بنفسج

في ذكرى مولده: كيف استوصى النبي خيرًا بالنساء؟

الأربعاء 27 سبتمبر

"استوصوا بالنساء خيرًا" هذه الكلمات كانت آخر ما أوصى به النبي ﷺ قبل وفاته في حجّة الوداع، وبهذه الوصية قد عمل طيلة سنوات حياته ليكون قدوةً بأفعاله لأصحابه وأمته من بعده، فقد كان -صلى الله عليه وسلم -مُنصِفًا للمرأة مُقدِّرًا لمكانتها مُتفهِّماَ لطبيعتها، رحيمًا بضعفها. وقد تجلت مظاهر رحمته بالنساء في العديد من مواقف حياته والتي سأذكر بعضًا منها؛ لنقف عندها ونتأملها ونتأمل حالنا اليوم وما وصلنا إليه عسى أن يكون في هذه المواقف العبرة والتذكرة وكما قال الله تعالى ﴿لَقَد كانَ لَكُم في رَسولِ اللَّهِ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كانَ يَرجُو اللَّهَ وَاليَومَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثيرًا﴾ [الأحزاب: ٢١]

| النبي ﷺ في خدمة أهله

 
انظر إلى حسن ولطف تصرّف سيدنا محمد ﷺ حين جاءته عائشة تحكي له قصة رجل يدعى أبا زرع، طلّق زوجته رغم أنه كان يحسن إليها، وكأن النبي قد أحسّ أن القلق هو ما جعل عائشة تخبره بالقصة فقال لها: "يا عائشة، كنت لك كأبي زرع لأم زرع إلا أن أبا زرع طلّق وأنا لا أُطلّق". وفي موقف آخر سألت عائشة رضي الله عنها النبي ﷺ: "كيف حبك لي؟ قال: كعقدة الحبل" -كناية عن شدة الحب والارتباط الوثيق- فأصبحت كلما تمرّ عليه تعيد سؤاله " كيف حال العقدة؟"، فيطمئنها ويرد عليها ﷺ قائلًا: "هي على حالها".

كثيرًا ما نجد المرأة اليوم تعاني من تراكم المهمات والواجبات عليها بما يفوق طاقتها، ما بين العمل خارجًا والاهتمام بشؤون المنزل من طبخ وتنظيف وترتيب، ثم الاهتمام بالأبناء وتدريسهم وتجهيزهم للدوام واصطحابهم للنادي، ومن ثم الاهتمام بشؤون الزوج وحقوقه، وهكذا إلى أن ينتهي اليوم وقد أنهكها التعب لتنام بضع ساعات وتستيقظ لتعيد الكرة من جديد، ووسط هذا كلّه يمتنع بعض الرجال عن القيام بأي مهمات منزلية ومدّ يد المساعدة للزوجة، ويعتبرون أن في هذا الشيء انتقاصًا من قيمته ورجولته، فالكثير في زماننا هذا ما يزال إلى الآن تسيطر عليه هذه الأفكار والمفاهيم المغلوطة "الرجال عيب يشتغل في البيت"؛ فكيف يعقل ذلك وسيد العالمين وأرفعهم مكانةً وقدرًا نبي الأمة ﷺ كان يقوم بخدمة أهله وخدمة نفسه؟

سُئِلَت السيدة عائشة، رضي الله عنها، ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: " كان يكون في خدمة أهله فإذا حضرت الصلاة خرج إليها". وقالت رضي الله عنها: "كان يخيط ثوبه ويخصف نعله، ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم".


اقرأ أيضًا: زينب بنت جحش: زوج النبي وأم المؤمنين


| مراعاة النبي ﷺ للتغيرات الجسدية والمزاجية التي تمر بها المرأة: تمر المرأة خلال حياتها بالعديد من الفترات التي يصيبها بها العديد من التغييرات النفسية والجسدية والمزاجية، سواء في فترة الدورة الشهرية أو فترة الحمل والنفاس، وفي هذه الفترات تكثُر الخلافات الزوجية بل وحالات الانفصال، فمن ناحية، تكون المرأة في قمّة ضعفها وألمها وحدّة مزاجها وعصبيتها نتيجة للتغييرات الهرمونية والأعراض الجسدية التي تصيبها، ومن ناحية أخرى الكثير من الأزواج لا يُحسنون التعامل مع المرأة في هذه الفترات ويجهلون كيفية القيام باحتواء ضعفها والرحمة بألمها وتقبّل مزاجيتها العارضة والصبر عليها.

