بنفسج

نداء عزيز الدويك: ابنة الخليل الوفية

الأربعاء 17 مايو

المرأة الريادية
المرأة الريادية

سيدة طموحة، تعي كيف تخطي سلم الحياة خطوة خطوة، في فعلها توازن وحكمة، وقولها رزانة وعلم، نموذج المرأة الريادية الحق، في مدينة الخليل اشتد عودها وعاشت تجاربها الحياتية في المكان الذي تحب، يظهر في صوتها حنان بالغ حين ذكر بلدتها التي لا تطيق فراقها، ثابتة راسخة في مسقط رأسها، بحب وأمل في غد يخلو من الاحتلال.

منذ طفولتها جريئة لبقة الحديث، قوية الحجة في مناقشاتها، في الصف الخامس الابتدائي وقفت أمام الحاكم العسكري الذي سألها وزميلاتها، لماذا ترتدين الحجاب؟ سكت الجميع ووقفت نداء ترد عليه بالحجة والدليل على أن الحجاب فرض على النساء وتتلو عليه آية من كتاب الله "وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ".

 نداء عزيز الدويك ، ابنة أبيها حقًا، لا تتردد في كل مناسبة أن تقول إنه قدوتها في الحياة، والدها عزيز دويك، رجل نضال فلسطيني دخل عالم السياسة وشغل منصب رئيس المجلس التشريعي، علمها مفاتيح شيء من كل شيء، وتركها تخوض غمار الحياة في عمر مبكر، تناقش هذا وذاك في مواضيع عديدة، حتى كبرت صغيرته لتدخل تخصص الشريعة الإسلامية ولتتعمق أكثر في أصول الدين، وتتصدّر  المنابر تعرّف الناس بأمور دينهم.

نداء عزيز الدويك: طريق الدراسة

المرأة الريادية

 

نداء عزيز دويك، ضيفة بنفسج، تصحبنا في حديث شيق لتخبرنا عن رحلتها في معترك الحياة التي خاضت فيه مشقة الطريق باعتقال والدها لمرات، وانطفأ نور قلبها بوفاة والدتها التي كانت ظلها الآمن وملجأها الأمين. بصوت دافئ تحدثت عن الدراسة والأمومة والأبناء والعمل والترشح للانتخابات.

نداء الحاصلة على بكالوريوس في الشريعة الإسلامية، والماجستير أيضًا، وحاليًا طالبة دكتوراه في ذات التخصص، تقول عن مرحلة الثانوية العامة: "كنت أدرس في المدرسة الشرعية في الخليل ولكن حينما اخترت الفرع العلمي انتقلت لمدرسة بنات الخليل الثانوية، درست بجد واجتهاد لأحصل على معدل يؤهلني لكلية الطب لكن اختلفت توجهاتي بعد أن التقيت برفيق دربي لنتزوج قبل ظهور نتيجة الثانوية العامة".

المرأة الريادية نداء عزيز الدويك، ضيفة بنفسج، تصحبنا في حديث شيق لتخبرنا عن رحلتها في معترك الحياة التي خاضت فيه مشقة الطريق باعتقال والدها لمرات، وانطفأ نور قلبها بوفاة والدتها التي كانت ظلها الآمن وملجأها الأمين. بصوت دافئ تحدثت عن الدراسة والأمومة والأبناء والعمل والترشح للانتخابات.

نداء الحاصلة على بكالوريوس في الشريعة الإسلامية، والماجستير أيضًا، وحاليًا طالبة دكتوراه في ذات التخصص، تقول عن مرحلة الثانوية العامة: "كنت أدرس في المدرسة الشرعية في الخليل ولكن حينما اخترت الفرع العلمي انتقلت لمدرسة بنات الخليل الثانوية، درست بجد واجتهاد لأحصل على معدل يؤهلني لكلية الطب لكن اختلفت توجهاتي بعد أن التقيت برفيق دربي لنتزوج قبل ظهور نتيجة الثانوية العامة، فيما بعد حصلت على معدل ٩٢.٧ بترتيب الخامسة على الوطن، فقررت دراسة الشريعة الإسلامية، شجعني أبي وزوجي وعارضني البقية، أكملت الطريق واستمتعت خلال الجامعة التي نهلت فيها من علوم الدين".

المرأة الريادية
نداء الدويك مع بناتها وأحفادها

لطالما كانت نداء طفلة مبادرة هادئة ومسالمة، مدللة والدها وشبيهته، شاء الله أن تأتي للدنيا وهو خارج الوطن، فأسماها جدها زينات، وحين عاد لم يعجبه الاسم، فغيره ليصبح قريبًا من اسم شقيقته نادية، تضيف: "من مواقف الطفولة التي لا أنساها  حين أغضبت والدتي وخرجت من البيت لألعب من رفاقي الصغار، فجاءت أمي وبختني أمامهم جميعًا، شعرت بالحرج فبكيت كثيرًا، وأخبرت أمي بأن لا تحرجني مرة أخرى أمام أصدقائي، وفيما بيننا تفعل ما تشاء، فاقتنعت أمي بحديثي وتصالحنا، كانت علاقتي بها كأخت وأختها، بل أعز، تشاورني وأشاورها، نتناقش وتعود لي في كثير من الأمور، أنا ملجؤها الآمن وهي كذلك".


