بنفسج

أمل أبو عاصي: روحُ النصِّ العابر للقضايا

الأربعاء 18 يناير

شعراء فلسطين في العصر الحديث
شعراء فلسطين في العصر الحديث

ضحكة كل حزين، وحقيقة كل حلم هي ما يستميت المحتل في قتله  لهدم الإنسان، وهي أسلحة  الأمل التي تذكي روح المقاومة بالحرف؛ فتختار القصيد ليكون طريقًا تعبّر فيه عن الهم والهمة، وعن الإنس والإنسانية، عن الأسرى والأسر، وعن الشاهد والشهيد ، وما يسبقهما من وطنية؛ لتتحول دفاتر الطفولة المهترئة من الانكسار إلى عائلة أدبية ولّادةً للقوة.

من طفلة محرومةٍ حالمة إلى امرأةٍ مسؤولة واهبة، وفارسة تعرف كيف يمتطي المرء الكلمة ليقاوم به السيف، وسيدة تقدّس الرباط المقدس على الأرض  والرابطة العائلية ، وتحرص على الاتصال والصلة مجتمعيًا، وتعكف على انضاج البذرة عمليًا وعلميًا، وتعتنق الأفكار بحب، وتحتضن الموهبة بشغف، كما تجسّد اسمها في نثر الأمل، ولتكون نموذجاً لشعراء فلسطين في العصر الحديث، ونموذجًا للمرأة الفلسطينية الرائدة.

إنها السيدة أمل أبو عاصي، الحاملة لقبس اسمها وهي تمضي في تحقيق الحلم كأكبر برهان على سنوات العمر التي قضت منها 38 شتاءً، والحاصلة على درجة الماجستير في اللغة العربية بامتياز في ظل ممارستها لشعائر الأمومة لأميرتين ورثنَ عنها اللغة، وفارسين أهدياها أجمل ألقاب الحياة، وهي شاعرة فلسطين، تنطق باسم القضية والإنسانية، وكاتبة بعينٍ ناقدة  تنسج نصًا يفسر، ويناصر، ويقاوم، ويعالج بقالبٍ فني.

أمل: عن شاعرات فلسطين

شعراء فلسطين في العصر الحديث

 

الشاعرة أمل، نموذج عن شعراء فلسطين في العصر الحديث، بدأت حكايتها مع الكلمة في خزانة الشوق، حين أخذت تداري قهر الغياب الذي ولّده اختطاف الاحتلال الإسرائيلي لمصدر الحنان الأسري في العائلة، في لحظة قرر فيها حجب النظر عن والدها، ليحرم شفتيها من بهجة الاستقبال وهي تردد كلمة "بابا"، ذاك الرجل الملهم في الحضور والغياب.

وهذا  الأمر الذي دفع أمل لاستدعاء القلم الذي أشعل شرارة الحرف كسلاحٍ وحيد لخروج طفلة من انكسارها والحرمان ، بالتعبير عبر أقلامها الرصاصية؛ منتجةً أربعة دفاتر حرصت على اخفائها تحت طبقات ملابسها؛ كي يكون بطلها أول من يرى كتاباتها كهدية اللقاء عقب التحرير.

الشاعرة أمل، نموذج عن شعراء فلسطين في العصر الحديث، بدأت حكايتها مع الكلمة في خزانة الشوق، حين أخذت تداري قهر الغياب الذي ولّده اختطاف الاحتلال الإسرائيلي لمصدر الحنان الأسري في العائلة، في لحظة قرر فيها حجب النظر إلى والدها، ليحرم شفتيها من بهجة الاستقبال وهي تردد كلمة "بابا"، ذاك الرجل الملهم في الحضور والغياب.

وهذا  الأمر الذي دفع أمل لاستدعاء القلم الذي أشعل شرارة الحرف كسلاحٍ وحيد لخروج طفلة من انكسارها والحرمان بالتعبير عبر أقلامها الرصاصية؛ منتجةً أربعة دفاتر حرصت على إخفائها تحت طبقات ملابسها؛ كي يكون بطلها أول من يرى كتاباتها كهدية اللقاء عقب التحرير، إلى أن تحقق وعدها بروعة ملامح والدها المندهشة حين نظر إلى قصائد ابنته البسيطة، فغشيته الفرحة، وأغرقها بالثناء والتحفيز ورسم لها الآمال والوعود.

