بنفسج

كيف ينشأ أطفالنا على حب القرآن؟

الأحد 30 ابريل

كيف أحبب طفلي بالقرآن الكريم
كيف أحبب طفلي بالقرآن الكريم

 سأروي لكم اليوم خلاصة تجربتي مع القرآن الكريم على مدار خمسة عشر عامًا، منذ أن كنت في السابعة من عمري، وهذا جعلني على متعلقة بكتاب الله، وحين كبر طفلي لطالما جلست أفكر بطرق لتحفيز طفلي على حفظ القرآن الكريم، وروادني سؤال دائم وهو كيف أحبب طفلي بالقرآن الكريم؟ هنا سأقدم لكم بعض الاستراتيجيات لتزرع في نفس طفلك عشق القرآن منذ أعوامه الأولى المبكرة، أن تهتم أنت أولًا بالقرآن؛ حين يراك سعيدًا بقراءةِ القرآن، تتغنى فيه؛ تارةً تقف متأملًا، وتارةً مبتسمًا، وتارةً دامعًا في حضرته. سيتولد لدى طفلك فضول عجيب ليعلم ما الذي يقرأه والديّ وينهمكان به لهذه الدرجة.

ورويدًا رويدًا، سيبدأ طفلك يتنبه أو يسترق الانتباه إن لم تدعه للجلوس معك، ثم سيسجل في دماغه بضع كلمات مما تقرأه، وسيرددها لوحده وعندما يلعب، ثم سيستغل أي فرصة ليمسك بالقرآن فاتحًا صفحاته؛ محاولًا تقليدك، لتبدأ لَبِناتُ عشقٍ بالتكون هنا، ولتبدأ كيمياءُ حبٍّ بين الطفل والقرآن.

كيف أحبب طفلي بالقرآن الكريم؟

كيف أحبب طفلي بالقرآن الكريم
إن من أهم الاستراتيجيات لتزرع في نفس طفلك عشق القرآن منذ أعوامه الأولى المبكرة أن تهتم أنت أولا بالقرآن؛ ليكبر وفي صدره ذات ذرة الاهتمام هذه، عزّزه بضمِّه لحلقات تحفيظ وشجّعه واحرص أن يتلو القرآن أمامك بالحركات الصحيحة .
 
فذلك أكثر ما يعينه على امتلاك أذنٍ عربيةٍ فصحى تدركُ موضع الخلل النحوي بالفطرة.وفي ذات الوقت لا تُهمل أسئلته حول معاني ما يقرأ. 

 

أرى الآن أمامي القمر مكتملاً بدرًا مضيئًا، هو نفسه الذي كنت أنظر إليه منذ صغري، حيث طفولتي. هناك كان السر كامنًا؛ حينها بدأت ملامح شخصيتي بالتكون، والتي غالبًا ما كانت توصف بالهدوء، والرزانة، ودقة الملاحظة، وكثرة السؤال، وفصاحة اللسان، والحياء. صفات أقرُّ وأعترف أنني اكتسبتها من نبض قلبي بالقرآن، وسط عشرات الأشياء التي كانت تتنافس على امتلاك نبضي.

سيبدو الأمر في بدايته فضول أطفال، لكن هنا سيقع عليك تعزيز هذا الاهتمام، والإجابة على سؤال كيف أحبب طفلي بالقرآن الكريم بينك وبين نفسك بشكل منظم، وتنفيذ خطوات تحببه  في كتاب الله، مثلًا قم بدعوة طفلك مثلًا ليجلس في حضنك بينما تقرأ القرآن، قد يغفو طفلك حينها لفرط الطمأنينة الذي تملكته من إيقاع الصوت، ومن وجوده في دفء حضنك. وفي أوقات فراغك لقِّن طفلك قصار السور، وإن رددها بشكل مضحك لأنه حديث كلام، لا يهم، فقط لقنّه إياها دون إلزام كي لا تنفره، وأساسًا سيكون ذلك تدريبًا للسانه وسمعه.


