بنفسج

ابني يخاف من الظلام

الأحد 14 مايو

ال: لماذا يوسف، عليه السلام، عندما ألقي في غيابة الجب، لم يصب بمرض نفسي مثل الخوف من الظلام أو الخوف من الوحدة، وهو ما زال طفلًا صغيرًا لم يبلغ الحلم؟ قلت له: سؤالك ذكي جدًا والجواب عليه يحتاج أن نتعرف على التربية التي تلقاها يوسف، عليه السلام، من أبيه، قال: أنا فكرت بهذا لأن ابني يخاف من الظلام، ويخاف أن يكون لوحده وعمره ست سنوات. قلت له: أكثر الآباء يربون أبنائهم على الخوف، والصواب أن نربيهم على التحذير.

قال: لماذا يوسف، عليه السلام، عندما ألقي في غيابة الجب، لم يصب بمرض نفسي مثل الخوف من الظلام أو الخوف من الوحدة، وهو ما زال طفلًا صغيرًا لم يبلغ الحلم؟ قلت له: سؤالك ذكي جدًا والجواب عليه يحتاج أن نتعرف على التربية التي تلقاها يوسف، عليه السلام، من أبيه، قال: أنا فكرت بهذا لأن ابني يخاف من الظلام، ويخاف أن يكون لوحده وعمره ست سنوات.

قلت له: أكثر الآباء يربون أبنائهم على الخوف، والصواب أن نربيهم على التحذير، قال: وما الفرق؟ قلت: الخوف في الغالب يهدف للمنع من شيء ما، كأن تقول لابنك إذا لم تنم مبكرًا سأعاقبك بكذا، أو إذا لم تسمع كلامي سأضربك، وهذا أسلوب التخويف يربي الطفل على الجبن والشخصية المهزوزة وعدم الثقة بالنفس. أما التحذير فهو يوضح المخاطر، مثل أن تقول له مثلا إذا لم تنم مبكرًا، فستكون متعبًا في الغد، أو انتبه وأنت تمشي في هذا الطريق من الكلاب المسعورة، فهنا الأب لم يهدد ابنه أو يخوفه، وإنما حذره لأن شدة خوف الأهل على الطفل أو تخويفه هما سبب في تحول الخوف عند الطفل لحالة مرضية.

والآن لاحظ معي تربية يعقوب، عليه السلام، عندما جاء له يوسف يقص عليه الرؤيا (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ).

أخبر الأب ابنه أن رؤيته تدل على أنه سيكون له شأن كبير في المستقبل، وحذره ولم يخفه. فقد حذره من تأثير الشيطان على لإخوته وليس من إخوته ذاتهم، لأن إخوته قد يؤثر بهم الحسد فيكيدون دون أن يفكروا بالعواقب، وأن الشيطان هو العدو الحقيقي الذي يوغر مشاعر الحقد والحسد بين النفوس.

قال: إن هذا كلام عال وراق في التربية، قلت: نعم، فتربية الأب في المحافظة علي الصحة النفسية للطفل. يوسف مع إعطائه الدعم وتعزيز الثقة بالنفس ليس طفلًا عاديًا لأنه سيكون له شأن في المستقبل، وأن الله اصطفاه واجتباه وعلمه تأويل الأحاديث، وأنه سيكون امتدادًا لمسيرة أبيه وجده وجد أبيه إبراهيم عليه السلام، (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ....).

فنحن أمام أب لم يقل لابنه الذي لم يبلغ الحلم هذا موضوع كبير أنت لا تفهمه، ولم يكلمه كلامًا طفوليًا، بل نحن أمام أب يعلم طفله أن النفس البشرية أمارة بالسوء، وأن الإنسان إذا لم يعتصم بربه سيكون في ملعب الشيطان، وأن الإنسان لا بد أن يخفي بعض ميزاته حتى من أقرب الناس إليه، وأن الله هو الذي يختص برحمته من يشاء.

هذا الكلام العالي، وهذا الربط الكبير بالله عز وجل وحكمته، وهذه التعاليم الراقية هي التي تجعل الطفل لا يخاف من الظلام، وجعلت يوسف، عليه السلام، عندما ألقي بغيابة الجب وصار وحيدًا في جب عميق والماء فيه مرتفع والظلام فيه كبير وهو يدرك أن الخروج مستحيل، لم يخف أو يختل توازنه النفس والعقلي، وإنما تجاوز المحنة حتى نجاه الله تعالى وبقية القصة أنتم تعرفونها. هكذا نعالج مخاوف الإطفال، قال: شكرًا على هذه التوجيهات وسأطبقها على ابني إن شاء الله.