بنفسج

أسمى طوبى.. قافية الناصرة وصوت القدس

السبت 08 أكتوبر

أديبة وشاعرة ومذيعة، تركت بصمة قوية في ميدان العمل النضالي، وفي ميدان الأدب والشعر، فكان نتاج سنوات جهدها كتبًا وضعت نتاج خبرتها فيها، وتركتها إرثًا لأجيال بعدها، أسهمت في تثقيف المرأة العربية؛ فهي من أوائل المذيعات في الإذاعة الفلسطينية "هنا القدس" التي تأسست عام 1936، صعدت على منبر الإذاعة ووجهت حديثها للمرأة في برنامجها "حديث إلى الأم العربية" التي ركزت فيه على ثلاث خصال يجب أن تتوافر في تربية طفل وهي؛ الصدق، الواجب، الشرف. تحب الشعر منذ طفولتها؛ فكتبت العديد من القصائد، وسطع نجمها في المسرح الذي لم تطل تجربتها به، سيدة من طراز فريد، كلما دخلت مجالًا أثبتت جدارتها بجهدها وبحثها من عالم الشعر والكتابة وحتى رئاسة الاتحاد النسائي الفلسطيني في عكا.

بنفسج تعرض في هذا التقرير سيرة السيدة أسمى رزق طوبي الشاعرة والمذيعة والأديبة الفلسطينية التي كانت تؤمن بقوة الأدب، فقالت في مقال "أدب الميوعة والإفساد": "آمنت بالأدب الخالي من المخدرات.. اللازم لكل عصر، خاصة لعصر النهضات كعصرنا هذا.. أدب نهدهد به أطفالنا ليناموا. أدب يذود عن الحمى المستباح. أدب هو رسالة الحرية الفكرية والغيرة الوطنية والجرأة الأدبية. نعم بالأدب قوة ووحيا، لأن أنشودة واحدة حطمت الباستيل.. وخطبة من أنطونيوس جعلت الشعب الثائر على قيصر القتيل شعبًا ثائرًا له".

| النشأة وعالم الكتابة

انفوجراف أسمى.jpg
السيرة الذاتية للكاتبة أسمى رزق طوبى

أسمى رزق طوبي المولودة في مدينة الناصرة عام 1905، تزوجت من إلياس خوري، ونتج عن زواجها ابنتها سلوى، ووالدها كان شاعرًا فترعرعت الفتاة الصغيرة بين معلقات الشعر العربي، وتعلمت أصول الشعر وبحوره والإلقاء من أبيها. درست في المدرسة الإنجليزية في الناصرة، حيث كانت شغوفة بتعلم اللغات، فطورت من نفسها وتعلمت ذاتيًا اللغتين الإنجليزية واليونانية، بعد زواجها تركت مسقط رأسها، وانتقلت لمدينة زوجها عكا، ودرست هناك القرآن الكريم لكي تتمكن من اللغة العربية بشكل جيد.

شق طريق المسرح في قلبها طريقًا محفوفًا بالأفكار، فكانت من أوائل من دخل مفترق الطرق هذا، وكتبت للمسرح في الحقبة الزمنية التي سبقت النكبة، وشهدت أسمى النهضة المسرحية التي شهدتها فلسطين في العشرينيات، في العام 1925 عُرضت أول مسرحية لها، والتي كانت بعنوان "مصرع قيصر روسيا وعائلته" وهي مكونة من خمس فصول، حيث عُرضت في مدينة عكا، لم يتوقف إنتاجها المسرحي، بل واصلت السير وكتبت "أصل شجرة الميلاد"، "صبر وفرج"، "نساء وأسرار"، "شهيدة الإخلاص"، "واحدة بواحدة"، "قمار". يُشار إلى أن أغلب مسرحياتها مُثلت على خشبة المسرح سواء في المسارح العامة أو المدرسية في فلسطين ولبنان.

الشاعرة الفذة نظرت للأدب نظرة مغايرة، فاعتبرته ركيزة قوية للنهضة والتغيير، وعكفت على التجديد في الكتابة الأدبية من حيث المعنى والبناء الشعري، شعرها كان نثريًا أو ما يُعرف بـ "شعر التفعيلة". في الأربعينيات في مدينة عكا، كتبت مؤلفًا بعنوان "المرأة العربية في فلسطين"، وهي دراسة في أعمال المرأة ونضالاتها.