ولننظر في هدي النبي ﷺ وسيرته؛ كيف كان غاية في الرفق واللطف والرحمة مع نسائه أثناء مرورهن في هذه الفترة. تقول السيدة عائشة، رضي الله عنها، واصفة النبي صلى الله عليه وسلم: "كان يتكئ في حجري وأنا حائض ثم يقرأ القرآن". ومن مظاهر رحمته وملاطفته وتعبيره عن حبه لنسائه في هذه الفترة، تقول السيدة عائشة: "كنت أشرب وأنا حائض ثم أناوله النبي- صلى الله عليه وسلم- فيضع فاه على موضع في فيشرب".

received_401242842206910.webp
 قبر النبي - صلى الله عليه وسلم- 

| طمأنة النبي ﷺ للمرأة والاستماع للمخاوف التي تدور في رأسها: الكثير من النساء قلقات بطبعهنّ، يخشينّ من أن يتحول قلب الزوج عنهنّ أو أن يتوقف عن حبه لهنّ، أو أن يهجرهنّ أو يطلقهنّ، والغريب أن بعض الرجال يستغلون هذا الطبع الرقيق في المرأة ويتخذون منه نقطة ضعف يلعبون عليها بكثرة التهديد بالطلاق، أو بهجر المنزل، أو بالزواج بأخرى حتى ولو على سبيل المزاح، والكثير منهم لا يجد سعة الصدر ليتقبّل مخاوف زوجته والاستماع إليها في حال قالت له مثلًا: لماذا أراك متغيرًا هذه الأيام، أو هل ما زلت تحبني كالسابق؟ ونجد الزوج يتعامل مع الأمر بفظاظة ومنطقية بحتة ويتّهم الزوجة بأنها تُشكِك به وبحبه، وهي في حقيقة الأمر كل ما تريده منه سماع كلمات لطيفة تطيّب بها خاطرها وتُطمئِنها، فالأمر لا يكلّف الكثير، لكن وللأسف، ليس كل الرجال عندهم من العلم والخبرة ما يكفي لفهم طبيعة النساء وخصالهم واحتياجاتهم النفسية.

انظر إلى حسن ولطف تصرّف سيدنا محمد ﷺ حين جاءته عائشة تحكي له قصة رجل يدعى أبا زرع، طلّق زوجته رغم أنه كان يحسن إليها، وكأن النبي قد أحسّ أن القلق هو ما جعل عائشة تخبره بالقصة فقال لها: "يا عائشة، كنت لك كأبي زرع لأم زرع إلا أن أبا زرع طلّق وأنا لا أُطلّق". وفي موقف آخر سألت عائشة رضي الله عنها النبي ﷺ: "كيف حبك لي؟ قال: كعقدة الحبل" -كناية عن شدة الحب والارتباط الوثيق- فأصبحت كلما تمرّ عليه تعيد سؤاله " كيف حال العقدة؟"، فيطمئنها ويرد عليها ﷺ قائلًا: "هي على حالها".

 قال ﷺ: "لا تضربوا إماء الله" فأطاف بآل رسول الله نساء كثير يشكون أزواجهم، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: "لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهنّ، ليس أولئك بخياركم". ومظهر آخر من مظاهر رحمته وحرصه على النساء من الأذى وخوفه عليهم، أنه كان لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، غلام يدعى أنجشة كان حسن الصوت ويحدو بالإبل "أي يلقي شعرًا بصوت ولحن حسن لكي يحثّ الإبل على الإسراع في مسيرها".

وفي أحد الأيام كان يحدو بالإبل التي يعلوها هودج نساء النبي ومن رحمة النبي  وترفقه بحالهن وضعفهنّ خشي أن يزعجهنّ سرعة مشي الناقة، أو يضرّ بهنّ اهتزاز الهودج أو يتعرضنّ للسقوط، فقال صلى الله عليه وسلم: "رويدك يا أنجشة، رفقًا بالقوارير".

| رِفق النبي ﷺ بضعف بنية المرأة: لا يخفى على أحد أن في طبيعة النساء وتكوينهن الجسدي والنفسي فيه شيء من الضعف، وهذا الأمر لا تُلام عليه المرأة لا يعيبها أو ينقص من قدرها، بل اللوم كل اللوم على بعض الرجال ممّن لا يحترمون هذا الضعف وهذه البنية الجسدية التي خلق الله تعالى المرأة بها، فيعنفوها نفسيًا وجسديًا، ويتطاولون عليها بالضرب، أو يحملونها ما لا تطيق من المهمات والأفعال، فكم تصيبني الدهشة حين أرى زوجين يسيران والزوجة تحمل العديد من الأكياس والزوج يمشي، هكذا فارغ اليدين! أو من يرسل زوجته لشراء بعض الحاجات ويبقى ينتظرها في السيارة أو المنزل. نعم، قد تجبر ظروف الحياة المرأة على تدبير بعض أمورها والقيام ببعض شؤونها بنفسها لغياب الزوج أو سفره، أما في حال وجوده أرى أن مثل هذه المشاهد والتصرفات ما هي إلا نقص في شهامة الزوج ورجولته ونخوته.