وحول المسيرة التعليمية، فقد التحقت أمل بركب المتزوجين باكرًا عن عمر يناهز(15) عامًا، ولكنها ظلّت على قيد الدراسة حتى أتمت الثانوية العامة ثم انقطعت لمدة (8) أعوام؛ في سبيل تربية أطفالها الأربعة وهي عازمة على أن لا تتخلى عن حلمها باكمال مشوارها الدراسي، لتُفتح لها طاقة النور مجددًا بانضمامها إلى الجامعة الإسلامية في غزة لدراسة اللغة العربية، وعكفت على الاجتهاد إلى أن تخرجت بترتيب الأولى على كلية الآداب- قسم اللغة العربية-؛ ليكون هذا الإنجاز جناحًا دافعًا للتحليق بحكمةٍ نحو التحضير لبرنامج الماجستير، فنالت الدرجة العليا في اللغة العربية بمرتبة مشرفة، وامتيازٍ جديد.

شعراء فلسطين في العصر الحديث

رحلة التميز لم تكن سهلة، فقد تقسمت المهمات بين دورها كأم وهو الأهم من وجهة نظرها، وبين واجباتها كزوجة وابنة، كما أن ثقل الأعباء ارتفعت بحكم مسؤولياتها فاعلةً مجتمعيًة ً ومؤسساتية ً، وامرأة عاملة في ذات الوقت؛ لتجتمع كل هذه الضغوطات على قرار مصادرة مساحة الراحة الخاصة بأمل، والتي استبدلتها بدعم الزوج وأهله، وفرحة الأبناء الممزوجة بفخر العائلة،  لتتحرر من إرهاق المرحلة بالاستمتاع في الرحلة.

وترى أمل أن القراءة هي اجتماع للعقول، وطريق لتبادل الفكرة، والمعلومة، والتجربة دون سابق معرفة، تنسج في طريقها علاقة مدهشة بين القارئ والكاتب وما يجمعهما من نص، كما أنها مفتاح الدخولِ إلى عالمٍ خاص، محفوف بالاختلاف، ومُغرَق بالتجارب، مؤكدة على بهت الكتابة وسطحيتها دون قراءة، كون الكتابة والقراءة فعلان متلازمان، لا ينفكُّ أحدهما عن الآخر وإلا أُصيبت الكلمة بالعقم.


اقرأ أيضًا: هبة أبو ندى.. عندما لم تُعْجبها نهايةُ الحكاية


وأضافت أمل أن الكتابة هي فعل لصناعة الحدث والتاريخ، وصنع للنهضة، وأنها وسيلة لإحياء الأمم إن عملت الأيادي إلى جانب الأسماع، حيث تؤمن أمل بقوة الكلمة دون الاكتفاء بها عند حدود الجدوى، بل بتعديها إلى التطبيق العملي دون الاقتصار على التنظير، والذي بات يحوّل الكتابة إلى فعل استعراضيّ لجمع القراء والمتابعين، وهو ما تنفيه أمل عن سمو غاية الكتابة البعيدة عن الركض وراء عوالم مضيئةٍ من الخارج، ومعتمةٍ مُهلِكةٍ من الداخل.

العائلة الأدبية تقدم واحدة من شاعرات فلسطين

شعراء فلسطين في العصر الحديث
مؤلفات الكاتبة أمل أبو عاصي 

ديوانان وروايتان أفراد عائلة أمل الأدبية، والتي بنت نواتها منذ ميلاد ديوان "أربعة فصول للضباب" الابن البكر لهذه العائلة، وتبعه "ديوان سفر الوقت"، ثم تجلّت رواية "عندما يتعرى النهر"، لتفتح عقبها الطريق أمام رواية "شيء من لو"، ولكن قلم أمل لم يتوقف عند حدود الأدب، بل تخطاه إلى إنجاز الأبحاث العلمية والدراسات النقدية، وتقديم عدد من الإصدارات الأدبية لأدباء رائعين.

