بنفسج

حواري القدس: أن تعيش الذاكرة وتكتب الحكاية

الإثنين 22 مايو

أسكن في حواري القدس العتيقة منذ فترة طويلة، في تلك الأزقة المليئة بعبق التاريخ، وعراقة الماضي وأصالته. أرى الأطفال حولي يكبرون ويترعرعون في بيوتٍ صغيرة قديمة جدًا مليئة بالدفء، عُمّرت وجُددت أكثر من مرة؛ لتناسب نمط الحياة الحديث وتصبح قابلة للعيش والسكن. تقوم بهذا التحديث جمعيات؛ لتسهل على الناس حياتهم وتمكنهم من البقاء فيه والعيش داخل البيت، وتحمل وطأة الأعباء المالية والضرائب الكثيرة التي تفرض على أهل القدس عمومًا.

عبق الحارات العتيقة 

كان فسيح جدًا بالنسبة لسكان الحارات العتيقة،  فأزقة البلدة القديمة صغيرة ضيقة، ومساحات اللعب للأطفال فيها محدودة وغير شاسعة، بل ضيقة جدًا.

يتوجب عليك المشي لمدة قصيرة ما لا يزيد عن ثلاث دقائق إن كنت تقطن في الأحياء القريبة جدًا من المسجد الأقصى؛ لتعانق تلك الساحات الممتدة والأشجار الخضراء الطويلة لتتسلل إلى روحك الراحة. 

تشعر كأنك قد دخلت إلى متنزة، أو مكان للراحة والهدوء والاستجمام. فترى الأطفال يلعبون في الساحات طول اليوم. وترى، في زوايا متعددة، الناس يقرؤون، يتسامرون، يلتقون فيه ويتجمعون، ومنهم من يحضر معه طبخته ليتناولها في الساحات الفسيحة مستمتعًا بالجو الروحاني المليء بالسكينة والراحة النفسية.

ينادي المنادي بصوتٍ صادح بالأذان الله أكبر الله أكبر، هذا صوت المسجد الأقصى، نحاول قدر الاستطاعة الصلاة فيه في أغلب الوقت؛ فهو المتنفس الأول لسكان البلدة القديمة في القدس، تعد ساحاته الممتدة على طول 144 دونمًا، وتأخذ تقريبًا ما مساحته سدس مساحة البلدة القديمة، مكانًا فسيحًا جدًا بالنسبة لسكان الحارات العتيقة، حيث أن أزقة البلدة القديمة صغيرة ضيقة، ومساحات اللعب للأطفال فيها محدودة وغير شاسعة، بل ضيقة جدًا.


اقرأ أيضًا: ثلاثية غرناطة: نقرأ الأندلس وعيوننا ترمق القدس


يتوجب عليك المشي لمدة قصيرة ما لا يزيد عن ثلاث دقائق إن كنت تقطن في الأحياء القريبة جدًا من المسجد الأقصى؛ لتعانق تلك الساحات الممتدة والأشجار الخضراء الطويلة لتتسلل إلى روحك الراحة وتشعر كأنك قد دخلت إلى متنزة، أو مكان للراحة والهدوء والاستجمام. فترى الأطفال يلعبون في الساحات طول اليوم. وترى، في زوايا متعددة، الناس يقرؤون، يدرسون، يتسامرون، يلتقون فيه ويتجمعون، ومنهم من يحضر معه طبخته ليتناولها في الساحات الفسيحة مستمتعًا بالجو الروحاني المليء بالسكينة والراحة النفسية.

هكذا ينشأ الفتية والفتيات في حواري القدس والبلدة القديمة، يكبرون وقد اعتادوا ارتياد المسجد الأقصى في مختلف الأوقات، للقاء الأصدقاء، للصلاة، للعب، للجلوس وحتى في أحيان كثيرة للمشي والركض والسباق.

أطفال القدس

القدس3.jpeg
يكبر أطفال القدس في حوراي البلدة القديمة ويشهدون على تنغيصات الاحتلال 

وفي داخل المصلى القبلي ومصلى قبة الصخرة تُعقد دورات لتحفيظ القرآن وتفسيره وتجويده في فترات مختلفة من النهار، فتجد مجموعة من الفتية أو النساء أو الرجال يقرؤون ويرتلون ويجودون آيات القرآن بشكل مسموع وهم يجلسون في حلقات، فتتسلل تلك السكينة إليك وأنت تحوم حولهم، وتجد نفسك وكأنك في خلايا نحل تعمل بجدٍ ونظام وتفانٍ تام.

على زوايا كل باب من أبواب المسجد الأقصى هنالك مجموعة من الجنود يقفون دائمًا بشكل مستفز، قد يعرقلون سيرك ويسألونك أسئلة عديدة عن مكان سكنك ولماذا أتيت هنا؟ وماذا تريد؟ وقد يمنعوك من الدخول هكذا عنوة بدون أي سبب وبلا أي مبرر.

