بنفسج

الألعاب الشعبية الفلسطينية.. إرث ثقافي على وشك الاندثار

الإثنين 07 اغسطس

لم تنس السيدة ليلى محمد "أم رمزي" بالرغم من تجاوز عمرها الـ35، تلك الأيام التي كانت تقضيها مع صديقاتها أمام منزلها وهي تلعب "الحجلة"، كيف كن يتنافسن على اللعب والفوز فيها، يقفزن بكل مهارة على مربعات خطت على الرمال، بحجر صغير، وينتقلن بينها بخفة ويرددن الأغاني.

"الحجلة" هي واحدة من عشرات الألعاب التراثية الفلسطينية، فلا يقتصر التراث الفلسطيني على الأغاني والأهازيج، والمأكولات، والملابس، فثمة أشكال كثيرة من التراث القديم تناقلته الأجيال ولا زال حاضرًا ليومنا هذا، من بين ذلك الألعاب التي اختص ببعضها الفلسطينيون عن غيرهم من الشعوب.

كانت تلك الألعاب ملاذ الأطفال الوحيد لقضاء وقتهم في اللهو، فقد كانوا يمارسونها في حاراتهم، أو في الساحات القريبة من منازلهم، أو في الشوارع أو الأزقة بين بيوتهم، أو في حوش البيت إذا كان واسعًا ومناسبًا لممارسة اللعب؛ بأدوات سهلة بسيطة غير مكلفة.

ألعاب من فلسطين

لعبة الحجلة.jpg
لعبة الحجلة

السيدة ليلى التي وصلت إلى فلسطين وهي في السادسة من عمرها، بعد سنوات من تغرب والديها، كان يجذبها دائمًا صوت الأطفال في الشارع، وهم يلهون بألعابهم الشعبية، ويصفقون بقوة للفائز فيها، ما دفعها لتعلمها ومشاركتهم اللعب.

تعلمت ليلى منذ صغرها ألعابًا عدة كـ"الحجلة" و"طاق طاق طاقية"، و"الحادي بادي"، و"الغميضة"، والكثير من الألعاب التي كان يشاركهم بها الصغار والكبار أحيانًا. وعن الحجلة تذكر ليلى أنهن كن يرسمن مستطيلين، أحدهما عموديًا والآخر أفقيًا؛ ويكون أحدهما أطول بضعفين من الآخر، فيقسم المستطيل الطولي إلى أربعة مربعات متساوية، بينما يقسم المستطيل "المعاكس" أو العرضي إلى مربعين اثنين.

تبدأ اللعبة بإجراء القرعة لاختيار التي ستبدأ منهن أولًا باللعب؛ ترمي الفتاة صاحبة الدور قطعة الحجر على المربع الأول، ثم تقفز إلى داخل هذا المربع وهي تحجل أو تتنقل على قدم واحدة، بينما تبقى القدم الأخرى مرفوعة عن الأرض، بحيث لا تلامسها أبدًا. تدفع الفتاة الحجر بقدمها إلى الأمام في المربعات الأخرى بالترتيب، وتستمر دفعها في كل المربعات حتى تعود إلى النقطة التي كانت تقف عليها في البداية.


اقرأ أيضًا: روح وهوُية: تطاريز فلسطينية في الديكورات المنزلية


وتضيف: "كنا دائمًا ما نعلب برفقة أخوتي وأبناء عمي، لعبة "طاق طاق طاقية"؛ فنجتمع نحن الصغار ويتجاوز عددنا العشرة، نجلس على الأرض بشكل دائري ويقوم من وقع عليه الاختيار بالدوران حول الصغار الجالسين، وهو يحمل بيده طاقية أو محرمة (منديل)، ويدور دورة كاملة وهو يردد: "طاق طاق طاقية، طاقيتين بعليِّة؛ رن رن يا جرس، حول واركب عالفرس".

أسس اللعب


لا يجوز للأطفال الجالسين الالتفات أو النظر إلى الخلف، ليختار من الجالسين في الدائرة أحد الصغار، ويكون من يختاره إما طفلًا سمينًا أو ثقيل الهمَّة أو قليل الانتباه والملاحظة، وبخفة يد ودون أن يشعر بها أحد يقوم بوضع الطاقية وراء ظهر من وقع عليه الاختيار، ويسرع بالدوران حتى يبتعد عن هذا الصغير تحسبًا من أن يشعر بوضعها ويلحقه يضربه بها".

 


لا يجوز للأطفال الجالسين الالتفات أو النظر إلى الخلف، ليختار من الجالسين في الدائرة أحد الصغار، ويكون من يختاره إما طفلًا سمينًا أو ثقيل الهمَّة أو قليل الانتباه والملاحظة، وبخفة يد ودون أن يشعر بها أحد يقوم بوضع الطاقية وراء ظهر من وقع عليه الاختيار، ويسرع بالدوران حتى يبتعد عن هذا الصغير تحسبًا من أن يشعر بوضعها ويلحقه يضربه بها".

