بنفسج

صوتك الداخلي: بماذا تحدثك مرآتك؟

الإثنين 12 ديسمبر

أهمية تقدير الذات
أهمية تقدير الذات

بئسًا لكِ كم تأكلين، تزدادين بدانةً ومستقبلًا لن تدخلي من الباب! ليس فيكِ معالم أنوثة، هذا النحول لم يعد مُحبَبًا للعين. الرؤوس السوداء تشوّه وجهكِ. شكلك مقبول لكنّ طولك مبالَغ فيه، بالمناسبة.. كيف الجو عندك فوق؟ يا لك من قصيرة! لا بد أن اللحافَ يلفّك مرتين عندما تنامين.

كلّ العبارات السابقة سامّة، تحاكمك بناء على مظهرك، والأفكار التي خلفَها خطيرة، إذ أنها تنمّ عن عقلية ما تزال تحصر القيمةَ في الشكل رغم ما توصّل إليه العالم من تطور حضاري وعلمي هائل، يجب أن تعلمي أهمية تقدير الذات وتأثيرها على نفسيتك، لكن دعيني أسأل.. هل سبق وفكرتِ مَن يوجّه إليك هذه العبارات؟ هل نظرت لجسدك في معزل عن آراء الآخرين فلم تتفقي مع تحاملهم، ولم تحكمي على شكلك بالطريقة ذاتها؟ هل نظرتِ في المرآة وخاطبت انعكاسك بصوت داخلي رحيم ومنصِف غيرِ متأثِر بالأفكار النمطية التي تشربتِها من المجتمع؟

قبل أن تصفي طبيعة خطابك لمظهرك تعالي لأخبرك من أين يأتي هذا الصوت، ولنرَ أغرفتكِ مسكونة بشبح أم لا! هذا الصوتُ ينبعثُ من ذهنكِ، وكلّ كلمة توجهينها لجسدك أو قرار تتخذينه بخصوصه، كل دواء فاتح للشهية أو حمية قاسية تفرضينها على نفسك أو رياضة تلتزمين بها، كل الأفكار والأفعال التي يكون جسدك محورها تأتي من تصورك حول هذا الجسد، وهو ما أطلقَ عليه علم النفس مفهومَ صورة الجسد.

أهمية تقدير الذات وصورة الجسد

أهمية تقدير الذات

 

أحقًا هذا الصوت هو صوتك وحدك؟ أحقًا هذه الصورة كوّنتِها بمفردك؟ وهل هي منعزلة عن أي تأثير خارجي وليس هناك من أملاها عليكِ أو أملى -على الأقل- جزءًا منها؟ هل حقًا ليس هناك شبحٌ في الغرفة؟ أعني، هل أنتِ فقط من يتحدث مع انعكاسك في المرآة؟ أم أنك قد تنطقين أفكارَ وأحكام الآخرين بلسانك؟

لا تظلمي نفسك، ولا تقللي من أهمية تقدير الذات أبدًا، فصورتك عن جسدك لا تتعلق برأيك ومنظورك فحسب، إنما تتأثر بأمور عديدة دون أن تشعري.

هي صورة نكوّنها في أذهاننا عن أجسامنا وتتعلق بهذه الصورة مشاعر الرضا، أو عدم الرضا عن هذه الأجسام بكل ما يتعلق بها، سواء المظهر الخارجي (كالطول والوزن)، أو مكوناته الداخلية وكفاءة أعضائه. من المفهوم السابق يتضح أن الصوت الداخلي الذي يخاطبنا ويرضى أو لا يرضى عن مظهرنا ليس محصورًا بمجرد العبارة أو القول الذي نحكيه، بل يتبع الصورةَ الذهنية التي كوّنّاها عن أجسادنا.

لكن؛ أحقًا هذا الصوت هو صوتك وحدك؟ أحقًا هذه الصورة كوّنتِها بمفردك؟ وهل هي منعزلة عن أي تأثير خارجي وليس هناك من أملاها عليكِ أو أملى -على الأقل- جزءًا منها؟ هل حقًا ليس هناك شبحٌ في الغرفة؟ أعني، هل أنتِ فقط من يتحدث مع انعكاسك في المرآة؟ أم أنك قد تنطقين أفكارَ وأحكام الآخرين بلسانك؟


اقرأ أيضًا: بعيدا عن كلام" التنمية البشرية"... قريبا من الذات والنفس


لا تظلمي نفسك، ولا تقللي من أهمية تقدير الذات أبدًا، فصورتك عن جسدك لا تتعلق برأيك ومنظورك فحسب، إنما تتأثر بأمور عديدة دون أن تشعري، لعل العوامل المؤثرة فيها تتسلل تسللًا شبحيًا، فقد اتفقنا ألّا ننكر بالكلية وجود الشبح أو وجود أي عاملٍ خفي وغير مباشر، فعدم انتباهك له لا يعني أنه لم يساهم في تكوين صورة جسدك، بل إن انتباهك سيساعدك في تغيير رأيكِ عن مظهرك.

