بنفسج

هل نربي أطفالنا فعلًا أم نربيّ أنفسنا؟

الأربعاء 20 سبتمبر

نصائح في تربية الأطفال
نصائح في تربية الأطفال

قبل أن أنجب أطفالي، كنت أتخيل أنني سأكون أمًا مثالية في كل شيء، كانت نظرتي للأمومة حالمة للغاية، قرأت الكثير من كتب التربية وتسلحت بأهم شيء، وهو حبي غير المشروط لأطفالي، وظننت أن هذا يكفي لأكون أمًا جيدة، وبحثت عن نصائح لتربية الأطفال، ولكن ما حدث فعلاً بعد دخولي التجربة أنني وجدت تربية الأطفال في هذا الزمان تختلف كثيرًا عما وجدنا عليه آباءنا، فالحب وحده لا يكفي، والشدة وحدها ليست اختيارًا من الأساس، وإننا في رحلة التربية لا نربّي أطفالنا وحسب، بل نربّي أنفسنا أولاً. إذا كان علينا أن نربي جيلاً سويًا نفسيًا وواعيًا بحقوقه وواجباته، يجب أن نربّي أنفسنا، غيرتني الأمومة كثيرًا، وربّتني من جديد، كما أظن أنها غيرت كل أم وأب يقرأ كلماتي الآن.

 متى تبدأ التربية؟

نصائح في تربية الأطفال
 
تبدأ التربية بمجرد أن نُرزق بأطفال منذ يتشكلون أجنّة في أرحامنا، ومع ذلك تُختبر التربية فعلاً بمجرد أن يعي أطفالنا العالم من حولهم. كبر أطفالي وكبرت احتياجاتهم لتتخطي العناية اليومية، من مأكل وملبس ونظافة ونوم، عندها أدركت أن كل ذلك يندرج تحت بند العناية والرعاية.
 
 بينما التربية أمر مختلف تمامًا؛ فالتربية هي أن تعتني بالصحة النفسية لطفلك، أن تعامله كإنسان مستقل عنك ليس ملكك وليس تكملة لك، أن تهتم لمشاعره ورغباته وتساعده على فهمها وإدراكها حتى يكبر وينضج.
 
 
 

تبدأ التربية بمجرد أن نُرزق بأطفال منذ يتشكلون أجنّة في أرحامنا، ومع ذلك تُختبر التربية فعلاً بمجرد أن يعي أطفالنا العالم من حولهم. كبر أطفالي وكبرت احتياجاتهم لتتخطي العناية اليومية، من مأكل وملبس ونظافة ونوم، عندها أدركت أن كل ذلك يندرج تحت بند العناية والرعاية، بينما التربية أمر مختلف تمامًا؛ فالتربية هي أن تعتني بالصحة النفسية لطفلك، أن تعامله كإنسان مستقل عنك ليس ملكك وليس تكملة لك، أن تهتم لمشاعره ورغباته وتساعده على فهمها وإدراكها حتى يكبر وينضج.

الرعاية هي أن تتأكد من أن طفلك شبع من الطعام ولبس ملابس نظيفة ونام فترة كافية. بينما التربية هي أن تتأكد أن طفلك شبع من الحب والأمان والتقبلّ والتعبير عن مشاعره بحرية وشجاعة. يوم بدأت طفلتي تكبر وترفض ذوقي في اختيار فستانها وتسريحة شعرها، ووجدتني أجادلها بأنني أعرف الأنسب وعليها تنفيذ كلامي، ويوم أصبح لصغيري رأي، فضحكت، عقلة الأصبع صار يدلو بدلوه، حينها سمعت جرس الإنذار يدق بقلبي. فاعتذرت منهم وضممتهم، علّني لا أكون يومًا دون قصد سببًا في شرخ قلب أطفالي أو غصة في حلقهم.


اقرأ أيضًا: أطفال المساجد: عن التربية بين القباب والمآذن


والحقيقة أن الرعاية والتربية لا ينفصلان عن بعضهما بعضًا، بل يجب أن يسيرا متوازيين على نفس الخط، ليكبر الطفل بصحة نفسية وجسدية جيدة. تبدأ التربية عندما يبدأ طفلك في الخروج للعالم الكبير خارج دائرة أمانك، وهنا ستجد نفسك في مواجهة مع الطفل الداخلي لك؛ فأنت الآن قدوة طفلك شئت أم أبيت سيقلد كل ما تفعله، عليك الآن أن تخلع عنك كل سُبل التربية التي تلقيتها وتطبقها تلقائيًا على طفلك، وأن تنتقي بعناية ما يصلح وما لا يصلح لأطفال هذا الجيل.

