بنفسج

"خاص وإلا حكومي".. التعليم في زمن اللاتعليم

الثلاثاء 01 اغسطس

إنه وقت بدء "الميمعة" السنوية، يتسلح الأهل بطول النفس والصبر والاستسلام أمام منظومة تعليمية، باتت تضعهم وتضع أبناءهم في مأزق كبير! إنه وقت اختيار المدرسة، ولهذا الاختيار سياقات وتبعات كثيرة، والأمر ليس بالسهل أو الهيّن، فجوانبه تتعدى اختيار مكان للتعليم فقط.

يمرّ التعليم في فلسطين، ونقصد هنا التعليم الحكومي، منذ سنوات، بأزمة شديدة قد تعتبر الأكبر منذ عقود، فما أن وجدت المنظومة التعليمية نفسها تخرج من جائحة كورونا والنقائص الكبرى التي شابت العملية التعليمة في فترتها، حتى وجدت نفسها وجهًا لوجه مع إضراب الهيئة التعليمية لمدة سنتنين على التوالي، حتى أجهز الإضراب على أنفاس الفصل الثاني من العام الدراسي 2022-2023 دون أن يتعلم أبناؤنا شيئًا يذكر!

الآلآف من الأسر الفلسطينية، بما فيها أسرتنا، وجدت نفسها الآن أمام خيارين أحلاهما مر، الأول: ترك أطفالنا أمام المجهول في منظومة التعليم الحكومي التي باتت تردد الأقاويل منذ اليوم عن إضراب في بداية العام، دون أن ننسى حجم الفاقد التعليمي الكبير الذي ترك عند الطلبة مساحات فارغة لا نعلم كيف سيتم تعويضهم بها. الخيار الثاني: التوجه إلى المدارس الخاصة، ونفض الجيوب، أمام أمل أن يُعوض الأطفال ورفع مستواهم التعليمي والتربوي والتثقيفين: فهل يجد الأهل ما يدفعون مقابله آلاف الشواكل سنويًا؟

المدارس الخاصة تبيع الأمل أم الوهم؟

ذهبت أكثر وتفاعلت مع أمهات أخريات، فقالت لي أم لأربعة أطفال: التعليم الحكومي جيد، ولكن ليس بالقدر الكافي ليخرج أطفالنا مكتفين وقادرين على مواكبة التطور ومجاراة أقرانهم خاصة في اللغة الإنجليزية! إضافة إلى أن البيئة المدرسية أصبحت أكثر عدوانية للطلبة، وهذا كله طبعًا في حال انتظم التعليم، ولم يكن هناك إضراب أو ما شابه.

 

توجه معظم المدارس الخاصة رسائل تستهدف اهتمامات الأهل؛ فمنها من يخاطب الشخصية ومنها الأداء الاكاديمي، وغيرها من الجوانب التي تهم الأهل، وتتقاضى مقابل ذلك مبالغ تتراوح بين (4000- 12000 شيكل للطالب)، فهل صدقت المداس الخاصة في وعودها؟

توجهت إلى مجموعة من الأمهات اللواتي أتبادل هموم تعليم الأبناء معهن، نتشارك في ذلك ونحاول إيجاد طرق جديدة من أجل ابنائنا ومن أجل ما بقي من أعصابنا كذلك، قالت لي عند سؤالي عن تجربتها مع 4 مدارس خاصة لغاية اللحظة "كلهن أسوأ من بعض!"، معبرة عن إحباطها المتراكم من التجارب المختلفة في تلك المدارس، ومشيرة بنفس الوقت أن المدارس الخاصة في بلادنا اضطرار وليست خيار، فالتعليم الحكومي للأسف لم يعد يوفر ما نريده ويريده أبناؤنا.