اقرأ أيضًا: بيرزيت قلم على حجر: من مذكرات المربية ندى الجيوسي


نداء الابنة البكر في عائلة تتكون من 4 أبناء وثلاث بنات، فكانت الصديقة الأولى لوالدها والمستشارة الدائمة، ورثت منه علو الهمة، والتفاني في العمل، والعمل في الدعوة إلى الله، شبيهته في البلاغة والفصاحة، وبناء العلاقات الاجتماعية. تردف: "في فترة من الفترات كان والدي مسافرًا لأمريكا، كنت أشعر بغيابه جدًا وأفتقده، وحين عاد لم تسعني الدنيا من فرحتي، لم أكن أحب فراقه أبدًا سواء مسافرًا أو أسيرًا لدى الاحتلال الإسرائيلي فهو اعتُقل عدة مرات لفترات طويلة، وكانت أمي خلال فترة اعتقاله تزرع فينا أسمى معاني العزة والفخر كوننا أبناء أسير، ولم تشعرنا لمرة بالنقص، كانت تقوم بالدورين على أكمل وجه خلال غيابه".

 في أروقة العلم

المرأة الريادية
نداء الدويك مع بناتها وفي الصورة الأخرى في المسجد الأقصى المبارك

أنهت مرحلة الثانوية العامة بهدوء وخطت أولى خطواتها في قسم الشريعة الإسلامية، انشغالها بالزواج قلل من مشاركاتها في الأنشطة الجامعية التطوعية، ولكنها كانت تشارك، قدر المستطاع، في ورشات خاصة بالدعوة إلى اللباس الشرعي، ومسرحيات هادفة تنفذها الكتلة الإسلامية، التي لطالما رأتها منبرًا للثقافة ومنبعًا للفهم والإدراك والوعي، تنصر المستضعفين وتقعد الندوات الهادفة للطلاب.

مرّ البكالوريوس بضغوطاته كلها وكانت نداء الأم والطالبة المجتهدة آنذاك، وازنت بين الدراسة والأمومة، ولم يكن ذلك يسيرًا لولا مساندة زوجها الذي ارتضت دينه وخلقه حين جاءها، وقالت: "هذا هو". وبالفعل كان كما توقعت.

حبها لفهم الدين أكثر والتشرب من أنهاره المتفرعة بالعلوم دفعها للسير قدمًا نحو الماجستير، اختارت عنوان رسالتها "التعزير ومكانته في السياسة الشرعية"، تقول: "لا يوجد شيء سهل في الحياة أبدًا، لم تكن الحياة وردية خلال دراستي للماجستير، بل واجهت ضغوطًا عديدة كوني أم وسيدة عاملة، وأضفت لقائمة مهامي الدراسة من جديد، حاولت الموازنة قدر استطاعتي أخفق في جوانب وأنجح في أخرى".

نداء كانت تعمل معلمة للتربية الإسلامية في "مدرسة غرناطة الأساسية للبنات" قبل ترقيتها، تدرس لكل صفوف المدرسة، وكان عليها أن تصحح كل الامتحانات الخاصة بالطالبات مما يجعلها تبذل مجهودًا أكبر، فكانت أعباء العمل برفقة شؤون المنزل وكتابة رسالة الماجستير عبئًا إضافيًا عليها، لكنها أصرت على متابعة الطريق حتى نهايته، لتنهي رسالتها بجدارة وتنال إعجاب المشرفين والجميع، فبدأت تلتقط أنفاسها للراحة قليلًا من الركض الدائم في مشوار الحياة.


اقرأ أيضًا: د. أحلام بشكار: رحلة "الألف ميل" لم تنته في الصين


لم يطل بعدها عن حقل الدارسة كثيرًا، فتوجهت نحو الدكتوراه لتغوص مرة أخرى بين الكتب والمراجع الدينية، فاختارت دراسة في "التكييف الفقهي في النوازل المعاصرة -دراسة تأصيلية تطبيقية"، توضح: "الأصل في رسالة الدكتوراه أن تجمع بين الأصالة والإبداع، وأن يكون موضوعها حديثًا جديدًا، فخضت غمار البحث طويلًا حتى وفقني الله نحو فكرتي".

يبقى حلو الحياة في المغامرة والسعي نحو الإنجاز، ويا لذة حلاوته حين الظفر بالمنى، بقيت نداء تناضل حتى ترقى أكثر بعلمها وعملها، فخاضت إلى جانب الدكتوراه، تجربة الترشح للانتخابات البلدية في الخليل ضمن قائمة الوفاء، فحصدت مقعدًا في البلدية، وأصبحت عضو مجلس بلدي، هذا أضفى لدنياها عبئًا جديدًا، ولكنها تفعله بحب ورضا، وهذا بالتأكيد تجل لدور المرأة السياسي، وأحد أوجه نضال المرأة ومشاركتها المجتمعية.

