بنفسج

متلازمة انتظار بدء الحياة... وفقدان "الآن"

الثلاثاء 16 مايو

لم تبدأ حياتي بعد، عليّ الاستمرار في الركض والتخطيط، لا وقت للمتعة أو الراحة، فحياتي الحقيقية مؤجَلة إلى أن... أرأيتِ هذه النقاط الثلاث؟ املأيها بما شئتِ وواثقة أنه سيخطر في بالك الكثير، لأنني ولأنك _على الأغلب_ مصابون بتلازمة لا أظنها كانت معروفة فيمن قبلنا، حيث كانوا يعيشون يومهم كما هو ولم يختبروا فكرة التشوق الزائد لأحداث معينة، والمتلازمة تُدعى متلازمة انتظار بدء الحياة؛ وتعني انتظار الفرد لحدث محوري ومهم يغير حياته ويقلبها من حال إلى حال ليستطيع القول بعده بأنه حي، وأنه شعر للتو أن عمره بدأ.

ما هي متلازمة انتظار بدء الحياة؟

متلازمة انتظار بدء الحياة

تتعلق الأمثلة بحالة كل شخص وأمانيه وما ينقصه، فربما أظن أن حياتي ستبدأ بعد الزواج، وتظنين أن حياتك ستبدأ بعد نيل الماجستير، وتظن أخرى أن حياتها تبدأ بعد توظيفها في وظيفة تطمح إليها. والمثال الأشهر في هذه الفترة هو الظن بأن حياتنا ستبدأ بعد السفر والخلاص من بلداننا بالهجرة إلى بلدان مأمولة نظن أنها ستنقلنا إلى مرحلة إنسانية أعلى.

أمثلة عن الأحداث المحورية التي ينتظرها الناس ليبدؤوا حياتهم: كما اتفقنا قبل قليل، سنملأ الفراغ بعد هذه الجملة (الحياة مؤجلة إلى أن…) بأمثلة عديدة وكثيرة. تتعلق الأمثلة بحالة كل شخص وأمانيه وما ينقصه، فربما أظن أن حياتي ستبدأ بعد الزواج، وتظنين أن حياتك ستبدأ بعد نيل الماجستير، وتظن أخرى أن حياتها تبدأ بعد توظيفها في وظيفة تطمح إليها، أو عندما تصبح أمًا.

والمثال الأشهر في هذه الفترة هو الظن بأن حياتنا ستبدأ بعد السفر والخلاص من بلداننا بالهجرة إلى بلدان مأمولة نظن أنها ستنقلنا إلى مرحلة إنسانية أعلى، إلى آخره من الأمثلة الخاصة بكل فرد على حدة ، وقد  لمّحت لك قبل قليل بالقاسم المشترك، فهل لفت نظرك؟ ينتظر الناس أشياء مختلفة في ظاهرها ومتماثلة في نقطتها الرئيسة، فالناس ينتظرون ببساطة: ما ينقصهم .


اقرأ أيضًا: "فشة غل": غضب يُفرغ في تكسير الأشياء


مشكلة الكائن البشري الدائمة هي أنه يفشل في النظر لِمَا معه، تنغّصه النواقص، فيغصّ، وعندما يغص يعجز كليًا عن رؤية ما بين يديه، يشعر أنه لن يطيب له عيش حتى يتحقق الحدث الناقص المنتظَر، فيقع في فخ متلازمة انتظار بدء الحياة، فيخفق في الانتباه إلى أنه محاط بعائلة محبة أو إلى أنه ناجح مهنيًا، ولا يلحظ أنه حقق كثيرًا من أهدافه الصغيرة، نجده يترك كل هذا ويتمترس عند نقطة ناقصة واحدة، إما لأنها نقطة مهمة بالفعل في مسيرة حياته، أو لأنه ممن يسعون إلى الكمال، فهؤلاء لن يعترفوا أن الحائط الذي نظفناه للتو يلمع في حال أنه لم يزل  بقعة متسخة بحجم نواة الذرة ، إن تبقت  تبقّت _لأي سبب_، مما يعني أن عين المهووس بالكمال حساسة تكتشف النقص فورًا وبسهولة، وما إن تكتشفه حتى يتكدر صاحبها وتفسد حياته.

لماذا يفضّل الناس الانتظار على السعي بأنفسهم؟

متلازمة انتظار بدء الحياة
عليك الفهم أن ما لم تسعد اليوم بما تملك فلن تسعد غدًا ولو ملكتَه، الزمن الحقيقي الذي نملكه من حياتنا هو الحاضر

في الحقيقة ليس جميع المنتظرين ينتظرون فقط دون أن يفعلوا أي نشاط آخر، على العكس، كثير من المنتظرين يسعون ويجتهدون، لكن تظل هناك فكرة ملحّة في أذهانهم أنه ما لم تحدث معهم معجزة فلن يفلحوا، إما ستذهب مساعيهم سدى أو أنها ستنجح، لكن دون أن يرضيهم النجاح لأنه _كما يعتقدون_ ناقص طالما لم يقع الحدث الذي يتوقون إليه.

