بنفسج

روح وهوُية: تطاريز فلسطينية في الديكورات المنزلية

الأحد 19 مارس

رسومات تطريز فلسطيني
رسومات تطريز فلسطيني

"هي هي يا فلسطين.. كَف بكَف و إيد بإيد.. هي هي يا فلسطين.. عَن أراضينا ما منحيد.. هي هي يا فلسطين.. فلسطين عربية من المية للمية" الفلسطينيون حالة فريدة من نوعها، تراهم برغم كل الظروف التي تحيط بهم من الاحتلال الإسرائيلي واقفين شامخين شموخ أشجار الزيتون، متأصلين بالأرض كأصالة الزي الفلسطيني الذي ورثوه عن الأجداد، التراث الفلسطيني بالنسبة لهم حياة ورح، تراهم يدخلون كل شيء مطرز في الديكور أو الملابس، يعيشون الحب الفريد مع كل تطريز يدوي، مع الغرز الصغيرة بالإبرة والخيط،وللمطرزات الفلسطينية رونق خاص؛ فحين تنظر نحو رسومات تطريز فلسطيني أو أشكال التطريز الفلسطيني تشعر بالمتعة البصرية وتقول "اييه يا الفلسطينية".

رسومات تطريز فلسطيني

رسومات تطريز فلسطيني
التطريز الفلسطيني له جمالية خاصة حين يُدخل في البرواز على الحائط وبجانبه مفتاح العودة فيكون أيقونة من رسومات تطريز فلسطيني جذابة

في منازل الفلسطينيين تجد مفتاح العودة معلقًا في أحد الزوايا، أو صورة لجد أو جدة باللباس التقليدي، وربما صورة للجامع القبلي أو قبة الصخرة معها عبارة "عائدون"، والتي تذكرهم دائمًا بالوعد الذي قطعوه على أنفسهم بالعودة مهما طالت سنوات الشتات. الأمر الأبرز والذي يفصح عن نفسه حين تقع عيناك عليه هي المطرزات الفلسطينية، والتي تسرق قلبك في لحظات بألوانها الزاهية وتصميماتها الجامحة في البروز والثورة والجمال أيضًا. تتعدد أشكال التطريز الفلسطيني ويظهر الإبداع اليدوي في مخدات مطرزة تطريزًا فلاحيًا أو خريطة فلسطين مطرزة.

التطريز الفلسطيني هو أحد السمات المميزة للشعب ككل، بجميع أطيافه وتوجهاته، وهو مطبوع بطابع خاص لكل منطقة من مناطق الأرض المحتلة، الشمال يختلف عن الجنوب وعن الوسط والشرق غير الغرب في طريقة استعمال الألوان وغرزة الخيوط والتصاميم، ولكل مكان رسومات تطريز فلسطيني خاصة به يعرفها المتمكن والعارف بالتطريزات الفلسطينية.

رسومات تطريز فلسطيني
يتداخل التطريز الفلسطيني مع البروايز فيتفنن صانعات المطرزات اليدوية الفلسطينية في بث نقوشهن التراثية على القطع اليدوية

في بنفسج تحدثنا مع السيدة سماح عرار، فلسطينية مهاجرة إلى الولايات المتحدة، ومؤسسة صفحة "إبرة وحرير للمطرزات الفلسطينية التراثية". سألناها عن الحميمية بين الفلسطينيين وتطريزاتهم الشعبية التي تبرز بشدة في بيوتهم وأزيائهم، وعن أنواع رسومات تطريز فلسطيني.

بسؤالها عن أسباب اقتناء الفلسطينيين للقطع التي تقوم بتطريزها فسّرت السيدة عرار : "الناس يقبلون على شراء المطرزات الفلسطينية ليس فقط لأنها قطع راقية للديكور، ولكنها أيضًا تذكرهم بتاريخهم وجذورهم، دائمًا ما يعمد الكثيرون لاستعمالها وقت مناسباتنا الخاصة والوطنية، وفي كل حدث مهم تجديننا نرتدي الكثير من القطع ذات الألوان التي تميز التراث الفلسطيني؛ الأحمر القاني والأخضر الزرعي والأبيض والأسود، كلها ألوان تعبر عنا وعن قضيتنا ومشاعرنا الممتزجة بالفرح والغضب والثورة والحنين والدم".