 لماذا نقع في أخطاء التربية؟

نصائح في تربية الأطفال
رحلة التربية مرهقة وشاقة  ولكن في خضم هذه الرحلة احرص على الحفاظ على نفسية طفلك

| التربية ليست كاتالوجًا ثابتًا: لأننا بشر، نتعب ونُجهد ونملّ ونفقد السيطرة أحيانًا، لأن رحلة التربية مرهقة ومسؤولية تفوق ما قرأنا عنه وشاهدناه في الكتب والمراجع؛ لأن التجربة تختلف، ولأننا نتأثر بتربيتنا وبيئاتنا المختلفة التي جعلتنا ما نحن عليه الآن. ولكن، خيرنا من يُدرك ذلك مبكرًا، ويعرف أن طرق التربية ليست كتالوجًا صالحًا لكل زمان ومكان، وأن زماننا يختلف عن زمن أطفالنا، بل وأن أخطاء التربية التي تعرضنا لها في الماضي لا ينبغي أن نعرّض لها صغارنا، سواء بوعي أو دون وعي.

| التربية تختلف باختلاف الزمن: وهذا هو السبب الرئيس للوقوع في أخطاء التربية، أؤكد أن ذلك لا يعني أننا جميعًا تربينا بطريقة سيئة وأن أهالينا مقصرون- وإن كان حدث مع البعض- فإن البعض الآخر بُذل لهم كل ما في استطاعة الوالدين في ذلك الوقت. بل أعني أن زمن أطفالنا مختلف تمامًا ومن ثم لا تصلح معهم نفس طرق التربية وخاصة التي كانت تندرج تحت الشدّة والتعنيف والتسلط والسلبية وما إلى ذلك.نفرّق هنا بين نوعين، من تلقى تربية جيدة يأخذ من خبراتها ما يناسب الجيل الحالي من الأطفال والسير على نصائح في تربية الأطفال، كنا نسمعها من آبائنا، ومن تلقى تربية عنيفة سلبية لا ينبغي أبدًا أن يطبقها على أطفاله، أو يستخدمها معهم في رحلة التربية. وهنا يكمن التحدي طوال الوقت في المحافظة على التوازن دون إفراط أو تفريط.

|  التربية بالعنف: نحن نقع في أخطاء التربية عندما نربي بالعنف والضرب، معللين ذلك أننا تربينا بنفس الطريقة.

| إهانة الطفل: نقع في أخطاء التربية عندما نهين ونقارن ونهز ثقة الطفل بنفسه طوال الوقت، ظنًا أنها طريقة لتحفيزه على السلوك الجيد.

|  نتجاهل إنسانية أطفالنا: نقع في أخطاء التربية عندما نقول للأطفال الذكور "لا تبكوا...الذكور لا تبكي"، فينسون أنهم آدميون، لديهم مشاعر مشروعة.

|  نتجاهل شخصيات أطفالنا المستقلة: نقع في أخطاء التربية عندما نطلب من أطفالنا عكس ما نفعله بسلطوية شديدة، وعندما نلغي شخصية أطفالنا ونقرر بدلاً عنهم.وعندما نفعل كل ما رفضناه وتمنينا يومًا أن نتمرد عليه في طفولتنا، ربما لم تتح لنا الفرصة أن نفعل، ولكنني أؤكد لكم أن الجيل الحالي، سيفعل مع أول فرصة متاحة للتمرد على أساليب التربية السيئة.

| نرفض تربية أنفسنا من جديد: والأهم أننا نقع في أكبر خطأ عندما نُدرك الأخطاء ونراها، ونرفض تربية أنفسنا من جديد للتخلص منها في رحلة تربيتنا لأطفالنا.

 كيف نربّي أنفسنا؟

نصائح في تربية الأطفال
ذات يوم كنت ألوم على أطفالي بعض طباعهم، طفلتي المستقلة سريعة الغضب، وصغيري الانطوائي مفرط الحساسية، وجدتني أردد نفس العبارات التي تمنيت لو لم أسمعها يومًا كطفلة، ولكن أطفالي لم يصمتوا.
 