اقرأ أيضًا: صاحب القرآن... الحفظ والتدّبر وضبط التلاوة


مع الأيام سيكبر طفلك وفي صدره ذلك الاهتمام؛ عزّزه بضمِّه لحلقات تحفيظ  القرآن الكريم وشجّعه واحرص أن يتلو القرآن أمامك بالحركات الصحيحة فذلك أكثر ما يعينه على امتلاك أذنٍ عربيةٍ فصحى تدركُ موضع الخلل النحوي بالفطرة.

واحرص على ألا تهمل له سؤالاً عن أحد المعاني؛ فإن كنت تعلم أجبه و إن لم تكن تعلم ابحث معه عن الجواب، والسبل في أيامنا هذه كثيرة. اقرأ معه في التفسير وأخبره بمناسبات نزول الآيات فذلك سيُحفر حفرًا في ذاكرته، وما زلت أذكر حتى الآن بعض مناسباتِ نزول الآيات التي قصَّتها علي أمِّي مذ كنتُ في السابعة، فكما قالوا العلم في الصغر كالنقش في الحجر.

علِّمه كيف يثبِّت حفظه، وعوِّده حفظ بعض الأحاديث النبوية التي تناسب سنه، ليكبر ويشتعل لهيبُ التوقِ للمعرفة والبحث لديه حتی يعتمد على نفسه في ذلك، حينها اتركه يكتشف عالم القرآن بنفسه، واتركه ليبحر في آفاقه. دعه يختبر حب القرآن في قلبه، لكن لا تبتعد كثيرًا ليجدك بجانبه متى احتاج نصحك وإرشادك.

تقاسمك مع طفلك وتدبرك القرآن بصحبته، ولو لجلسةٍ واحدةٍ في الأسبوع؛ ينمي لديه موهبة الحوار البنّاء، ويذكي لديه أسس الحوار السليم، وينمي منطق لبِّه، ناهيك عن كونه يعمّق العلاقة بينك وبينه، ويضفي عليها نوعًا من الصداقة المحببة.

 القرآن الكريم يصنع عالم طفلك وشخصيته

كيف أحبب طفلي بالقرآن الكريم
علم طفلك القرآن منذ صغره، والقرآن سيتكفل بتربية نفسه، وتعميق مكارم الأخلاق لديه. لا أنظر للأمر بمثالية، لكن على الأقل، هكذا كانت قصتي مع القرآن. مثلاً حين تقرأ قوله تعالى: "وجادلهم بالتي هي أحسن" ستتعلم أسس الجدال والنقاش السليم حين تبحث في معنى بالتي هي أحسن. 
 
ففي وقتنا الراهن ستتنافس أشياء كثيرةٌ على امتلاك نبض قلب طفلكَ وشغفه؛ فعوِّده منذ الصغر، واجعل القرآن نبض قلبه، لنقول بكلِّ ثقةٍ أننا علمنا أطفالنا القرآن، فعلمهم القرآن كيف يصنعون الحياة.

هذا من الجانب العملي، أما الجوانب الأخرى فميادينها لا تحصى؛ مع كل عام كنتُ أكبر فيه كنتُ أعشق أكثر، لا أخفي عليكم أن القرآن يهذّب النفس، علم طفلك القرآن منذ صغره، والقرآن سيتكفل بتربية نفسه، وتعميق مكارم الأخلاق لديه. لا أنظر للأمر بمثالية، لكن على الأقل، هكذا كانت قصتي مع القرآن. وتعلمت خلال رحلتي كيف أحبب طفلي بالقرآن الكريم وهذا أعتبره أعظم ما أنجزت.

مثلاً حين تقرأ قوله تعالى: "وجادلهم بالتي هي أحسن" ستتعلم أسس الجدال والنقاش السليم حين تبحث في معنى بالتي هي أحسن. وحين تقرأ سورة الأخلاق والآداب "سورة الحجرات " ستتعلم أسس أخلاق الإسلام الرفيعة بما فيها من لباقةٍ واحترامٍ للآخر.

