بنفسج

اجتياح مخيم جنين: وحدة البارود الفلسطيني

الإثنين 03 يوليو

وافقت حكومة الاحتلال بعد ١٠ أيام من المباحثات على اجتياح مخيم جنين بشكل ممهنج وتم التوغل في شوارع المخيم بالعبور من جميع مداخله قبل شروق شمس اليوم (الإثنين، 3 حزيران ) حيث اقتحمته قوات الاحتلال بقوة هائلة من الجرافات والجيبات والطائرات العسكرية وآلاف الجنود الإسرائيليين وتم إغلاق جميع مخارجه، مما أدى إلى  اشتباكات عنيفة بين المقاومين الفلسطينيين وجيش الاحتلال وما زالت المواجهات مستمرة حتى اللحظة ومن المتوقع أن يستمر الاجتياح لمدة يومين حسب تصريحات الاحتلال.

أسفر هذا الاقتحام حتى اللحظة عن 7 شهداء و 20 أسيرًا و27 جريحًا بينهم 8 إصابات خطيرة. كما استهدفت طائرات الاحتلال مبان عدة من خلال طيران الأباتشي حسب شهود عيان، ناهيك عن تجريف الطرقات وتدمير البنية التحتية بشكل كبير. في المقابل صرح إعلام الاحتلال أن قواته شنت حتى اللحظة ١٥ غارة جوية على مناطق متفرقة من جنين. وتعتبر هذه العملية الأولى من نوعها في الضفة الغربية بعد عملية السور الواقي عام 2002 التي استهدفت شمال الضفة الغربية وجنين بشكل خاص في ذلك الوقت. 

ماذا جرى عام 2002 ولماذا؟ 

جنين8.jpg
مجزرة جنين عام 2002

اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي في الثالث من أبريل من العام 2002، مخيم جنين الذي لا تتعدى مساحته نصف كيلومتر مربع بشكل كامل متسلحة بعشرات الدبابات والآليات الإسرائيليةـ، إضافة إلى تدخل الطائرات لدك المخيم، الذي يسكنه ما يقارب من 14 ألف لاجئ، 47% منهم تقريبًا إما دون الخامسة عشرة أو فوق الخامسة والستين من العمر، لاحقهم المحتل حتى بعد أن أخرجهم من أرضهم بغير حق قبل أكثر نصف قرن، وذلك بعد رفض المقاومون تسليم أنفسهم والخروج من المخيم.

المقاومون الذين شكلوا غرفة عمليات مشتركة بين جميع الفصائل هذه القوة قاتلوا هذه القوة الضخمة بسلاح بسيط بكل بسالة مسطرين انتصار لكامل الضفة الغربية والتي لم تشهد انتصارًا مثله منذ ذلك الحين وحتى اليوم.


اقرأ أيضًا: جنين ماضي الثورة وحاضرها


أسفرت هذه العملية عن مقتل 29 جنديًا وضابطًا إسرائيليًا، في حين استشهد 58 فلسطينيًا بينهم 23 مقاومًا، وتضرر نحو 1200 منزل، واعتقل العشرات، بينهم من لا يزال معتقلًا للآن، ويقضي حكمًا بالسجن المؤبد، ناهيك عن تشريد مئات العوائل وبلغت في النتيجة قيمة الدمار الذي لحق بالممتلكات العامة والخاصة، حوالي 27 مليون دولار أمريكي.

لماذا الاجتياح مجددا بعد هذه السنوات؟ 

جنين3.jpg
مدخل مخيم جنين صباح اليوم 

قبل هذا الاجتياح وتحديدًا في التاسع عشر من شهر حزيران للعام الحالي (2023) شن الاحتلال اقتحام لمدينة جنين ومخيمها استخدم فيه الأباتشي للمرة الأولى في قصف مواقع داخل جنين واستعان بقوات كبيرة من جيشه وعتاده، في حين تصدت المقاومة بقوة مما أدى لوقوع إصابات خطيرة وخسائر مادية في صفوف جنود الاحتلال مما استدعى القوات إلى جلب مروحيات لنقل الإصابات وشاحنات لنقل الجيبات والناقلات التي تم تفجيرها بعبوات من صنع المقاومة. 