فيكبر الأطفال ويشبون في حواري القدس العتيقة على التضييق والقهر والعذابات المتكررة، تمارس على أبواب المسجد الأقصى وفي أزقة مختلفة من البلدة القديمة، وحتى على أبواب البلدة القديمة من الخارج؛ فقد تُطوّق البلدة القديمة وتُغلق ويمنع الناس من الدخول إليها أو الخروج منها، حتى ممن كُتب على هوياتهم بأنهم من سكانها لحجج أمنية واهية، أو بسبب أحداث أمنية غير حقيقة ووهمية، أو بسبب أي اشتباه، أو هكذا، لأجل التضييق والتعنيف والقهر والذل لا أكثر!

 وقد حدث هذا الأمر لسنوات في الماضي، وهو ليس بأمر مستحدث حتى كتب الشاعر تميم البرغوثي في مسابقة أمير الشعراء قبل زمن عن هذا الحدث، وقال (في القدس صلينا على الإسفلت). وفعلًا كم فعلناها وافترشنا الأرض خارجًا وصلينا على الإسفلت! بسبب تقييدات العمر وعدم السماح لنا بالدخول للمسجد الأقصى وباحاته، أو حتى للبلدة القديمة ممن لم يسجل عنوان السكن على هوياتهم بأنهم من سكانها.

قد تقف خلف الأبواب ولا تتمكن من الدخول فجأة دون تحضير مسبق، أو حتى تبقى بالداخل لا تستطيع الخروج أيضًا هكذا فجأة، فتتعطل مصالح الناس لساعات طوال حتى يقرر الاحتلال فتح أبواب البلدة القديمة، وقد تحصل تقييدات لعمر من يدخل ويخرج إلى البلدة القديمة والمسجد الأقصى من الرجال والنساء في أيام الجمع وغيرها،  فيجب أن يكون الزوار فوق أربعين أو خمسين عامًا.

 وقد حدث هذا الأمر لسنوات في الماضي، وهو ليس بأمر مستحدث حتى كتب الشاعر تميم البرغوثي في مسابقة أمير الشعراء قبل زمن عن هذا الحدث، وقال (في القدس صلينا على الإسفلت). وفعلًا كم فعلناها وافترشنا الأرض خارجًا وصلينا على الإسفلت! بسبب تقييدات العمر وعدم السماح لنا بالدخول للمسجد الأقصى وباحاته، أو حتى للبلدة القديمة ممن لم يسجل عنوان السكن على هوياتهم بأنهم من سكانها.

التضييق على المقدسيين

سوق البلدة القديمة.jpeg
السوق في البلدة القديمة

بتقييدٍ وتضييقٍ وذل وقهر، نكمل حياتنا اليومية في القدس فينشأ فتياننا وفتياتنا في هذا الجو من عدم الأمان، وهم يرون ممارسات الاحتلال في الساحات وعلى الأبواب، بدون شرحٍ ووعظ كثير عن الاحتلال، يدرك الأطفال بشكل ملموس وواقعي من خلال الأحداث اليومية التي يرونها بأم أعينهم معنى الوطن، وكيف يمارس الاحتلال الصهيوني على أبناء هذه الأرض الكثير من العنف والترويع ويرتبط الأطفال أكثر وأكثر، بحب الأرض ورفض الانصياع للاحتلال وأجنداته؛ فتارة يعمل على الاستيلاء على البيوت، وتارة يحضر الاحتلال أوراقًا ثبوتية مزورة لبعض البيوت والمحال بهدف الاستيلاء عليها.

 وتارة يقوم بعمل لعب خبيثة وصفقات مع ضعاف النفوس حتى يستولي على بيوت متفرقة في أنحاء البلدة القديمة، وتارة يروع الأطفال في مدارسهم، ويعمد على تغيير المنهاج الفلسطيني في المدارس العربية التابعة للسلطة الفلسطينية في القدس وضواحيها، يرى الأطفال الظلم والقهر بأم أعينهم، فيشبون على حب الأقصى والارتباط به عقديًا ووطنيًا، ويشبون على حب الارض والوطن ويلعنون سجانها مع كل لحظة قهر ألف مرة.


اقرأ أيضًا: مرابطات عن بعد: هنا القدس بتوقيت النساء


يكبر أطفالنا على فكرة أن هذه الأرض محتلة، وأن مغتصبها جبانٌ خائف خانع، فلا يتجول أحد من الصهاينة منفردًا في البلدة القديمة إلا نادرًا،  وغالبًا يكون معهم عساكر وجنود، ورجال أمن، فهم قد عدموا الوسيلة في الحفاظ على أمنهم، وإلا لمشوا لوحدهم وتجولوا بلا حراسة، وبلا خوف ورعب يعلو تقاسيمهم.

حمى الله هذه الأرض المباركة، وكسر قيدها ورفع كلمتنا فيها عاجلًا غير آجل، ورفع الله قدر المرابطين فيها الذين يحتملون الذل والقهر ولا يغادرونها ويعقدون نية الرباط في كل لحظة، حتى لا ينال منها الأعداء، فاللهم فرجًا عاجلًا قريبًا.