بنفسج

"قناديل الرحمة"..محاولات شبابية لإنقاذ المصلى من التهويد

السبت 05 اغسطس

دأب الشباب الفلسطيني على حمل الهم الوطني، والدفاع عن المقدسات الإسلامية في القدس وغيرها من الأراضي الفلسطينية، تصديًا للحملات الإسرائيلية التي تسعى لتهويدها. وانطلاقًا من أهمية دور الشباب في ذلك، أطلقت مجموعة شبابية في مدينة القدس، مبادرة تحمل عنوان "قناديل الرحمة"؛ لإعمار مصلى باب الرحمة في المسجد الأقصى، وتعزيز الوجود الفلسطيني فيه.

وتسعى هذه المبادرة لحث أهالي الداخل الفلسطيني المحتل، وكل قادر للوصول إلى المسجد الأقصى المبارك، للصلاة والوجود في مصلى باب الرحمة على مدار العام، وعدم تجاهله خلال حملات الرباط في الأقصى في شهر رمضان وغيرها من الأيام، لا سيما أن الاحتلال ومستوطنيه يحاولون السيطرة عليه. ويحث مشروع "قناديل الرحمة" مرتادي المسجد الأقصى على قراءة ورد من القرآن الكريم داخل مصلى "باب الرحمة"؛ لتعزيز وجود المسلمين وتشجيعهم على البقاء فيه أكثر مدة ممكنة، وإقامة حلقات تحفيظ القرآن الكريم، والنشاطات والفعاليات فيه.

قناديل الرحمة: التأسيس

باب الرحمة.jpeg
مصلى باب الرحمة

ولم يغيّب القائمون على المشروع دور التكنولوجيا في نشر مبادرتهم وتعزيزها، لتشجيع المشاركين فيها؛ فقد وظفوها من خلال تطبيق "تليغرام"، بحيث يُرسل المشارك موقعه عند دخوله المصلى إلى "بوت" على التطبيق، ومن ثم يختار الجزء الذي ينوي تلاوته.

كما يسعى المشروع أيضًا إلى تعريف الناس وتوعيتهم بأهمية المكان، في ظل توجه المرابطون إلى قبة الصخرة والمسجد القبلي، وإعلامهم بالمخاطر المحدقة به، ومساعي الاحتلال لتهويده والسيطرة عليه. وقد لاقى المشروع قبولًا كبيرًا من أهالي الداخل المحتل والفلسطينيين بشكل عام، إذ أصبح المصلى عامرًا بالمرابطين من خلال إقامة الصلوات فيه، وتنظيم حلقات حفظ القرآن الكريم، وجلسات تلاوته.

ويبلغ ارتفاع باب الرحمة 11 مترًا ونصف المتر، وهو باب مزدوج يتكون من بابين، هما التوبة والرحمة، يتم الوصول إليهما عبر النزول على سلالم طويلة. ومن المنطقة الواقعة خارج السور تقع مقبرة باب الرحمة الإسلامية التي دُفن فيها العديد من صحابة الرسول محمد -عليه الصلاة والسلام-، لعل أبرزهم عبادة بن الصامت وشداد بن أوس.


اقرأ أيضًا: في التاريخ والهوية والقضية... 5 روايات تحكي فلسطين


واستمرت سلطات الاحتلال في إغلاق المصلى الذي يقع في الجهة الشرقية للمسجد الأقصى، لمدة 16 عامًا في وجه المصلين، حتى اندلعت ما تسمى "هبة باب الرحمة" في شباط/فبراير عام 2019؛ فنجح الفلسطينيون في إجبار سلطات الاحتلال على فتحه مجددًا، ورفع الأذان وإقامة الصلوات فيه.

وبعد نجاح المقدسيين في إعادة افتتاحه، عمدت شرطة الاحتلال على التضييق على الفلسطينيين فيه، فقد شنت حملة اعتقالات طالت أي شخص يفتح المصلى في الصباح الباكر، وبدأت باعتقال حراس المسجد الأقصى خلال فتحه، وإبعادهم لمدة تتراوح بين 4 و6 أشهر، فتطوّع المصلون بعد ذلك لفتح الباب ليتعرضوا للاعتقال والإبعاد، لمدة استمرت لما يقارب الستة أشهر.

