بنفسج

مع القرآن: بركات أحفت حياتي ومسيرتي

الثلاثاء 22 نوفمبر

حفظ القرآن الكريم
حفظ القرآن الكريم

كنت أتوقع رحلتي مع حفظ القرآن الكريم، في فترة معينة، أن الأمر سينتهي بتتويجي حافظة لكتاب الله، ثم أُلحق بزمرة الذين يُطلق عليهم "حفظة لكتاب الله"، وبعدها أدور في عجلة الحفظ والتثبيت إلى أن يشاء الله. في مرحلة محددة كان هدفي من الحفظ أن أحفظ الآيات وأن أتلوها غيبًا دونما خطأ أو لعثمة، كان تصورًا سطحيًا أن أحفظ القرآن لمجرد الحفظ والتسميع والمسابقة للختم، نعم، هو هدف نبيل وفضل شريف، لكن التحويم حوله حجب عني بعض ما كنت إليه أحتاج وأتوق وأتشوق! إنه الإحساس والارتباط والشعور والتأثر والتدبر والعمل!

| عن حفظ كتاب الله

في السنة الدراسية التي حفظت بها القرآن أكرمني الله بمعدل مرتفع جدًا، وتوجت من أوائل المدرسة، ونشطت في القراءة والكتابة والاطلاع والأنشطة، مع أن الأغلب كان ينصحني أن أهتم بدراستي ولا أزاحم ذاك بهذا، لكنني تعلمت التجويد مع الحفظ مع الدراسة في ذات الوقت ولم يزدني ذلك إلا صفاء وتفتحًا وحبًا للحياة.

كنت فتية غضة عندما أتممت حفظ القرآن الكريم، وكان الشغف يغلب صعوبات الحياة وتحدياتها، لكنني الآن بت أحتاج إلى نظرة مختلفة إلى القرآن وعلاقة أكثر عمقًا وارتباطًا أكثر عاطفة وحسًا.  خصوصًا عند تعلقي الشديد بمعنى البركة وإحساسي بمعنى أن القرآن كله بركة، مجالسته وحفظه ومراجعته، وتعلم أحكامه وتلاوته وتجويده وتفسيره وكل ما يتصل به وبأهله الذين هم أهل الله! لن أتحدث بوصفي حافظة أو غير ذلك.

أنا لا أحب أن أتدثر بالألقاب وأركن إليها، فمتصدروا لقب حافظ وحافظة كثر جدًا، سألفت فقط إلى إشارات البركة ومحطات الفتح الرباني في هذا المشوار الجميل وما أكثرها. سأتحدث بعد يوم شاق من الاختلاط بطالباتي اللواتي أسمع لهن القرآن، وأحاول أن أسقيهن حلاوته كجمال أن تسكب الماء في جوف الظمآن.

بدأت الرحلة من كتيب صغير فيه بعض السور القصار، مركون على الرف منذ زمن، جودته متواضعة وحروفه غير واضحة، رددت سورة يس حتى حفظتها، ثم الحديد حتى قطعتهن سورة سورة. وجاء ذلك اليوم المرتقب، دخلت أحمل كتاب الله في يدي إلى المسجد، وخرجت أحمله في قلبي وأضعه تاجًا فوق أحلامي ونبراسًا يجعل من أهدافي وحياتي وزماني شيئًا عظيمًا.


اقرأ أيضًا: صاحب القرآن... الحفظ والتدّبر وضبط التلاوة


منذ تلك اللحظة والبشريات السمائية تتوالى والرسائل الربانية وبركة القرآن تحضر في كل محطة من محطات حياتي. جاءت الكرامات سريعًا: في السنة الدراسية التي حفظت بها القرآن أكرمني الله بمعدل مرتفع جدًا، وتوجت من أوائل المدرسة، ونشطت في القراءة والكتابة والاطلاع والأنشطة، مع أن الأغلب كان ينصحني أن أهتم بدراستي ولا أزاحم ذاك بهذا، لكنني تعلمت التجويد مع الحفظ مع الدراسة في ذات الوقت ولم يزدني ذلك إلا صفاء وتفتحًا وحبًا للحياة، وإقبالًا على العلم والعمل والتركيز والشغف والطموح. كان القرآن على الدوام وقودًا لهمتي وأهدافي.

| تلميذة ومعلمة على موائد الوحي

أكرمني الله بملتقى القرآن الكريم في الجامعة العربية الأمريكية، حيث درست تخصص هندسة الحاسوب، وبعدها تعرفت إلى صحبة القرآن التي لا زالت ترافقني برابطة لا تنفك عراها، وكأن فروعها وصلت إلى السماء واستقرت في الفردوس الأعلى.

 "بعد ارتحالي إلى الحياة الجامعية كان الأمر بمثابة أن تقف على أطلال بحر لجي أنت مجبر على عبوره دون أن تغرق، فاخترت أن أطوق روحي بالقرآن، وأن أركب سفينة الأمان التي لا تطالها الأمواج، كيما تأخذني الطريق إلى سراديبها الضيقة فأذوب وتذوب همتي. أكرمني الله بملتقى القرآن الكريم في الجامعة العربية الأمريكية، حيث درست تخصص هندسة الحاسوب، وبعدها تعرفت إلى صحبة القرآن التي لا زالت ترافقني برابطة لا تنفك عراها، وكأن فروعها وصلت إلى السماء واستقرت في الفردوس الأعلى.

من أعظم النعم التي تلحق بـ حفظ القرآن الكريم أنه يجعلك على اتصال مع أهل الله وخاصته. تزامن ذلك مع التحاقي بالإشراف على بعض الطالبات الملتحقات بالملتقى، طيلة سنواتي الدراسية حتى التخرج وما بعد التخرج، رافقت طالبتي شهد في التسميع لها وتعاهد حفظها حتى جاوزت العشرين جزءًا، وهي الآن على وشك أن تتوج حافظة لكتاب الله.

| قداسة الوحي وقداسة الرابطة

 وآخر بشريات القرآنية جاءت بعد عقد قرآني على رفيق دربي وقريب قلبي مصعب، أهديته أنا في زيارته الأولى لي بعد العقد المصحف الذي حفظت به القرآن، حتى نستفتح هذه الرابطة ببصيرة الوحي، فتلتقي بركات الأرض ببركات السماء، وتتحد قدسية الحب مع قدسية القرآن.

طلبت منه الحفاظ عليه وتلاوة ورده منه ما استطاع إلى ذلك، وكنت قد حفظت صفحاته من التمزق وغلافه من أن يبلى أو يخلق، وكنت متأكدة من أن مصحفي في أمان إذ وضعته بين يدي مصعب، وأن أكثر شيء أحب الحفاظ عليه سأهديه لمصعب بلا ريب، فهو الذي وضعت بين يديه مشاعري وأسلمته روحي واستأمنته على نبضات قلبي. يومًا بعد يوم تزداد قناعتي أن حفظ القرآن الكريم يعيد تشكيل الأهداف والمشاعر والشخصية والقلب والوجدان تشكيلًا إلهيًا، ويزداد إدراكي مع كل محطة من البركات تمام الإدراك واليقين أنه ما زاحم القرآن شيئًا إلا وبثّ فيه الحياة، وطرح فيه البركة، وجعله أكثر جمالًا.