بنفسج

كالجسد الواحد: في تعاضد الأهل والأبناء

الثلاثاء 15 اغسطس

كنا في جلسة عائلية بحضرة زوجي وأشقائه وشقيقاته، هذه العائلة التي خلفت الفضيلة ودماثة الأخلاق، وكان لي فخرًا بأن يكون أبنائي سُلان جذورها، وترامى الحديث على نواصي الأوصال، حتى وصلوا إلى شقيقتهم الكبرى ودورها الجلي في لمّ شملهم. وازداد الحديث جمالًا في الثناء على عطائها، فهي "جمل محامل" لظروفهم رغم تعقد ظروفها، فمازحتهم قائلة: "والله هالكلام الحلو يحتاج إلى مقال".

لامس الكلام قلبي وعرفاني وامتناني لحب ولرعاية واهتمام إخوتي لي إذ كنت أصغرهم جميعًا، عشت في حضن دلالهم بكل أنواعه في حقب عمري المتتالية وحتى يومنا هذا، وما زلت أختهم الصغيرة كما يطلقون عليّ دائمًا إذا عرّفوني أمام شخص ما.

هيأ الله الظروف والأرزاق لكل الأفراد ليكونوا السند والعضد والوتين لبعضهم بعضًا، فتجدهم متكاملين بما يملكون، فهناك الجميل المطبطب على الروح قبل الكتف صاحب المشاعر الفياضة متحسس الحاجات والآهات، وهناك العارف الناصح الذي يسترشد الجميع بنور حكمته، وآخر ذو الجيب العامر الذي يعلن وقفته مع الجميع في كل فرح وترح.

أعلم يقينًا أن الله إذا قدّر أمرًا في حياة الإنسان، رسم وهيأ العوض قبل إذعانه لملائكته بتنفيذ هذا القدر، كيف لا وهو اللطيف بنا والخبير بسرائرنا، فسبحانه دائمًا يٌقسم المهمات في كل أسرة؛ فيصنع كل شخص ليليق بمهمته ويعطيه القدرات التي يستطيع أن يكون فيها حاملًا أمينًا لما وضع على كتفيه.

هيأ الله الظروف والأرزاق لكل الأفراد ليكونوا السند والعضد والوتين لبعضهم بعضًا، فتجدهم متكاملين بما يملكون، فهناك الجميل المطبطب على الروح قبل الكتف صاحب المشاعر الفياضة متحسس الحاجات والآهات، وهناك العارف الناصح الذي يسترشد الجميع بنور حكمته، وآخر ذو الجيب العامر الذي يعلن وقفته مع الجميع في كل فرح وترح.


اقرأ أيضًا: عطاء أم تضحية...فرض أم هبة؟


وهناك من لا يملك سوى أن يكون حاضرًا بابتسامة أو دمعة محب، وآخر تتمثل فيه بركة الأسرة؛ فوجوده هو الأمان والسلام للجميع. هذه تركيبة أغلب الأسر، وطالما كان الودّ بينهم ورجموا وساوس الشيطان وأوليائه بنعالهم تبقى سلسلة الأسرة قوية، فإذا مال أحدهم اتكأ على أخيه؛ ليكفيه السقوط ويقوى ضعفه.

كنت دائمًا أسمع دعوةً لأمي - رحمها الله - منذ صغري تقول فيها: "يبعد عنكم الشيطان"، وتتمتم بعدها كثيرًا، وكم كان مآلها جميل، فأساس تنامي الحب وتجذره في قلوب الأسرة الواحدة ليكونوا كالبنيان المرصوص هما الأب والأم، لأن الحب بالقدوة والعدوى وبالغرس السليم؛ ليقطف ثماره الوارثين. إن الإرث لا يقتصر على دراهم وعقارات قط، فالحب إرث، والسمعة وحسن السيرة إرث، والعلم أيضًا إرث، والفضائل وحب الخير والتسامح إرث، وحب الناس وجبر الخواطر إرث، كما الشر وغلظة النفس وقساوتها.

لهذا حريُّ بكل رب وربة أسرة أن يكونوا نواةً صالحةً لأسرهم، كبنيان قوي صلب من الخارج، حانٍ متكافلٍ في الداخل، فإذا رأى الأبناء من آباءهم وأمهاتهم حنوًا ومواقف قويةً في شدائد أشقائهم وشقيقاتهم ومعرفة ما يحزنهم وما يجبر خاطرهم، سيكون هذا حال الأبناء معًا في صغرهم وكبرهم وفي ضعفهم وقوتهم، وفي فقرهم وغناهم ومرضهم وصحتهم، هي حسبنا دروس بالممارسة والقدوة، وحين رحيلهم عن الحياة سيتركون وراءهم خلفًا لن يضيّعوا إرثًا أو عوالق أو صلة رحم، وستنتقل حينها عدوى الحب ومبادلة التفقد والتواصل بين أبناء الأشقاء والشقيقات.

فاللهم ارحم آباءنا وأمهاتنا، من بنوا وأحسنوا البناء، وبارك بإخواننا وأخواتنا ولا ترينا فيهم ضعفًا أو باسًا، وأعنا على برهم ورد جميلهم، واكتب لبيوت المسلمين دوام الودّ والحب والوفاق.