"إن الله يُعطي باليقين ولا يُعطي بالتجربة"، كانت جملة قرأتها لأحد الصالحين؛ إذ كان يأتي إلى بيته فيجد طعامًا لم يكن لديه؛ فيقتات منه. سأله ابنه المتزوج الذي يسكن في منطقة بعيدة عن منزل والده في أحد الأيام: من أين تحصل على الطعام يا أبي؟ أجاب الأب: من الله؛ فأنا أدعوه بيقين، فيستجيب لي ويرزقني. فاستهجن الصبي فعل والده، وقال بينه وبين نفسه أظن أن الخرف قد أصابه، وأن الشيخوخة قد بدأت تخط ملامحها على قدراته العقلية.
ولكن ثقة الوالد ورؤية الرزق معه جعلته يقرر أن يجرب ما فعل والده عله يحظى بذات النتيجة؛ فدعى الله ليجرب. فما وجد ما وجد والده، فعاد لأبيه. وقال له: لقد جربت فعلتك ودعوت الله بدعائك، ولم أحصل على أي شيء!! فقال له الرجل الصالح: والله يا بني إن الله يعطي باليقين ما لا يعطيه بالتجربة.
تأثرت بالقصة جدًا، وأبحرت بي إلى قول ابن القيم حين قال: لو أن رجلًا هم بإزالة جبل وهو واثق بالله لأزاله، هي الثقة بالله واليقين إذن. في ذات الوقت حضرتني قصة حدثت مع فتاة قريبة جدًا مني، حيث أخبرها الطبيب أن زوجها يعاني من العقم الشديد وفي حالته هذه يصعب حدوث الحمل حتى مع التدخل الطبي واجراءات التخصيب المخبري وزراعة الأجنة.
فقالتها بكل يأس: لن أصبح أمًا أبدًا! فقلت لها مستهجنة: وهل يأتي الطفل من الطبيب أم من رب الطبيب؟ والله إن الذي خلق آدم بغير أب وأم، وخلق عيسى بغير أب، لهو قادر أن يخلق في أحشائك ما يشاء فإنما أمره بين الكاف والنون.
وإذا أراد أمرًا فإنما يقول له كن فيكون. أخبرتها عن اليقين وسر استجابة الدعاء. وتحري وقت قيام الليل؛ ففي الثلث الأخير منه ينزل رب العزة إلى السماء الدنيا ويقول: أما من داعٍ فأستجيب له، أما من مستغفر فأغفر له، فنقلتها إلى مرحلة الإيمان التام المليء باليقين، فالتزمت بالدعاء والرجاء؛ ليرزقها الله بعدها بفترة بسيطة بطفل من دون أي تدخل طبي رغم عجز الأطباء عن ذلك.
ومع كل هذه القصص التي سمعتها وحدثت معي شخصيًا قد يقول قائل: لقد جربت ولم تفلح تجربتي؛ طلبت من الله فلم يلبن، دعوت فلم أجد ثمرة لدعائي. فأقول له كما قال الشيخ لولده: واللهِ إن الله لا يُجرب، إن عطاءه قائم على اليقين لا التجربة. وأنا والله رأيت بأم عيني استجابةً لأدعيةٍ ظننتها مستحيلة عندما دخلت في مرحلة اليقين التام، تتحقق كما رتبتها في دعائي.
فاللهم بجلال وجهك وعظيم عفوك ارزقنا الإيمان التام المليء باليقين؛ فمن رزق اليقين يا أحبة جمع خيري الدنيا والآخرة، وانهالت عليه البركات بلا توقف.