وإذا انتبه الطفل الجالس في الدائرة عند وضع زميله الطاقية وراء ظهره، التقطها في الحال ونهض مسرعًا ولحق بزميله ليضربه بها قبل أن يكمل الدوران حول الحلقة الدائرية؛ وإذا أفلح زميله في الوصول إلى المكان الذي نهض منه، وجلس مكانه قبل أن يمسك به أو يضربه بالطاقية اعتبر خاسرًا.


اقرأ أيضًا: حواري القدس: أن تعيش الذاكرة وتكتب الحكاية


ويأخذ دور زميله بالدوران حول الفتيان الجالسين في الدائرة؛ أما إذا لحق به وضربه بالطاقية اعتُبر هو فائزًا وزميله مقتولًا (أي خارجًا من اللعبة)، ويجلس في وسط الدائرة، ويصبح هو صاحب الدور بدل زميله المقتول في الدوران حول الأطفال الجالسين، وإلقاء الطاقية خلف أحدهم.

وإذا أكمل الفتى الدوران حول رفاقه دون أن ينتبه مَنْ وضعت خلفه الطاقية، فإنه عندما يصله يلتقط الطاقية من وراء ظهره ويضربه بها على رأسه، فينهض في الحال ويلف حول رفاقه الجالسين في الدائرة، عقابًا له على عدم انتباهه، مع الأخذ بترديد عبارة: "طاق طاق طاقية ...رن رن يا جرس ...حول واركب ع الفرس... وهكذا تستمر اللعبة".

لعبة "عالي وط وط والبنانير"

البنانير  هي عبارة عن كرات زجاجية بحجم حبـات الخرز الكبيرة، ومزخرفة بألوان متعددة تميزها عن بعضها البعض، يشتريها الأطفال من حوانيت الحي، ووفق قوانين اللعبة فعلى اللاعب أن يصيب ببنورته بنورة منافسه، ويقذفها بطريقة فنية مستخدمًا إصبعيه، ومن يكسب فأنه يستحوذ على ما مع زميله في اللعبة، ليتنافس الجميع في جمع أكبر عدد منها، ويتفاخر بما يملك من عدد.

تنهدت الثلاثينية ليلى قليلًا، وارتسمت الابتسامة على وجهها وهي تستذكر لعبة جديدة كانت تلعبها في فناء منزل جدها، برفقة أبناء أعمامها وتقول: "كانت هناك لعبة شهيرة كنا نطلق عليها اسم "عالي وط وط"، كان صوتنا يعلو خلال اللعب، فيخرج لنا جدي من دكانه يوبخنا على ذلك، أما جدتي فقد كانت تستمتع برؤيتنا ما دمنا لا نقترب ولا نمس من أشجارها بسوء".

ويؤدي هذه اللعبة في العادة الأطفال الصغار من ذكور وإناث؛ حيث يتجمعون وسط مكان معين، ويحددون المنطقة التي سيلعبون فيها، ويتم عمل قرعة فيما بينهم لتحديد من سيقوم بمطاردة الأطفال الآخرين، والإمساك بأحدهم ليحلّ محلّه. بعد إجراء القرعة يهرب الأطفال ويتفرقون في كل اتجاه، ويبدؤون بالتنقل من مكان مرتفع إلى آخر، وهم يرددون بعض الألفاظ مثل: "عالي عالي وط وط ... قاعد بتنط نط... عالي عالي وط وط.".

وإن استطاع من وقعت عليه القرعة أن يلمس أحد اللاعبين وهو على الأرض، يعتبر خاسرًا ويصبح هو المطارِد الجديد للأطفال، وهكذا حتى يتعب الجميع فيقرروا إيقاف اللعبة. أما ألعاب "البنانير أو القلول"، فكانت ليلى تكتفي بمشاهدة أخوتها الذكور وأبناء عمها وهمه يلعبونها، تستمتع بالنظر إليهم، وتشجع الماهر فيهم.


اقرأ أيضًا: في التاريخ والهوية والقضية... 5 روايات تحكي فلسطين


والبنانير أو القلول هي عبارة عن كرات زجاجية بحجم حبـات الخرز الكبيرة، ومزخرفة بألوان متعددة تميزها عن بعضها البعض، يشتريها الأطفال من حوانيت الحي، ويمارسون بها ألعابًا عديدة. ووفق قوانين اللعبة فعلى اللاعب أن يصيب ببنورته بنورة منافسه، ويقذفها بطريقة فنية مستخدمًا إصبعيه، ومن يكسب فأنه يستحوذ على ما مع زميله في اللعبة، ليتنافس الجميع في جمع أكبر عدد منها، ويتفاخر بما يملك من عدد وأشكال وألوان.

وتحاول أم رمزي جاهدة دمج أبنائها في تلك الألعاب الشعبية، عن طريق ترغبيهم ومشاركتهم فيها، لا سيما وأنهم أصبحوا ينجذبوا بشكل كبير قد يصل حد الإدمان، للألعاب الإلكترونية على الأجهزة المحمولة، وسط عزوف ملحوظ عن الألعاب التي تطور من ذكاء وقدرات الأطفال.