العوامل المؤثرة في صورة الجسد

أهمية التقدير الذاتي
الحقيقة أن جنسنا يؤثر في صورة جسدنا سواء كنا ذكورًا أم إناثًا، لكن نوعية الانتقاد المُوجَهة وطبيعته وكثافته تختلف تبعًا للجنس، لا يُطلَب من الرجل أن يكون بديع الجمال، لكن المجتمع ينظر إليه ويحاكمه بناء على حجم جسده ولون بشرته وشعره، ويمدحه أو يقدّره كلما ازداد مظهره رجولةً.
 
 إلا أن النصيب الأكبر من هذا النوع من الضغوط تناله المرأة بسبب فكرة سائدة مفادُها أن المطلوب من المرأة هو جمالها والمرغوب فيها هو جسدها، وأن ما يجعلها امرأة هي أنوثتها، أيضًا نعني الأنوثة التي يفرضها ويرتضيها مجتمع دون آخر.

| الجنس (النوع): لعلّك كلما فكرتِ بينك وبين نفسك في موضوع المظهر تذمّرت قائلة: "إن هذه هموم المرأة وحدها أما الرجل فلا يعيبه الشكل". والحقيقة أن جنسنا يؤثر في صورة جسدنا سواء كنا ذكورًا أم إناثًا، لكن نوعية الانتقاد المُوجَهة وطبيعته وكثافته تختلف تبعًا للجنس، لا يُطلَب من الرجل أن يكون بديع الجمال، لكن المجتمع ينظر إليه ويحاكمه بناء على حجم جسده ولون بشرته وشعره، ويمدحه أو يقدّره كلما ازداد مظهره رجولةً كما يفرضها ويرتضيها هذا المجتمع دون غيره من المجتمعات.

 إلا أن النصيب الأكبر من هذا النوع من الضغوط تناله المرأة بسبب فكرة سائدة مفادُها أن المطلوب من المرأة هو جمالها والمرغوب فيها هو جسدها، وأن ما يجعلها امرأة هي أنوثتها، أيضًا نعني الأنوثة التي يفرضها ويرتضيها مجتمع دون آخر، لذا لا يمكنني معارضتك عندما تعتبرين أن همّ المظهر همّ مفروض عليك وأنك تحاسبين عليه أكثر من سواك.


اقرأ أيضًا: كبسولات لتقدير الذات


| العمر: تتعلق صورة الجسد بالمرحلة العمرية التي ننظر خلالها إلى هذا الجسد، فلعلنا في طفولتنا نكون أكثر تسامحًا مقارنة بحدّة ودقة تعاطينا معه في المراهقة، نزداد نضجًا واستقرارًا في نظرتنا للأمر كلما اقتربنا من الرشد وانشغلنا بالحياة والعمل، واعتبرنا أن الشكل موضوع جانبي، لكن رضانا أو عدمه لا يتزن كليًا بالضرورة وتبقى لدينا -نحن النساء غالبًا- درجة من عدم الرضا عن الوزن بالذات.

| الحالة المزاجية: وهنا ستشعرين بالتأكيد أنكِ مررتِ بحالة مماثلة، فكم من مزاجٍ معكَر جعلك تنظرين للعالم بأكمله نظرة سوداوية، ومن ثمّ انعكست السوداوية على نظرتك لجسدك، وكم من مرة قللت من أهمية تقدير الذات، وكم من مزاج رائق أرضاك عن الحياة ومنحك نظرة وردية للأشياء ونظرة متصالحة جدًا مع ذاتك وجسدك.