المرأة الريادية: ونموذج الأم

المرأة الريادية
نداء عزيز الدويك مع أبنائها

يُقال إن "العائلة أشبه بالملاذ الآمن في عالم ليس له قلب". في خضم السير الذي لا يتوقف في هذه الحياة، ومواجهة تحدياتها والإنجازات التي تحققها نداء على الصعيد العملي والمهني، لم تنس واجبها الأول كأم، ربما نقول إن الموازنة محض هراء، ولا يستطيع أحد أن يكون محترفًا في قيادة الدفة، ولكنها حاولت أن تقودها ببراعة وبخفة، فمنحت أطفالها الوقت الأكبر حتى أوصلتهم لبر الأمان، وبقيت هي تحقق ذاتها فيما تحب، وما كان هذا ليتم بطريقته المثلى إلا برفقة رجل محب أمسك يديها منذ أن كانت ابنة الثامنة عشر، وساندها في كل مراحلها بلا استثناء دون أن يقول لها كفى، بل دعمها بكل ما أوتي من رضا.

وفي هذا الصدد، وعند الحديث عن الأبناء- زينة الدنيا وبهجة النفس- تقول بصوت هادئ وبسماحة وجه: "هم نوري إن أظلمت الحياة في وجهي، فرحتي وأملي، يحرصون على تخفيف العبء عني، أذكر من مواقفهم الجميلة يوم أن اشتروا جلاية كهربائية لي للتخفيف عني ولو قليلًا، أسعدني تفكيرهم بجلب ما أحتاجه".


اقرأ أيضًا: أسيل أشهب: عندما "رُفِعتْ الجلسة" وصدَح صوتُ العود


تكمل: "أذكر جيدًا يوم أن نال المرض من أمي فطلبت من ابنتي شفاء أن تسافر معها لتلقي العلاج خارج الوطن، فرحبت وسافرت مع جدتها على الرغم من أنها كانت في الثانوية العامة وطمأنتني بأنها ستحافظ على دراستها. هنا علمت أنني نجحت في اختبار الأمومة صنعت أبناء حنونين يتحملون المسؤولية بدءًا من شفاء وصهيب وديمة وصفاء حتى أحمد، لكل منهم جانب ألجأ له فيه، هم العزوة ورفقة الطريق الطويل".

المرأة الريادية
عائلة السيدة نداء عزيز الدويك

لم تنس نداء أن تشيد بدور زوجها الذي شهد معها كل مرحلة بكل صعوباتها، فكان نعم الزوج والأُنيس لها في طريقها المحفوف بالمطبات، كلما أصابها فتور في همتها شد على يديها لتكمل نحو الهدف.

نداء عزيز الدويك: العمل المجتمعي

المرأة الريادية
نداء عزيز الدويك مع والدها وحفيدتها

أرادت نداء أن تخطو خطوة قوية في العمل المجتمعي، فقررت خوض تجربة الترشح لانتخابات البلدية، تقول لبنفسج: "حقيقة جاء قراري بعد تفكير عميق ومطول وترتيب لأولويات حياتي التي هي أصلًا مزدحمة بالمهمات، ولكن حبي لخدمة المجتمع وتفضيل المصلحة العامة جعلني أرغب أن أكون في موضع صنع قرار، فرشحت نفسي ضمن قائمة الوفاء في الخليل".

لكل طريق مطب، ولكن المفارقة أن تقف صامدًا، تجابه الصعاب، تخطو على مطباتك الحياتية برفق، وبعقلانية، هكذا كانت نداء وسط المعيقات التي باغتتها خلال رحلتها في طريق الانتخابات، تقول: "لم يكن الطريق سهلًا أبدًا، فكانت تنافسنا قوائم أخرى حظيت بتسهيلات كثيرة، ولكن كان علينا أن نعمل بجد، فكنتُ  أرافق زملائي المرشحين نقابل  الناس ونتحدث معهم، ونحضر المسيرات الدعائية للقائمة، ونقوم بجولات ميدانية  في الأسواق لتعريف الجمهور بالأعضاء عن قرب والإعلان عن أهداف القائمة".


اقرأ أيضًا: حفيدة الطنطاوي: حكايات نسجت سيرة ذاتية ملهمة


نداء المرأة الريادية التي قدست العلم طوال حياتها، ونجحت في اختبار الأمومة والعمل بدعم من محببها تعمل مديرة مدرسة، وواعظة متطوعة في المساجد وبيوت العزاء، ومختلف المناسبات، وهي عضو مجلس بلدي تهدف لإبراز صوت النساء، وتمثيل دور المرأة السياسي، ونضال المرأة الفلسطينية على وجه الخصوص، تختم حديثها لبنفسج وتقول: "آمل أن أحفظ القرآن الكريم كاملًا، وأن أخدم أمتي بما أستطيع من علم وجاه".