 اعترضوا رغم صغر سنّهم، وطالبوني أن أعتذر -هكذا تعودنا في منزلنا أن الآباء والأمهات يعتذرون إذا أخطؤوا-، حينها فقط صفعتني الحقيقة بقسوة وتذكرت أنني كنت نفس الطفلة يومًا ما، وإنني الآن أكاد أتعامل بنفس الطريقة التي رفضتها. حينها فقط عرفت أنّنا علينا تربية أنفسنا.

|  تكرار أخطاء الماضي: ذات يوم كنت ألوم على أطفالي بعض طباعهم، طفلتي المستقلة سريعة الغضب، وصغيري الانطوائي مفرط الحساسية، وجدتني أردد نفس العبارات التي تمنيت لو لم أسمعها يومًا كطفلة، ولكن أطفالي لم يصمتوا، اعترضوا رغم صغر سنّهم، وعبروا جيدًا عما أزعجهم، بل وطالبوني أن أعتذر -هكذا تعودنا في منزلنا أن الآباء والأمهات يعتذرون إذا أخطؤوا-، حينها فقط صفعتني الحقيقة بقسوة وتذكرت أنني كنت نفس الطفلة يومًا ما، وإنني الآن أكاد أتعامل بنفس الطريقة التي رفضتها. حينها فقط عرفت أنّه لا يوجد سوى طريقة واحدة لتربية أطفالنا، ألا وهي تربية أنفسنا، والتواصل مع الطفل الداخلي لنا، الاستماع له وعلاج مخاوفه وآلامه.

|  لنتعلم مع أطفالنا: كيف يمكنني أن أهدئ طفلتي عندما لا تسير الأمور على ما يرام، وأنا لا زلت يجن جنوني وأنفجر غضبًا إذا تعطلت خطتي 5 دقائق عما رتبته! كيف أضغط على طفلي الانطوائي أن يشارك ويتحدث بصخب في مجموعة وأنا لا زلت أحتاج بعض الوقت لأندمج مع أي شخص أو مكان جديد. كيف أعلم أطفالي الشجاعة وأنا ما زلت أخاف من نفس مخاوفهم. لكي نربّي أطفالنا علينا أن نقوم طباعنا تمامًا كما نرغب في تقويم طباعهم، نتخلص من الطباع السيئة ونتعافى من آثارها، نربّي أنفسنا، بأن نكون مربيين حقيقين، بشر نخطئ ونصيب، ونتخلى عن الصورة المثالية للأمومة والأبوة.

سنظل نخطئ ونصيب، وننسى كل ما تعلمناه وقرأناه في كتب التربية مع أول مشكلة حقيقية تواجهنا، ولكن تربية أنفسنا، وتذكيرها دائمًا بالمسار الصحيح ستقودنا نحو الرجوع عن الأخطاء. قرأت يومًا عبارة حُفرت في ذهني، أن الآباء الجيدون يرتكبون أشياء سيئة والأمهات الجيدات بما يكفي يقترفون الأخطاء، فلا يوجد أبوة ولا أمومة مثالية كاملة، لكننا لا نكف عن المحاولة للتعلم والمحاولة لتطبيق ما تعلمناه.

|  المربي إنسان أيضًا: هل يعني ذلك أنه علينا أن نكون آباء وأمهات لا نخطئ ولا نفقد السيطرة؟ لا، قطعًا لا. بل ينبغي علينا أن نكون أسوياء، نعرف كيف نتواصل مع أطفالنا دون استعلاء أو تهاون حتى عندما نخطئ ونفقد السيطرة، عندما نخطئ نعتذر، نحترم أولادنا ليتعلموا أن يحترمونا ويحترموا الجميع، نخبرهم أننا أخطأنا ولكننا نتحمل نتيجة وعواقب الأخطاء، نخبرهم أنه لا بأس أن تعبر عن غضبك ومشاعرك، ولكن توجيههم إلى الصورة الصحيحة لفعل ذلك، لا ننكر مشاعرهم وأحلامهم أو نقلل منها، والأهم أن لا نفرط في التدليل وتلبية الرغبات والخوف عليهم من كل شيء.

|  الأمومة والأبوة ليست مثالية: سنظل نخطئ ونصيب، وننسى كل ما تعلمناه وقرأناه في كتب التربية ومن نصائح في تربية الأطفال، مع أول مشكلة حقيقية تواجهنا، ولكن تربية أنفسنا، وتذكيرها دائمًا بالمسار الصحيح ستقودنا نحو الرجوع عن الأخطاء. قرأت يومًا عبارة حُفرت في ذهني، أن الآباء الجيدون يرتكبون أشياء سيئة والأمهات الجيدات بما يكفي يقترفن الأخطاء، فلا يوجد أبوة ولا أمومة مثالية كاملة، لكننا لا نكف عن المحاولة للتعلم والمحاولة لتطبيق ما تعلمناه والمحاولة لتقويم أنفسنا قبل أطفالنا.