بفضل عمارة المساجد وكيف أن الملائكة تستغفر لنا وتدعو لنا طوال الوقت، كنت أحب هذا الشعور كثيرًا، وكنت أهدأ، وأكون فتاة أكثر تهذبًا وأدبًا.

الدكتور محمد الخلايلة.jpg
الطفل الذي تعود على ارتياد المساجد طفل مميز بدينه وخلقه وحسن أدبه

المسجد كوّن شخصيتي، وظل أول ما أبحث عنه في كل مكان أنتقل إليه،  أحب الاستماع للآذان عن قرب، وأحب شعور الأمان بقرب المسجد، وسرعة الوصول إليه وسهولة رؤيته في كل وقت، حيث يمنحني المسجد شعورًا بالاطمئنان والأمان والسكينة العجيبة والتي لا تقوى أفضل المهدئات على الوصول لمثل أثره.

الطفل الذي يربى على ارتياد المسجد طفل مختلف من كل الجوانب، طفل مميز بدينه وخلقه وحسن أدبه وعلمه، طفل عرف كيف يتعايش ويتعاون ويحب الآخرين، وعرف كيف يجمع بين أمور الدنيا والدين، وكيف يكون مسلمًا ناجحًا نافعًا لنفسه وأهله ودينه ووطنه والناس أجمعين، الطفل الذي يربى في المساجد لا تخشى عليه من شيء، فهو طفل عرف الله وتعلم كيف يحبه وكيف ينال رضاه، ومهما أغرته الدنيا أو مال عن الطريق فحتما سيعود بإذن الله ولن تطول غربته عن دينه، فلا تخشى من المسجد ولا من ارتياد طفلك له، بل شجعه على الذهاب والمشاركة في الأنشطة هناك وعززه بما يحب وعلق قلبه بحب المساجد، عسى أن يكون ممن يظلهم الله في ظله يوم القيامة ويشفع لك.