أما عن قصص المخاض لكل مولودٍ أدبي فقد تعددت واختلفت، إلا أنها اجتمعت في الشعور التي عجزت أمل عن وصفه منذ ميلاد الديوان الأول الصادر عن دار ابن القمري في مصر، قائلةً: "هل يُوصفُ ما يحدث ونحن فوق الفوق، وبَعد البَعد، متجاوزين الزمان والمكان والإمكان إلى ما ليس بالإمكان؟!".

شعراء فلسطين في العصر الحديث

ولأن الكلام يطول اقتصرت أمل في حديثها عن روايتها الأخيرة "شيء من لو"، والتي جاءت فكرتها من حدثٍ عابرٍ وقع أمامها في قضية الإدمان، فقررت أن تنصّب المدمن بطلًا لروايتها؛ لتكشف عبره عن حقيقة منافية لتهمة المجتمع له، وتبرزه كضحية أسرة أو أصدقاء أو مجتمع، أو كلها معًا، موثقةً لرحلته منذ وقوعه في المستنقع وحتى معافاته وتحوله لأيقونة نجاح يُعتدّ بها، وحين أتمّت أمل حياكة الحكاية، صدرت هذه الرواية عن دار ديوان في الكويت، لتجدد قسوة تجربة المخاضِ دون شهادة ميلاد ، فلم تستطع أمل احتضانها إلا بعد شهورٍ طويلة، ودون حفل توقيع.

أما عن سر اختيار العنوان، فقد أجابت أمل السؤال بأسئلة عدة افتتحتها بماذا لو لم يحدث ما حدث؟ واختتمتها بماذا لو كنا السنَد الحقيقي والأبطال المجهولين للكادحين اليائسين؟ وما كان بينهما هو استفسار حول الإيمان بالنفس، ثم ماذا لو ولدنا في ظروف مختلفة؟ لتلخص طبيعة الكاتب في امتناعه عن تمرير الأحداث العابرة بطريقة عادية، وهو ما هيأ هذه الرواية لتفوز بقلب القراء، كأجمل ما كتبت أمل على حد وصفهم.


اقرأ أيضًا: جهاد الرجبي: صوت ياسمين الشام ورصاص فلسطين


وعن مصدر إلهام الشاعر، فقد أكدت أمل على اختلاف الطقوس من شاعرٍ لآخر، وأن لكلٍ ملهمٌ وأحوال، فالفرح في عيون الكادحين، والضحكةُ في وجوهِ المقهورين، والأمل في قلوبِ اليائسين، هو ينبوع إلهام حرف أمل، وفي ذلك تقول أمل: "للشَّاعر أنُ يَسْتَمِدَّ نُوَره من أَيِّ نجْمَةٍ أَرادَ في السَّماءِ الفسيحةِ، ويَقْطُفُ زَهْرَتَهُ من أَيّ حَديقَةِ رَغِبَ في الأرض البسيطةِ، وله أن يقارعَ التاريخَ، ويفرضَ الحَاضر، ويُفلسفَ المستقبلَ، وهو في ذلك كله يريدُ أن ينشدَ ألحانًا لا تجرحُ شفاهَ العصافير".

وأكدت أمل على شمولية الموضوعات التي يمكن للشاعر أن يكتب فيها، وللمرأة الفلسطينية أن تقدمها، فله أن يكتب في كل شيءٍ، وعن أي شيءٍ، وهي ما فعلته في كتبها حين احتضنت الوطن، والأسرى، والحرية، والعودة، والحبّ، والصَّداقَة، واليُتْم والتَشَّرُد، وغيرها، لتحظى بلقب "زيتونة الأقصى"، و"شاعرة الأسرى والفقراء".

