بنفسج

في أربعة أشهر كيف حفظت القرآن كاملًا؟

الخميس 09 مارس

قصّ عليّ حلم ليلته الماضية: «كلانا في سيارة في الصحراء وأنتِ تقودينها، ثم نزلتُ أنا بعد خمس دقائق، وأكملتِ القيادة بحثًا عن أول نقطة خضراء». صمتتْ، فسألني: «غريب الحلم؟». أضم يديه في رفقٍ بين يديّ واستمر في كذبي: «لا.. بل حلمٌ جميل». لكنني لم أنس ارتجافة قلبي وقتها، ارتجافة من أصبح يعرف أنه سيكمل الطريق وحده، قطع صمتي قائلًا: «لازلتُ أتمنى أن أرتدي تاجًا من نور يوم القيامة بحفظك للقرآن»، صمتتْ ثانيةً.

كنت أبلغ الخامسة من العمر حين كان أبي يوقظنا لصلاة الفجر، بمجرد انتهائها، كان يستدير ويسألنا عما قرأناه في الركعتين، فننفجر ضاحكين. كان يعلم أننا نكمل نومنا في الصلاة، فيساعدنا على التركيز بذلك السؤال، لكننا، غالبًا، لم نكن نتذكر. كلما كبرنا كان يشجعنا على قراءة سور مختلفة في كل صلاة، حتى لا ننسى ما حفظناه. في تلك السن المبكرة، نشأت علاقتي بالقرآن، وكانت علاقة متزنة هادئة.

حين بلغت السادسة، كنت أحفظ «ربع يس» حفظًا متقنًا، وأسعد بقدرتي على دخول المسابقات والفوز دائمًا بالمراكز الأولى، وأفرح عندما يتباهى أبي أمام الناس حين أبدأ الترتيل، وأنا لا زلت كائنًا صغيرًا يبكي لأجل قطعة حلوى إضافية، إلا أن صفو ذلك الوداد مع القرآن لم يدم طويلًا. كعادة أي بيت ذي توجهات إسلامية، يهتم الوالدان بتعليم أولادهم القرآن.

 المحفّظ ثابتٌ أساسيٌّ بجوار الدراسة والألعاب. ببلوغي العاشرة، بدأتْ حالة التمرد؛ لا أريد أن أحفظ، أهرب من والدايّ بكل الطرق، أحصل المواد الدراسية بسرعة الصاروخ، وأكون من الخمسة الأوائل دائمًا إلا في القرآن، الأمر الذي أصاب أبي بالحيرة.

كنا نطفئ أنا وإخوتي الأنوار تمامًا، وندّعي أن الكهرباء مقطوعة، ونجلس لنحفظ في الظلام حتى تضيع الحصة. آخر كانت طريقته قاسية جدًا معنا، فكنت أشكوه لأبي، فلم يأخذ قرارًا بشأنه، فقررت الاعتماد على نفسي؛ عرفت أنه يتبع نظامًا غذائيًا لتقليل الوزن، فكنت "أعافر" -وطولي لا يتعدى المتر- لأصل لعلبة السكر كي أضع له عشر ملاعق في العصير. وهكذا، حين يغضب ويرفع صوته لم أعد أتضايق، بل أشعر برضى تام، فما هي إلا لحظات وسيشرب العصير الذي أعتبره ردي على تلك القسوة. المهم أنهم عاملونا دائمًا كآباء ولهم فضل لا أظنني سأنساه.

قصّ عليّ حلم ليلته الماضية: «كلانا في سيارة في الصحراء وأنتِ تقودينها، ثم نزلتُ أنا بعد خمس دقائق، وأكملتِ القيادة بحثًا عن أول نقطة خضراء». صمتتْ، فسألني: «غريب الحلم؟». أضم يديه في رفقٍ بين يديّ واستمر في كذبي: «لا.. بل حلمٌ جميل». لكنني لم أنس ارتجافة قلبي وقتها، ارتجافة من أصبح يعرف أنه سيكمل الطريق وحده، قطع صمتي قائلًا: «لازلتُ أتمنى أن أرتدي تاجًا من نور يوم القيامة بحفظك للقرآن»، صمتتْ ثانيةً.

ظللت ستة أعوام كاملة أهرب بشتى الطرق حتى جاء يوم لا أنساه؛ كنتُ جالسة بجوار أبي على السرير حين اشتد مرضه، أفرط له حبات من العنب الأحمر وأضعها في يده. البقع المتزايدة على ظهر يديه تخبرني أن حالته أسوأ. يسألني: «هل تتناقص البقع؟». فأجيبه كذبًا: «نعم.. قريبًا ستصبح أفضل». 

قصّ عليّ حلم ليلته الماضية: «كلانا في سيارة في الصحراء وأنتِ تقودينها، ثم نزلتُ أنا بعد خمس دقائق، وأكملتِ القيادة بحثًا عن أول نقطة خضراء». صمتتْ، فسألني: «غريب الحلم؟». أضم يديه في رفقٍ بين يديّ واستمر في كذبي: «لا.. بل حلمٌ جميل». لكنني لم أنس ارتجافة قلبي وقتها، ارتجافة من أصبح يعرف أنه سيكمل الطريق وحده، قطع صمتي قائلًا: «لازلتُ أتمنى أن أرتدي تاجًا من نور يوم القيامة بحفظك للقرآن»، صمتتْ ثانيةً.


اقرأ أيضًا: اقرأ وارتق وارتو: كيف نتدبر القرآن؟


رمضان بعد أربعة أشهر، وأنا لا أحفظ إلا سبعة أجزاء، ثلاثةٌ وعشرون جزءًا متبقية. قررت أنا وصديقتي "آلاء" أننا سنختم القرآن قبل أول أيام رمضان. يستلزم هذا خطة محكمة، ويستحيل أن يتم بشكل عشوائي. ثمّة أشياء لابد أن تتوفر حتى أنجز هذا التحدي:

التخطيط: قسّمت 23 جزءًا على 4 أشهر، هذا يعني 6 أجزاء تقريبًا في كل شهر، أي حفظ ربع جزء ونصف الربع يوميًا بمعدل 4 ساعات لليوم الواحد، الأمر الذي ربما بحسابات العقل يكون صعبًا نوعًا ما، لكنه حدث.

الدافع: في حياتي، أجد صعوبة في تنفيذ الأشياء التي لا أعرف لماذا يجب عليّ فعلها، ومشكلتي القديمة مع القرآن كانت من هذا النوع، كنت أسأل:  لماذا يجب أن أحفظ القرآن؟ «حتى يحبك الله، وحتى تقرأينه في الصلوات وحتى ... وحتى .. »، أومئ برأسي لوالديّ لكن الإجابات لم تكن قد تملكتني بعد.

لقراءة المقال كاملًا، من هنا.