فالنبي ﷺ كان يتفهم ضعف المرأة ورقة مشاعرها ويخشى عليها من أن يصيبها أي مكروه، فنهى عن ضرب النساء حيث قال ﷺ: "لا تضربوا إماء الله" فأطاف بآل رسول الله نساء كثير يشكون أزواجهم، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: "لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهنّ، ليس أولئك بخياركم". ومظهر آخر من مظاهر رحمته وحرصه على النساء من الأذى وخوفه عليهم، أنه كان لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، غلام يدعى أنجشة كان حسن الصوت ويحدو بالإبل "أي يلقي شعرًا بصوت ولحن حسن لكي يحثّ الإبل على الإسراع في مسيرها".

وفي أحد الأيام كان يحدو بالإبل التي يعلوها هودج نساء النبي ومن رحمة النبي، صلى الله عليه وسلم، وترفقه بحالهن وضعفهنّ خشي أن يزعجهنّ سرعة مشي الناقة، أو يضرّ بهنّ اهتزاز الهودج أو يتعرضنّ للسقوط، فقال صلى الله عليه وسلم: "رويدك يا أنجشة، رفقًا بالقوارير". ويقصد بالقوارير النساء، وما أجمله من تشبيه وما أبلغه قال القرطبي: "شبههن بالقوارير لسرعة تأثرهنّ وعدم تجلدهنّ".

received_1056156591688782.webp
اهتم النبي صلى الله عليه وسلم بالمرأة وأنصفها 

| تجمّل النبي ﷺ وتطيّبه واهتمامه بنظافته وهيئته: كم نحب نحن النساء التزيّن والتجميل، وكم يشغلنا حسن مظهرنا ورشاقة قوامنا، وكم نقضي من ساعات في مراكز التجميل أو العناية المنزلية، بل ويصل الأمر عند بعض النساء حدّ الهوس والقلق المبالغ به من أن يرى زوجها منها ما لا يسرّه أو أن يزيد وزنها بضع كيلو جرامات، أو أن لا تكون أجمل النساء في نظره، وفي المقابل، ووسط هذا كلّه، نجد أن بعض الرجال لا يكلفون أنفسهم حتى بغسل أسنانهم من أجل نسائهم، وكم وكم سمعت العديد من الاتصالات لشكاوي النساء في البرامج والمواقع بأنهنّ يؤذيهنّ من أزواجهنّ عدم الاهتمام بنظافتهم الشخصية.

ومعلم البشرية الخير، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، لم يغفل عن الإشارة لهذا الأمر لضرورته وخطورته في آن معًا، فكم كان هذا الأمر سببًا لنفور المرأة من زوجها بل وطلب الطلاق منه! فكان، صلى الله عليه وسلم، يشتهر بجمال هيئته وحسن مظهره وطيب رائحته ونظافته، وفي هذا الشأن تقول عائشة، رضي الله عنها، حين سُئِلت: بأيّ شيء كان يبدأ النبي، صلى الله عليه وسلم، إذا دخل بيته؟ قالت: "بالسواك".

وكان عليه الصلاة والسلام يحب التطيّب، فعن أنس بن مالك، رضي الله عنه قال: "كان للنبي صلى الله عليه وسلم سكة يتطيب منها"، ويُقْصَد بالسكة الخليط من أصناف الطيب. وهكذا وصلنا للختام وكانت هذه بعض مواقف ومظاهر رحمة وإحسان النبي ﷺ بالنساء، وصدق عليه الصلاة والسلام حين قال: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي".

ومما لا شكّ فيه أنّه، وكما للمرأة حقوق، فإنّ عليها واجبات. وكما أنّ النبي ﷺ اهتم لنصرة المرأة وتحصيل حقوقها ومراعاة مشاعرها وحفظ كرامتها، فقد أولى أيضًا اهتمامًا كبيرًا للرجل، وأوصى المرأة بزوجها وطاعته والاهتمام بشؤونه في عديد من المواقف والشواهد والأحاديث التي ربما يسعني طرحها في مواضيع قادمة، ولمن أراد للبيوت أن تُبنى على المودة والرحمة أن يهتدي بهدي النبي ﷺ. ولا بد لكلٍ من الزوج والزوجة أن يعلما أنّه كما لكل واحد منهم حقوق، أيضًا بالمقابل، عليه واجبات، وهذا هو الميزان العدل الذي يجب أن تقوم عليه البيوت.