والصنف الآخر هو الصنف العاجز تمامًا الذي لا يحاول التقدم، ويريد لحدث استثنائي أن يدفعه إلى الأمام ويجبره على فعل شيء، ودَعْواه: أنه لا يستطيع التحرك بمفرده، ولا يتغير إلا عندما تُفرَض عليه الأمور، وعندها فحسب يحاول التأقلم والتكيف، فلا يجرؤ على المبادرة ولا على إمساك زمام أحداث حياته بنفسه.

 


اقرأ أيضًا: الاحتراق النفسي: تعريفه وأسبابه والتعافي منه


في متلازمة انتظار بدء الحياة بالنسبة لمن لا يبادرون، فالأسباب تتراوح بين اليأس والكسل والاكتئاب، أو الخوف من المبادرة وعدم القدرة على تحمل المسؤولية، لهذا يفضّلون وقوع حدث خارج عن إرادتهم كي يضطروا للتكيف معه، ولا يُلاموا على اختياره بأنفسهم.

في الحقيقة ليس جميع المنتظرين ينتظرون فقط دون أن يفعلوا أي نشاط آخر، على العكس، كثير من المنتظرين يسعون ويجتهدون، لكن تظل هناك فكرة ملحّة في أذهانهم أنه ما لم تحدث معهم معجزة فلن يفلحوا، إما ستذهب مساعيهم سدى أو أنها ستنجح، لكن دون أن يرضيهم النجاح لأنه _كما يعتقدون_ ناقص طالما لم يقع الحدث الذي يتوقون إليه.

أما الصنف الفاعل، فلديهم تصور أنهم يجتهدون اجتهادًا كافيًا في نواحي كثيرة مقابل أن يُكافؤوا بحدث جميل مفاجئ ومهم لم يخطر لهم على بال ولم يخططوا له، فهم مؤمنون أن الحياة بحاجة لسعي عكس سابقيهم، لكنهم يرون أنه مثلما لقمة الاجتهاد طيبة، فكذلك الثمرة التي تأتي هدية دون تعب لها لذة خاصة وفريدة. أما السبب الذي يجمع الصنفين معًا، فهو الإحباط بعد الفشل المتكرر وعدم الثقة بجدوى الجهود والمحاولات، والشعور أن ما نقدمه لن يغيّر أو يفيد.

لماذا ينتظر الناس الأحداث المحورية؟

بدء الحياة.jpg
عليك الاستمتاع باللحظة وعدم الغرق في الانتظار والسعي المحمود للمستقبل

وهنا ستسألين: إذا لم ننتظر حدثًا محوريًا ولا معجزة، فماذا سنفعل؟ وستقصدين بسؤالك البحث عن الخطأ والضرر في هذه المتلازمة. سأجيبك: فكرة الانتظار ليست المشكلة بحد ذاتها، فمن منا لا ينتظر؟ المشكلة هي أن يتحول الانتظار لمتلازمة، والمتلازمة تعني أن نلزَم شيئًا معينًا ونكرره أكثر من المطلوب ونفشل في إيقاف تكراره عندما نريد، إذن، الضرر في هذه المتلازمة هو أننا سواء خططنا أو كنا ممن لا يبادرون فإن حياتنا الحقيقية هي حياة الحاضر، كثيرًا ما نظن السعادة مستقبلية وآتية لاحقًا، غدًا، بعد شهر، بعد فترة زمنية بعيدة.

 وهذه الفكرة كفيلة أن تدفعنا للظن أنه ما دامت السعادة مستقبلية فالحاضر حزين بالضرورة، وذلك ليس صحيحًا، ما لم تسعد اليوم بما تملك فلن تسعد غدًا ولو ملكتَه، الزمن الحقيقي الذي نملكه من حياتنا هو الحاضر، وهو أكثر زمن نسيء إليه بالنظر الدائم للخلف (الماضي) أو الأمام (المستقبل).


اقرأ أيضًا: بعد الثلاثين... ماذا علمتني الحياة؟


 وكما ينصحنا علم النفس ، فإن علينا التركيز على ما يسمى (هنا والآن) أي على الوقت الحالي والمكان الذي نحن فيه، التخطيط ليس خطأ، ولا العجز _المرحلي المؤقت_ عن المبادرة، الخطأ هو انتظار الغد دون النظر لما نملكه، نحن لا ننتبه أصلًا إلى ما نملكه الآن وربما لو انتبهنا لأدركنا أننا نملك ما نحبه، وأن عددًا غير قليل من أحلامنا وأهدافنا السابقة تحقق دون أن نلقي له بالًا.

وأخيرًا بعد أن تعرفنا على ما هي متلازمة انتظار بدء الحياة، النصيحة الذهبية التي أقدمها هو أن نمنح الانتباه الأكبر للحاضر، ونستمتع باللحظة الحالية، ونقسّم ما يتبقى على الوفاء _ غير المُعطِل_ للماضي، والسعي المحمود للمستقبل.