اقرأ أيضًا: نسيج في الذاكرة: الثوب الفلسطيني يروي الحكاية


التطريز الفلسطيني العريق بدأ باعتباره نقوشًا كنعانية، ابتكرها سكان الأرض الأوائل منذ 5000 عام تقريبًا، في التدوين والزخرفة، ومن ثم انتقلت من كونها رموزًا ونقوشًا لتصبح رسومًا ملونة تزين بها النسوة ملابسهن وبيوتهن بتصاميم مختلفة ومتنوعة. وعلى الرغم من المساحة الصغيرة لفلسطين نسبيًا عن باقي الدول العربية، إلا أن التنوع الثقافي والفني فيها كبير جدًا.

رسومات تطريز فلسطيني
توجد رسومات تطريز فلسطيني عديدة ولك حرية اختيار النقوش يمكنك اختيار نقشة مخدات تطريز فلاحي تختلف عن نقوش المفارش  وعلب المحارم

وبالحديث عن المقاومة، والطريقة التي يقوم بها هذا التراث الحضاري في دعم نضال أبنائه تقول: "التراث ليس له زمن، هو ميراث تتوارثه الأجيال، وتراثنا الفلسطيني هو أحد موروثاتنا المادية التي نسلّمها لأبنائنا ومن بعدهم أحفادنا وهكذا، القطع التي نصنعها من رسومات تطريز فلسطيني هي إحدى وسائلنا في الكفاح، الأم تصنع القطعة، وتعلّم أولادها وتحكي لهم عن بلادهم وتاريخهم وأرضهم، والأم التي تقتني القطعة تعلم أولادها من خلالها نفس التاريخ ونفس الأفكار، فكل جيل ينقل تاريخه وموروثاته من خلال المشغولات اليدوية التي تقع عليها أعينهم في كل لحظة، وتحيط بهم في كل ركن من بيوتهم.

في العام الماضي، أدرجت اليونسكو التطريز الفلسطيني ضمن قائمتها للتراث الفلسطيني غير المادي، في خطوة تعتبر ضمانًا دوليًا لحفظ هذا النشاط من عمليات الأسرلة المستمرة لكل ما هو فلسطيني أصيل.

 التطريز الفلسطيني باق

رسومات تطريز فلسطيني
تتعدد أشكال التطريز الفلسطيني وهي ليست مجرد أشكال هندسية مرسومة بالخيوط بل تراث فلسطيني يورث يدمجه الفلسطينيون في ديكور المنزل

التأثير الذي يغرسه وجود هذه المطرزات في البيوت، لا بد أن له تأثير على الأجيال الجديدة،التي ستعرف حتمًا أشكال التطريز الفلسطيني، تفسّر السيدة سماح ذلك التأثير بقولها: "فلسطين كمصر، كالمغرب وكل دول العالم لها تراثها الخاص، وفي الوقت الذي تحاول فيه إسرائيل الاستيلاء عليه على كل الأصعدة وبكل ما أوتيت من قوة، نحن نعلم أبناءنا تاريخنا وحكاياتنا الحقيقية التي يريدون سلبها منا".

تتابع: "الطفل الذي يولد فيشرب حكايات أجداده معنويًا وماديًا، لن يكون كطفل تروي له حكايات دخيلة عليه ولا يربطها به أصل. هذا هو الفرق؛ فالقطع التي نجيد صنعها "نحن فقط"، تجعله يفخر بتاريخ بلاده وأجداده الذين يرى نفس القطع لديهم قبل مئة عام."

رسومات تطريز فلسطيني
يمنح التطريز الفلسطيني في ديكور المنزل لمسة دافئة يأخذك حنينها نحو الوطن.. تعلق التطريزات بشكل ما سواء على النوافذ أو على الكراسي 

من السهل التعامل مع المطرزات الفلسطينية والتعرف على رسومات تطريز فلسطيني واستعمالها بأكثر من طريقة، وفي أكثر من موضع في المنزل، وبسهولة يمكن استعمالها كتابلوهات وجداريات داخل إطارات معدنية ومحفوظة بالزجاج، أو قطع ديكور أكثر سلاسة كالوسائد "كوشنز"، وكما وتشتهر المطرزات الفلسطينية على الشالات النسائية أو في لوحات فنية مذهلة على كراسي مطرزة.