| الأسرة والأقران: وبعبارة أخرى: الآخرون من حولنا، علمًا أن لكلٍّ من هؤلاء تأثيرًا مختلفًا عن الآخر، فالأسرة متمثلة بالأبوين ومدى اهتمامهما بأشكال وأجساد الأبناء، ومدى تمييزهما وتفرقتهما أو عدلهما معهم بناء على المظهر تسهم في تنشئة فرد راضٍ ومتصالح مع جسده، أو فرد مهزوز منذ البداية ومتشكك بجسده وخارج إلى العالم مع عقد مسبقة حمّله إياها أبواه أو المنزل ككل، والأقران كذلك لهم تأثيرهم من حيث أنهم المرجع العمري الأقرب لنقارن أنفسنا بهم، ومن حيث أن تقبلهم أو رفضهم لمظهرنا هو ما يخوّلنا من تكوين الصداقات أو يصعّب علينا ذلك.

أهمية تقدير الذات
عزيزتي المرأة أنت لا ترين جسدك، بل ترين فهمَ ذهنكِ حول هذا الجسد لذلك حاولي أن لا تقللي من نفسك أبدًا

| وسائل الإعلام: كم مرة فتحتِ التلفاز وسمعت مسلسلًا يطلِق أحكامًا مسبقَة على النساء مستندًا على أشكالهن؟ فممثل يمد يدَه بشيء من الغِلظة ليطعِم امرأته قائلًا: (أنا بحب المَرَة مربربة!)، وآخر يتسكع ويتحرش (يلطِش) فتاة معتمدًا واصفًا شكلها "بالصاروخ"، وجَمعة سيداتٍ تتمحور بكلها حول الوزن واللون وعمليات التجميل.

 فإن غيّرتِ المحطة أو تركت التلفاز برمّته وتصفحت مواقع التواصل فستجدين نفسك في الدوامة نفسها، حيث المشهورات يظهرن مُفلتَرات الوجه، منحنياتهن حسنة ومثالية، بشراتهن صافية وأعمارهن تبدو أصغر فيما أنت المكافحة في هذه  الحياة لديك بثور وحبوب وتكتلات دهنية وتجاعيد، لن أنفيَ الهموم عن المشهورات، وأقول بأن مقوماتِ الجمال متاحة لهنّ ومحظورة علينا.


اقرأ أيضًا: الإنستجرام وإعادة تعريف الذات: ماذا ترى في المرآة؟


 لكنني سأقول من منظور أعمق بأن ذلك هو مجال عملهن، وأن هذه هي الهيئة التي يجب أن يظهرن بها ومنها (يأكلن عيشًا)، فهل هنّ بعيدًا عن الأضواء كما هنّ قريبًا منها؟ لذا، دعك من المقارنة بهنّ، فهنّ نفسهن لسن بالروعة التي يظهرن لك بها عبر شاشة جوالك. والآن، هل عرفت مصدر الصوت الذي يحادث انعكاس مرآتكِ؟ لا يمكننا القول إنه أنت، ولا يمكننا القول إنه ليس أنتِ، بل هو كل هؤلاء.

كيف تقدرين ذاتك؟

الأقرب منا للصحة النفسية والمُحافِظَة على توازنها النفسي ستجدينها تحوّل هذا الصوت، ومِن خلفِه صورة الجسد  إلى صورة إرادية، كيف ذلك؟ تحاول إعطاء الأمر حقه بلا زيادة ولا نقصان، فتنتبه وتعي أن الشكل مهم، لكنه ليس كل شيء، وتفصِل بين ما تفضّله حقًا وما فرضه عليها الآخرون، فتختار ما يهمها وتستمر في التركيز عليه وتسكِت الأصوات التي تتحدث بما لا يعجبها، فتحصل على صورة جسد منتقاة بعناية، لا صورة جسد غير إرادية قد أُجبِرت عليها.

اطردي الأشباح الذين يخاطبون انعكاسك معك، لا تسمحي لهم بمشاركة صوتك الخاص عندما يود أن يُطري عليك، ولا تدعيهم يفسدوا أو يتدخلوا في العلاقة بينك وبين الصورة التي تكوّنينها في ذهنك ثم تقرئينها بعد ذلك في المرآة، فأنت لا ترين جسدك، بل ترين فهمَ ذهنكِ حول هذا الجسد. اذهبي إلى مرآتك الآن، اسمعي صوتك أنتِ، أخفضي صوتَ الشبح، ولا تتركي نفسك للتيار، واستوعبي أهمية تقدير الذات  وأنها هي المفتاح نحو الرضا عن النفس.