الجوائز والأمسيات

شعراء فلسطين في العصر الحديث
صور الكاتبة الفلسطينية أمل أبو عاصي  في مناسبات مختلفة

رحلةٌ بدأت بالبحور والأوزان فتكللت بجوائز كثيرة، حيث توَجت أمل بلقب أفضل شاعرة في مهرجانِ بِلقيس الدّولِيّ الثَّالِثِ في الجزائرِ، بعد تمثيلها لفِلسطِينَ على أرضِ الجزائر، كما أنها حصدت جائزة مجلس الأُدَباءِ والكُتَّابِ والمُثَقَّفين العَرَب، لتتربع في المَرْتَبَةِ الأُولى عن مجالِ الشُّعرِ، كما حظيت بجائزة الفْينيقِ بعد استحقاقها للترتيب الأول على مستوى الوطن العربي أيضًا.

 ومن قبل، فقد حلّقت بجناحي أبياتها على منصة الجامعة الإسلامية لتجني لقب شاعرة الجامعة، ثم انطلقت نحو المركز الأول على مستوى فلسطين في مسابقة وزارة التربية والتعليم العالي ووحققت هذا الانجاز لأكثر من دورة، كما و نالت شرف الاتصال بسند النبي - صلى الله عليه وسلم- كأعظم الجوائز والعطايا الحياتية.

وحول التحديات، فقد أصرّت أمل على الاحتفاظ بها لنفسها؛ رغبةً منها في الامتناع عن إفساد متعة القارئ في مزاحمة صراع صعوباتها لتفاصيل بهاء الرحلة، إلا أنها تطرّقت للحصار كمأساةٍ جماعية نهشت الكثير من الفرص المطروحة أمام الأدباء الفلسطينيين المقيمين في غزة، مشيرةً إلى ذكائهم في محاصرة الحصار، وقوتهم في تصيير وسائل التواصل الاجتماعي وتحويلها إلى منابر حرة لايصال رسائلنا إلى العالم، ووسيلة للمشاركة في كثير من الفعاليات والأمسيات والمؤتمرات، التي تكلّلت بانتصار القلم.

شعراء فلسطين في العصر الحديث

وقد أكدت أمل أن إدارة الأمسيات فعلٌ كفيل بإهدائها متعة تفوق بهاء المشاركة المقتصرة على صفتها كشاعرة، موضحةً أن تقديم الشعراء يعني طرق الأسماع والأبصار والقلوب معًا، وإعادة التهيئة لاستقبالِ شاعرٍ جديدٍ، فالمشاركة من وجهة نظرها هي وسيلة للانخراط في إعادة إنتاجِ النصوصِ، وطريق للتفاعل المتمعن عن قرب، وتجلّي لمشاركة النصوص وليدة اللحظة.

وتعتبر أمل أن الأمسيات عبر مواقع التواصل الاجتماعي شبّاكًا يطل على العالم، وفرصة لدعم الحق وأهله، وماكنة لايقاف الجميع عند مسؤولياتهم، كي يثمر السعي بظهور إمام عادل، قائلةً: "علينا أن نصدح بحقوقنا عبر منصات التواصل، فإن لم نحصل في مسعانا على إمام عادل، فإننا لن نحصل إلا على ...".

وأشارت أمل إلى أمسيةٍ كانت على هامشِ مهرجان بلقيس الدولي الثالث في الجزائر، كأجمل أمسية من حيث نوعية الحضور، والمستوى الأدبي والثقافي، والتفاعل مع النصوص الذي فاق المعقول.


اقرأ أيضًا: حفيدة الطنطاوي: حكايات نسجت سيرة ذاتية ملهمة


وفي رحلة الأمسية هذه، عكفت أمل على حمل هموم أدباء غزة بل وشعراء فلسطين في العصر الحديث، وحاجاتهم وتطلعاتِهم كأمانة عظيمة أدتها قبل العودة إلى أرض الوطن، فقد اتفقت مع أكثر من مؤسسةٍ أدبيةٍ ودار نشرٍ على التعاون مع أدباء غزة، والتي حال الإغلاق بينها وبين الاستمرار في التواصل، كما حالت كورونا دون تنظيم مهرجان رابع في الجزائر يستضيف شاعراتٍ وشعراء آخرين من غزة، لكن المحاولات مستمرة، فغزة كنز المواهب، وأدباؤها يستحقون الأفضل.