صديقتي الثانية قالت: أنا أتوقع من المدرسة الخاصة التركيز على اللغة الإنجليزية دون تعقيد أبنائي، والتركيز على الأخلاق، وأن يتناسب حجم القسط مع مقدار التعليم، وللأسف من تجربتها مع ثلاثة مدارس خاصة، لم تتمكن من رؤية هذه الثلاث فئات سويًا؛ فالمدرسة الخاصة إما تركز على الأخلاق أو التعليم أو الأنشطة اللامنهجية، أو يكون قسطها المدرسي باهظًا بشكل لا يمكن الأهالي من الاستفادة من خدماتها!


اقرأ أيضًا: بين أحضان العائلة: طرق لقضاء أوقات مشتركة


ذهبت أكثر وتفاعلت مع أمهات أخريات، فقالت لي أم لأربعة أطفال: التعليم الحكومي جيد، ولكن ليس بالقدر الكافي ليخرج أطفالنا مكتفين وقادرين على مواكبة التطور ومجاراة أقرانهم خاصة في اللغة الإنجليزية! إضافة إلى أن البيئة المدرسية أصبحت أكثر عدوانية للطلبة، وهذا كله طبعًا في حال انتظم التعليم، ولم يكن هناك إضراب أو ما شابه.

يحمل الأهالي هذه الأعباء على عاتقهم، فمن ناحية نشعر بالذنب أمام أطفالنا ونحن نودّ أن نعطيهم كل ما يمكن للتطور والنمو وتحقيق أفضل النتائج، أن نعزز فيهم قيم الأخلاق والتربية والإيجابية، وفي المقابل تعيش معظم العائلات الفلسطينية ضمن ظروف اقتصادية ضيقة.

دور العائلة في تنمية الأبناء

المدارس4.jpg
أنت كأم لك دور كبير في تعريض أبنائك للتجارب المختلفة والبحث عن أفضل الطرق لتنمية شخصياتهم وأفكارهم

أودّ في النهاية أن أجمل حديثي بالإشارة إلى عدة نقاط: الأسرة هي المدرسة الأولى، وهي الحاضنة الأساسية لكل قيم الخير والتنمية والمحبة والعطاء، ويبقى أثر الأسرة كالنقش لا يزول ولا يمحى حتى وإن أثرت على الأطفال عوامل أخرى، فلنساعد بعضنا لتكن أسرنا الفلسطينية أكثر تماسكًا من أجل الأطفال، وأن نعزز القيم بين أبناءنا وأن "نرحم" بعضنا بعضًا.

المدرسة محطة تعلم لا شك، دورها جوهري ومحوري، والعلم رحلة العقل في هذا الكون الواسع، المدرسة مهمة، واختيار المدرسة ليس بالأمر الهين، كما يبدو للبعض، ولكل أسرة عواملها وظروفها الخاصة، فلا بد أن تراعي تلك الظروف عند الاختيار.

تلك العوامل لا تشمل الجانب المالي فقط، وإنما تشمل أيضًا توافق رؤية المدرسة التربوية لرؤية الأسرة نفسها، وأن تنظر المدرسة الخاصة إلى نفسها لا كمكان لجلب الربح فقط، وإنما محطة تعليمية وأخلاقية وشخصية.


اقرأ أيضًا: اصنعوا معروفا.. وادخروا لأبنائكم


إذا كنا غير قادرين على التغيير من صعيد الحكومة (أي من أعلى إلى أسفل) في المنظومة التعليمية، فنحن بالتأكيد قادرون على التغيير من أسفل إلى أعلى عبر تشكيل اللجان التطوعية الداعمة، وتعزيز دور مجالس الأمهات والآباء في الانخراط في العملية التعليمية الفعلية، وعدم الاكتفاء، بمشاركة تلك المجالس في جمع التبرعات والمساهمة في المناسبات.

أختم بالدور الذي أعتقد بنظري أنه هو الأهم وهو دور الأم أولًا، ثم الأب في تعريض أطفالهم للتجارب المختلفة، ومساندتهم في البحث والتحري عن أفضل الطرق لتنمية شخصيتهم وأفكارهم، ودينهم ومساحاتهم الفكرية والروحية والنفسية.