تضيقات الاحتلال

قناديل الرحمة1.jpg
مبادرة قناديل الرحمة

وخلال تلك الفترة، اقتحمت شرطة وضباط الاحتلال المصلى عدة مرات بالأحذية، كما اعتقلت المصلين من داخله وحاولت، بكل السبل، التضييق عليهم، لتنجح سلطات الاحتلال في إصدار قرار من المحكمة بإغلاق المصلى، ولكن لم يُنفذ. ويواجه المصلى كغيره من المقدسات الدينية في القدس والمدن الفلسطينية مخاطر كبيرة من الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين، وجماعات الهيكل المتطرفة، لمحاولة تهويده والسيطرة عليه، وصولًا إلى هدمه وإقامة هيكلهم المزعوم.

كما تمنع سلطات الاحتلال الفلسطينيين من ترميم وإعمار المسجد الذي يعاني منذ سنوات من تغلغل الرطوبة فيه، ما أدى إلى ظهور تشققات وانهيارات في مستوى التربة في محيطه، مما ينذر بكارثة حقيقة قد تصل إلى هدمه. وخلال خطوات الاحتلال للتضييق على المصلين، فقد جرى مضاعفة نقاط المراقبة فوق المصلى وجانبه، ومراقبة رواده وعرقلتهم والتضييق عليهم.


اقرأ أيضًا: فن العمارة في استقراء التاريخ: قصر السيدة طنشق المظفرية في القدس


إلى جانب ذلك، يعاني المصلون في المصلى من ضعف في شبكة الكهرباء والإنارة، وعدم سماح سلطات الاحتلال بإدخال بعض المستلزمات اللازمة للمصلى من سواتر خشبية ورفوف للأحذية. وضمن مساعي تهويده أيضًا، لا تزال جماعات المستوطنين المتطرفة تؤدي الصلوات التلمودية قربه، وفي الناحية الشرقية من المسجد.

تاريخ مصلى باب الرحمة

hlgrv-1.webp
بعض المشتركات في مبادرة قناديل الرحمة

وعن تاريخ المصلى ومكانته الدينية، فقد بني المصلى على يد الأمويين قبل نحو 1300 عام، ليكون بابًا مشتركًا بين سور القدس والمسجد الأقصى الشرقي، ولاصقه مصلى باب الرحمة الذي يتكون من بابي "التوبة" و"الرحمة"، اللذان يفضيان إلى قاعة كبيرة مقببة تحملها أعمدة رخامية. وأغلقه صلاح الدين الأيوبي بعد تحرير القدس لدواع أمنية، ومن ثم حوّله إلى مكان للصلاة حتى الفترتين المملوكية والعثمانية.

وواجه المصلى تحديات وتضييقات كبيرة في ظل الاحتلال البريطاني؛ فقل رواده ومصليه، بالرغم من بقائه مفتوحًا حتى العهد الأردني، إلى أن احتُلت فلسطين عام 1967. وفي عام 1992 أصبح المصلى مقرًا للجنة التراث الإسلامي، حيث شهد حينها انتعاشات لافتًا بعد إقامة العشرات من الفعاليات الدينية والاجتماعية في رحابه، إلى أن أغلقه الاحتلال بالكامل في العام 2003 بعد حظر اللجنة.


اقرأ أيضًا: الأماكن الأثرية في فلسطين: شهادة على أحقية الأرض


أما عن ترميم المصلى؛ فقد منع الاحتلال ذلك منذ فتحه وحتى يومنا هذا، بالرغم من أن المصلى بحاجة ملحة إلى الترميم الداخلي والخارجي؛ إذ يتسرب منه ماء المطر شتاء، ما يزيد من الرطوبة في جدرانه، ويهددها بالانهيار. كما يحتاج المصلى إلى صيانة شبكة الكهرباء، وتصحيح الإضاءة وإزالة الكوابل الممتدة في أنحائه، إلى جانب إنشاء قنوات للماء في محيط المصلى.

وقد تعرضت أجزاء من الطريق الجانبية الملاصقة للمصلى والسور الشرقي إلى هبوط في البلاطات ومستوى التربة، ما يهدد أجزاء من المصلى بالانهيار إذا استمرت سلطات الاحتلال في تسويف ومنع الترميم.