المطرزات الفلسطينية ليست مجرد أشكال هندسية مرسومة بالخيوط على رقع القماش، وإنما هي تاريخ طويل من التطور الذي طال العمل اليدوي الفلسطيني، فالأمر بدأ من تطريز ملابس الفلاحات الفلسطينيات في الريف، ومن ثم انتقل إلى المدن والحضر.

 


اقرأ أيضًا: سرقة التراث الفلسطيني : عن احتلال الذات والأرض والتاريخ


خطوة الانتقال لم تكن عشوائية، السيدات نقلن التطريز من شكله الاعتيادي وأضفن عليه من البيئة المحيطة، وربما تأثر أكثر بنمط الحياة نفسه. وفي جانب تمرير الثقافة الشعبية للأجيال الجديدة عبرت "سماح" بقولها "اقتناء المشغولات اليدوية الفلسطينية ليس هواية لكبار السن فقط والاهتمام بـرسومات تطريز فلسطيني بات أكثر اهتمامًا وإقبالًا من الشباب بشكل كبير، وخصوصًا الأمهات والآباء الجدد الذين يرغبون، ليس فقط بتزيين بيوتهم، وإنما تمرير قضاياهم لصغارهم أيضًا.

الأجيال الجديدة تهتم بشراء القطع الوطنية، نحن استوردنا من الغرب كل شيء تقريبًا في كل طقوس حياتنا، ولكن هناك رغبة كبيرة لدى الكثير من الشباب التوجه للعمل اليدوي والسماح له بالتعبير عنهم، وعن ثقافتهم وحضورهم، وهذا انعكس على شكل حياتنا ومناسبتنا.

رسومات تطريز فلسطيني
توجد رسومات تطريز فلسطيني كثيرة لكل منها حكاية خاصة فتلك تخص مناطق الساحل الفلسطيني والأخرى لمناطق الجبال ويتعدد استخدام النقوش سواء في المخدات أو المفارش 

استمر التطريز الفلسطيني في التطور منذ تلك الحقبة وحتى حدوث النكبة في العام 1948، ومن وقتها حتى الآن لم تتغير القوالب النمطية للتطريز عما كانت عليه من أكثر من 70 عامًا بسبب الاحتلال.السوشيال ميديا أيضًا ساهمت بشكل كبير في لفت الأنظار لهذا الأسلوب في الديكور ولفت الانتباه لـ رسومات تطريز فلسطيني بأشكاله المتنوعة، وساهمت في ترويجه وتحفيز الكثيرون لتعلمه وتعليمه.

التطريز الفلسطيني بشكل عام قوة في ذاته، ويمثل حضورًا قويًا في المجتمعات الفلسطينية، ويميزهم بها بشكل خاص دونًا عن غيرهم، وعن قدرة هذا العمل على فعل المقاومة، تقول: "أكثر شيء مميز في التراث أن فيه جانبًا فرديًا لكل شخص دور بها، يمكن أن يفعله كل حسب طاقته وإمكانياته. أنا مثلًا أعلّم بناتي الانتماء للأرض من خلال مطرزاتي، ولديّ رغبة كبيرة في تعليمها للآخرين صغارًا وكبارًا لتستمر الموروثات حية تتناقل عبر الأجيال، تراثنا قيم وثري وهو أحد طرقنا لمواجهة الاحتلال".

