بنفسج

أحب الصالحين ولست منهم

الأربعاء 24 مايو

الأصل في الإنسان؛ الضعف والأصل أيضًا في الإنسان السويّ الصلاح، وأن لا تخالف فطرته قيّم الإنسانية التي تدفع المجتمع نحوّ الإزدهار بكافة المجالات وشتى الطرق. أعتقد أنّ ما آل إليه هذا العصر من خراب وفساد في القيم الأخلاقية؛ عائدٌ إلى وجهة نظر الفرد عن حال المجتمع، فالجميع يعلّم مقدار الانحطاط الذي وصلنا إليه، إلا أنه لا يمكننا تجاهل أنّ الأمة لم يكن لها حال واحد من قبل، أي أنها لم تتصف بصفة أخلاقية واحدة، بل كانت على الدوام تتفاوت في مقدار الفضيلة والرذيلة، وهنا نرجح الأكثرية.

وقد قيل: "عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي".  تعرف أهمية الأصدقاء إلّا عند المحنة العظيمة، تلك التي تحتاج فيها إلى سواعد قوية وحكمة بارعة ورأي بليغ، في الوقت الذي تبحث فيه عن من يرشدك طريق الصواب إن ضللته، فالمرء بالزاد يتقوّى والصالح على الصالحين يستند.


وقد قيل: "عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي". تعرف أهمية الأصدقاء إلّا عند المحنة العظيمة، تلك التي تحتاج فيها إلى سواعد قوية وحكمة بارعة ورأي بليغ، في الوقت الذي تبحث فيه عن من يرشدك طريق الصواب إن ضللته، فالمرء بالزاد يتقوّى والصالح على الصالحين يستند. فما حاجة الفرد فينا لجموع بشرية هائلة يكاد لا يستفيد منها إلا في المعاصي، أو الإقرار لأمر هدّام، ما الذي يجنيه المرء إن أضاع روحه بين أرواح لا تقدم له قوت التقدم والتطور ولحظة الاقتراب من الحلم!

ستقول لي: لم يلجأ الفرد العاقل لغيره، على الاستعانة بمن مثله وإن كانوا أقرانه من عمره، أقول: لأنّ المرء لا يصل وحيدًا، ومهما بلغت قوة المرء النفسية والجسدية والفكرية لن يستطيع أن يعبر بحر الحياة دون سفينة تعينه، على السفينة هو وقبطان يدير الوجهة وغيره يترقب أحوال الطقس والطريق.

إننا في هذه الدُنيا رُكبان على سفينة، لا ندري أي المسار الصحيح نسلكه، لكثرة تقلّبه وتغيّر هواه، والمرء الواعي يلجأ أن يلتصق على من يعينه إن غرق، أو إن ضلّت السفينة المسار، تخيّل نفسك عزيزي القارئ على سفينة متهالكة وهذا حال أُمتنا وفي كلّ لحظة تقلّب للجو وقبطان السفينة متقلب المزاج، تارة تجده ماهر في السياقة، وتارة تجد أن عليك الفرار، وإن أردت الفرار هل كنت من الصالحين إن تركت صديقك، أليست هذه الرحلة بحاجة إلى عقل ومنطق وحدس صادق!

وكما قالت الدكتور هبة رؤوف عزت: " يا بنيّ إن لم تكن نورًا لمن تحبّ فقد ظلمته وأظلمته". أي؛ بدلًا من أن تكون نورًا لك وله، أظلمت عليه الطريق وتاه معك، وإن شأن المحبين من الاجتماع أن يرى كلًّا منهم للآخر طريقًا يسلكه وإياه، يعينه فيها على وحشة الطريق وكثرة الوعكات وعمق الفتن.


اقرأ أيضًا: نعم منسية لا نجيد الحديث عنها


الإمام الشافعيّ رحمه الله حين قال: أُحبّ الصالحين ولستُ منهم، لم يقصد بأنه ليس من الصالحين بل من تواضع المرء أن يظن نفسه بعيدًا عن الصلاح وهو في الحقيقة إمام الصالحين، وإنّ خيار المؤمن السويّ أن ينتسب للصالحين فهذا ليس خيارًا كتخصص جامعيّ أو تجربة كزواج فاشل ولا حال كحال الطقس فُرض ووجب عليك التأقلم.

إن الصلاح الطريق الصعب الذي يسلكه المؤمن، والذي يدفع المرء بعيدًا عن الشهوات والرغبات والأهواء والأحلام والنقائص التي تسبب له الأذى ولمن حوله، وتدفع المجتمع نحو حفرة لا قاع لها، وهذا سبب السقوط والشرخ الحاصل في منتصف بنيان هذا المجتمع. أُحبّ الصالحين ولستُ منهم، هو شعارٌ يدفع الفرد فينا إلى البحث عن سبل صائبة، كلّما رأيت توجه فكريًا أو مؤسسة فكرٍ أو إنسان يدفع هوى النفس الجارف عنه ليمضي قدمًا أو رأيت أيّ فعل كان يساعد في تنمية المجتمع، قل أحبّ صلاحهم وأمضي معهم، وإن لم تستطع حاول أن تعزز من صنيعهم.

في هذه الطريقة فقط تستطيع أن تُصلّح نفسك وأهلك ومن حولك، ومن هذه الطريقة نُغيّر ونبني فكرًا ومنهجًا، المهم أن لا يبقى المرء كالسيل الجارف، يتبع كل ما رأى دون تمحيص لهذا القرار أو ترجيح لغيار المنطق والعقل والصواب.