اقرأ في أول سورة المائدة مثلًا وتعلّم أحكامًا فقهية. تنقل بين آياتِ القرآن لتتعلم أحسن القصص: كقصة الخِضر وسيدنا موسى، وقصة سيدنا يوسف، وقصة النملة مع نبي الله سليمان، وقصة سيدنا موسى مع فرعون، وقصة أصحاب الأخدود وكيف ثبتوا على إيمانهم، وقصة الفتية الذين آمنوا بربهم (أصحاب الكهف).


اقرأ أيضًا: في أربعة أشهر.. كيف حفظت القرآن كاملًا؟


ثم عش مع رسول الله بعض مواقف حياته ومعاركه؛ كمعركة بدر في سورة الأنفال، ثم تعلم التفكر في خلق الله سبحانه مع سيدنا إبراهيم حين تفكر، ثم أدرك أهمية العلم والقراءة مع سورة العلق في أول آية نزلت: "اقرأ باسم ربك الذي خلق". أدرك أهمية بر والديك في: "و قضى ربك ألا تعيدوا إلا إياه و بالوالدين إحسانا". وتعلم أي الناس يحب الله مع نهاية الكثير من الآيات. لا تنتهي المحطات التي تأسر القلوب في القرآن، لا يُمَل، بل يسكن أعماق القلب ويأسِره.

هو الحياةُ لقلوب المتعبين، ملاذهم من كدر الدنيا، و بلسمٌ لقلوب المؤمنين، سكناه في قلبك يعمره، وسكناه للسانك يفصحه، معه ينمو منطقك بسلام، ويمتلك دماغك القدرة على الربط والتحليل، وينمو خيالك؛ لتكون صاحب فطرة سليمة، وسيد الأخلاق واللباقة بين صحبك، صاحب ذوق رفيع وذي حياء في موضعه الصحيح.

أعاود الإجابة عن سؤال كيف أحبب طفلي بالقرآن الكريم؟ قل لهم أن كتاب الله فيه من الراحة والسكينة ما يجعلك في طمأنينة دائمة. علِّم أبناءك كيف يطبّقون ما يتعلمونه وما يفهمونه من القرآن على أرض الواقع. علِّمهم أن الإعداد واجب "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل". علِّمهم أن الله قريب، وأن الشكوى لغير الله مذلة، وأن يطلبوا حاجاتهم بعزة الأنفس، فكلها بيد الله: "وإذا سألك عبادي عنّي فإني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعان".


اقرأ أيضًا: ذكرى واحتفاء: حينما نقش القرآن قلبها


وكن واثقًا أن القرآن نورٌ ينير قلوبهم، ويفتح أعينهم، ويعدِّهم لمواجهة هذا العالم. وتأكد أن من اعتاد لسانه على القرآن سيكون فصيحًا حكيمًا بليغًا؛ لأنَّ لغة القرآن هي الأكثر فصاحةً وبلاغةً من أيّ كتابٍ نحويٍ تعلِّمهم إيَّاه. بالقرآن تجدهم مهذبي النفوس، أصحابُ أخلاقٍ راقيةٍ، واتزانٍ و رزان قلَّ ما تجده في أقرانهم.

في النهاية أقولُ أن كيف أحبب طفلي بالقرآن الكريم؟ سؤال متشعب وكل منا يختلف في طريقة جذب طفله نحو حفظ كتاب الله والتمعن في آياته. وأن نشأة أطفالنا وِفق قواعدَ وأسسٍ سليمةٍ أكثرُ ما يجب أن نحرص عليه. ففي وقتنا الراهن ستتنافس أشياء كثيرةٌ على امتلاك نبض قلب طفلكَ وشغفه؛ فعوِّده منذ الصغر، واجعل القرآن نبض قلبه، لنقول بكلِّ ثقةٍ أن أطفالنا في حَلبةِ النَّبض ينتصرون بالقرآن.