أشكال التطريز الفلسطيني

رسومات تطريز فلسطيني
تتعدد أشكال المشغولات اليدوية حيث لكل منها جاذبيتها ولا يعتبر التطريز الفلسطيني ومعرفة رسومات تطريز فلسطيني هواية فقط بل مصدر لدخل مادي أيضًا

لا يعتبر التطريز  مجرد هواية بسيطة يقوم بها البعض  في وقت الفراغ، بل تعتبر أيضًا وسيلة إضافية ومهمة جدًا لزيادة الدخل، ومنهم السيدة سماح بقولها: "الكثيرون لا يعيرون اهتمامًا بالتعليم الحرفي، ولكني أراه أمرًا في غاية الأهمية، وخصوصًا بعد هجرتي إلى الولايات المتحدة؛ فقد درست إذاعة وتليفزيون في فلسطين، ولكن بعد تجربتي في الغربة كان التطريز هو وسيلتي لتمضية الوقت، وإنتاج مشغولات ترتقي لقضيتنا الكبرى وأصبحت وسيلة أيضًا للكسب المادي، لذلك فتدريب النشء الجديد على هذه المهارات فرصة جيدة لتطوير أنفسهم".

مطرزاتنا نستعملها في كل الأوقات، تصلح لكل مكان، سواء في المنزل أو خارج المنزل، خصوصًا في الملابس التي نرتديها في مناسباتنا الوطنية أو الخاصة، مطرزاتنا قيمة جدًا وعالية الجودة، لذا تلقى احترامًا كبيرًا وتعامل بشكل يليق بقيمتها المادية والمعنوية أيضًا.

ارتباط الفلسطيني بأرضه وبلاده ليس ارتباطًا شرطيًا لوجوده داخل حدود البلاد، بل يستمر معه حتى في أبعد النقاط عن جذوره وأصوله ، تتحدث لنا سماح عن تجربتها الخاصة بقولها: "تفجر داخلي شغف التطريز بعد هجرتي مباشرة، أثناء وجودي في فلسطين كان الأمر يبدو عاديًا لي، السلال التي تصنعها الجدات والأثواب المطرزة يدويًا بأيدي النسوة المتخصصات، كلها أمور كانت تحيط بي في حياتي اليومية، ولكن الأمر اختلف كثيرًا بعد وصولي هنا".

رسومات تطريز فلسطيني
أًدخلت نقوش التطريز الفلسطيني في الكراسي بطريقة جميلة وزين الجدار بلوحات من رسومات تطريز فلسطيني وخريطة فلسطين أُدخل في الإطار الخاص بها نقوش يدوية مطرزة

تضيف: "افتقدت أصولي وجذوري، كان هذا دافعًا كبيرًا من أجل البدء في العمل على مشروعي الذي استوعب كثيرًا من طاقتي وزاد من ارتباطي بأرضي ووطني الذي أفتقده، ربما هذا ما يحدث مع الكثيرين مثلي، سواء المهاجرين أو المهجرين في الشتات. مناطق الساحل الفلسطيني يمتاز التطريز فيها بأنه خليط إغريقي يوناني ساحلي، التطريز في أريحا يمتاز بكثافته وطبقاته المتتالية".


اقرأ أيضًا: الحليّ في الموروث الفلسطيني: وظائف اجتماعية وحمولات تاريخية


تكمل: "وعلى النقيض في المناطق الجبلية؛ فالتطريز يبدو أقل كثافة تبعًا لنمط الحياة الشاق؛ الألوان أيضًا لم تكن ارتجالية، بل هي نتاج عن البيئة التي جعلت هذا الإرث البصري أصيلًا وعتيقًا، وتمتاز منطقة رام الله بتطريزات الأحمر القاني، ومنطقة بئر السبع أحمر برتقالي بخلاف الأخضر والأزرق، تأثرًا بأشجار الزيتون وماء البحر في المناطق الغربية".

التطريز في فلسطين لم يعد وسيلة للتزيين، بل طريقة من طرق البقاء التي يتقنها الفلسطينيون منذ نكبتهم وحتى الآن، لذا فحين ندخل مكان ونقابل فيه معلقات وديكورات تفصح عن فلسطينيتها، ينبغي احترامها جيدًا، فنحن في حضرة شكل باسل من أشكال المقاومة، وينبغي رفع القبعة لكل شيء تراثي فلسطيني سواء رسومات تطريز فلسطيني أم ديكورات تراثية فلسطينية أم ثوب فلسطيني.