بنفسج

كشجرة زيتون دائمة الخضرة.. سنشفى يومًا

السبت 22 يوليو

لحظة إدراك تداهمنا ونحن نعبر محطات الحياة، مرحبًا بكم في عالم يملؤه أناس وأفكار، خطط وأحلام، والكل تائه يحاول إيجاد نفسه أولًا ليجد أمورًا أخرى. تستوقفني منشورات مواقع التواصل الاجتماعي وأنا أقلّب صفحاتها، أحدهم يناجي بالدعاء وآخر يحلم بيوم وردي، وإحداهنَ تراقب موسم المناسبات وتعد لحظة تلو الأخرى لتطالها إحداهن، وآخر يمضي خمس عشرة ساعة عمل؛ ليأمن قوت يومه أو يقابل ابنته بابتسامة صغيرة، وآخر يعاني من الوحدة ويبحث بين طيات الدفاتر القديمة، أو حتى صناديق الرسائل عن صديق قديم، أو رسالة تبعث بقلبه الطمأنينة؛ عله يبتسم، ويسأل من جديد: لماذا قُدّر لنا أن نعيش هنا؟

من يعيد لنا تعريف الرضا؟ في الوقت الذي تعج فيه منصات التواصل الاجتماعي بمنشورات التنمية البشرية "انهض من جديد"، "قابل يومك بعفوية"، "ابتسم بملئ الفضاء"، نقف جميعنا نريد أن نحيا، وجميعنا يأمل أن يكون واقعنا أخضر، لكن ترهقنا المقارنة التي لا تجدي، وقلة الفرص إن وجدت، ترهقنا الأحلام المركونة على صفحات حياتنا وننتظر تحقيقها يومًا تلو الآخر.

من يهوّن علينا ثقل هذه التفاصيل، ولماذا باتت مرحلة الشباب تخنقنا؟ من الصعب علينا أن نبكي على صدور أمهاتنا بهذا العمر الذي من الأجدر أن يكون ورديًا، لكنه بات ممتلئًا بضجيج الأيام وتعب محطات الحياة، ومن الصعب أن نشكي لأحد بات منشغلًا ولم يسمعنا، كيف لهذا الكون الواسع أن يضيق بنا؟

السلام على أمنياتنا، على فوضى الأفكار المدفونة برؤوسنا، على يدينا؛ إن تعبت إحداها تسندها الأخرى، وعلى أكتافنا التي باتت تحمل كل هذا العناء وتربت على أي سطح وتقاوم لوحدها، السلام على الحب الذي ننسجه بمخيلاتنا، على الورد المقطوف من حديقة منزلنا علنا نزهر!


اقرأ أيضًا: عادات لحياة صحية.. الحياة التي تستحقين


من يرتب فوضى هذه الأيام؟ ومن يتحمل هذا العناء الشّاق على ظهورنا؟ أي روح تحتمل كل هذا؟ أعلم أنني أحاول تسطير جل هذه العبارات التي تحمل من المعاناة وزنًا ومن الشقاء وزنًا آخر، فإن أردت تدوين عبارات محبة فإنني أستطيع كتابتها لكنها ليست بذات السهولة التي أسطر بها تفاصيل المعاناة، وأسال نفسي لم هذا الشقاء بات سهلًا واردًا كل يوم؟ ومتسع الفرح نسترقه من حبات عيوننا ومن كد تعبنا.

عتبات الفرح باتت لحظية وسماته متفارقة، يأتي ويختفي ولا نكاد نحفظه بمخيلتنا، وسرعان ما يندثر! من يفسر هذا؟ ولماذا يندثر بهذه السهولة؟ وأهم من يقول إن التكنولوجيا قللت الوحدة؛ هي في الحقيقة لم تنهها بل فشلت فشلًا ذريعًا بإيجاد أشخاص يتلاءمون مع أفكارك بسهولة مطلقة كما يدّعون، وإن وجدتهم تبقى الخيارات محدودة مقتضبة وتستغرق وقتًا وجهدًا ليس بالهيّن.

مؤسف جدًا أنني أكتب هذه الكلمات وأنا ناقمة، لكنها وحدها الكلمات التي تحتوينا عندما تخذلنا الحقائق، وحدها الكلمات التي تلملم جراحنا وتضفي لمسات الطمأنينة عندما يبعد عنا كل شيء، لكنني على يقين أن كل ما يحدث يحدث لخير مخبئ لنا، والخير وإن تأخر يأتي على موعد نستحقه، يأتي ناعمًا معوضًا عن أيام مضت، جابرًا لكل خواطرنا بلسمًا لينًا كما نحب وأكثر، وهذه بالطبع فكرة مريحة.

دعواتنا لا تنقطع؛ أن نهنأ بعيش رغيد وتستمر بنا طاقة الشغف لنكمل المشوار الأحب، ونبتسم تحت شجرة الزيتون المتجذرة التي زرعها والدنا يومَا ما؛ ليذكّرنا أن كل شيء قابل للخضرة قد يذوي لكنه سرعان ما يتجدد، وهكذا أرواحنا، ونحمد الله أننا ما زلنا نقاتل، وتتسع قلوبنا لفرح قادم يرمم هذا الخراب.