إن اجتياح جنين لم يأت بين ليلة وضحاها إذ سبقه أحداث عديدة، كون مخيم جنين يعيش في العامين الأخيرين توتر واقتحامات شبه يومية للاحتلال وذلك بعد ظهور ما يُسمى "كتيبة جنين" التي ظهرت عام 2021 بشكل رسمي بقيادة جمال العموري قائد في سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي. 

باتت الكتيبة أكبر تهديد لأمن الاحتلال في الضفة الغربية مما دفع الاحتلال هذه الفترة لاستهداف جنين ومخيمها بشكل متكرر في سبيل القضاء على المقاومة فقد اغتالت العديد من قادة كتيبة جنين وفي كل مرة كان تظن أنها تحرز انتصارًا كانت تأتيها صفعة جديدة عبر التطور الملحوظ لأداء الكتيبة في التصدي والمقاومة. 

ظهرت هذه الكتيبة بعد معركة سيف القدس التي استهدف فيها الاحتلال قطاع غزة في مايو عام 2021، فكانت الكتيبة بمثابة امتداد منظم لروح المقاومة في الضفة، كانت تستهدف الكتيبة الحواجز والنقاط العسكرية الإسرائيلية بالرصاص. وبرزت الكتيبة بشكل أوضح في سبتمبر عام 2021 بعد عملية نفق الحرية التي شكلت على أثرها "غرفة عمليات مشتركة" بين مقاومي جميع الفصائل، استعدادًا للدفاع عن الأسرى الفارين من سجون الاحتلال، واحتضانهم في مخيم جنين، منفذة في تلك المرحلة عمليات باتجاه الحواجز الإسرائيلية، وكانت تسمى هذه العمليات "بالإرباك" بهدف تشتيت الاحتلال، وحرف بوصلته عن الأسرى الفارين من سجون الاحتلال آنذاك، ومن يومها يجوب المقاتلون أزقة المخيم معلنين الاستنفار والاستعداد لصد أي اقتحام أو هجوم إسرائيلي، بالتوازي مع التفاعل العام مع أسرى "نفق الحرية".

توالت عمليات الكتيبة منذ انطلاقها وحتى اليوم، وما زالت في اشتباكات مباشرة مع الاحتلال وتنفذ عمليات عسكرية مدبرة أسفرت عن خسائر مادية وبشرية في صفوف المحتل. وباتت الكتيبة أكبر تهديد لأمن الاحتلال في الضفة الغربية مما دفع الاحتلال هذه الفترة لاستهداف جنين ومخيمها بشكل متكرر في سبيل القضاء على المقاومة فقد اغتالت العديد من قادة كتيبة جنين وفي كل مرة كان تظن أنها تحرز انتصارًا كانت تأتيها صفعة جديدة عبر التطور الملحوظ لأداء الكتيبة في التصدي والمقاومة. 


اقرأ أيضًا: عرين الأسود: نابلس تستعيد مجدها


استطاعت الكتيبة توحيد صفوف المقاومة تحت راية واحدة حاملة شعار الوحدة الوطنية.  ومن المهم الإشارة إلى أن كتيبة جنين تحظى بالتفاف شعبي وفصائلي كبير إذ يقدمون كل ما يملكون في سبيل سلامة مقاومي الكتيبة، فقبل فترة تم نصب "شوادر" تغطي سماء المخيم بشكل كامل.  

تواصل المقاومة استبسالها ضد قوات الاحتلال، وهيهات للمقاومة أن تنتهي فما أشبه الأمس باليوم وما أحمق الاحتلال الذي ظن أنه منذ أن احتل هذه البلد سيقضي على الحس الوطني بشبابها. إن مَن يقاتل اليوم ومَن ارتقى أو أصيب معظمهم من جيل الألفين الذين لم يرهبهم ما عاشوه في معركة المخيم عام 2002 إنما هم من يمسكون الراية ويضعون بصمتهم النضالية في كل زقاق المخيم، هذا تصديق قولنا "بيننا وبينهم ثأر طويل يحمله جيل بعد جيل".