أما حب الشعر الذي ورثته من والدها كان له نصيب كبير من إنجازاتها، فأبدعت وهي تكتب سطور الشعر الحرة، فنشرت أشعارها في كتاب "حبي الكبير" عام 1972، والذي زُين غلافه بخارطة فلسطين، حيث احتوى على 38 قصيدة، قدمت من خلال أشعارها القضية الفلسطينية وكتبت عن جراح ما بعد النكبة والتهجير، وتحدثت عن العودة والغربة والتضحية في سبيل الوطن. ولم تنس أن تؤرخ في قصائدها مراحل عمرها المختلفة.

الشاعرة الفذة نظرت للأدب نظرة مغايرة، فاعتبرته ركيزة قوية للنهضة والتغيير، وعكفت على التجديد في الكتابة الأدبية من حيث المعنى والبناء الشعري، شعرها كان نثريًا، أو ما يُعرف بـ "شعر التفعيلة". في الأربعينيات في مدينة عكا، كتبت مؤلفًا بعنوان "المرأة العربية في فلسطين"، وهي دراسة في أعمال المرأة ونضالاتها، وقد أرسلتها إلى المطبعة، لكن لم يبزغ كتابها للنور بسبب النكبة الفلسطينية، فغادرت الوطن مرغمة إلى لبنان تاركة كتابها.

كتب أسمى طوبى.jpg
كتب أسمى طوبى

نأتي للكتاب الذي نال من وقتها حيث بدأت فيه في أوائل الستينات، وأُصدر في عام 1966 وهو "عبير ومجد" حيث يعتبر من أهم المراجع عن المرأة الفلسطينية، وبين دفاته مقابلات مع نساء من شتى الميادين ومن كل الأقطار، فجمعت سير الشهيدات ومن رحلن منهن، فكتبت حكاية وتجربة كل منهن، وقيل أن هذه التجربة النسائية الأولى في ميدان "التأريخ الشفوي".

وفي قصيدتها "صغير حامل سل" عرضت صرخة ألم للأطفال الذين يعانون الشقاء في الحياة من الواقع المرير بأسلوب قصصي. أما في قصيدة عام جديد، تحدثت فيها عن الحنين لطفولتها في البلاد، والهروب من الواقع، والخوف من الغد المجهول وكلها أمل في الرجوع إلى الوطن. وأيضًا كتبت العديد من النصوص النثرية منها "الفتاة وكيف أريدها"، "وعلى مذبح التضحية"، اللتان نشرتا في عكا، و"عبير ومجد" عام 1966، والتي نشرتها في بيروت بجانب مجموعة مقالات بعنوان "نفحات عطر".

اتجهت الكاتبة أسمى أيضًا إلى فن ترجمة الكتب ونجحت فيه بجدارة، فكان ذوقها الأدبي عاليًا في اختيار المؤلفات، حيث ترجمت عام 1946 رواية "الابن الضال" للكاتب الإنجليزي هول كير، ورواية في الطريق معه عام 1960، كما اختارت عشرات الحكايات من المجلات التي تنشر القصص الحقيقية وكتبتها بقلمها وبطريقتها، وجمعتها في كتاب أسمته "الدنيا حكايات".

| العمل النضالي

الاتحاد.jpg
الاتحاد النسائي العربي

بالتزامن مع عالم الأدب والشعر والكتابة، خصصت أسمى وقتها للمشاركة في القضايا التي تخص الوطن، فأسهمت في المشاركة في تأسيس جمعيات نسوية واتحادات، وكان لها دور في "لجنة السيدات العربيات" التي أسستها رقية الكرمي في عكا بعد ثورة البراق، حتى أُغلقت في عام 1948، ومع تطور العمل النسائي في مرحلتي الإضراب والثورة الكبرى 1936_1939 عكفت أسمى على مد المجاهدين بالأسلحة، ومساعدة الجرحى والإشراف على فرق الإسعاف الميداني.

كانت أسمى عضوًا فعالًا في اتحاد المرأة في مدينة عكا 1948_1929، وعضوًا في "جمعية الشابات المسيحيات"، وتولت رئاسة "جمعية الشابات الأرثوذكسيات"، وهدفت هذه الجمعيات إلى تمكين النساء والفتيات وتحسين أوضاعهن في كافة المجالات. بعد "المؤتمر النسائي الشرقي" الذي عُقد في القاهرة عام 1938 بدعوة من رئيسة الاتحاد النسائي المصري السيدة هدى شعراوي، تحوّلت الجمعيات واللجان النسائية في فلسطين إلى اتحادات. وتولت أسمى مسؤولية أمانة سر الاتحاد النسائي الفلسطيني في عكا، ثم تولّت رئاسته حتى النكبة، لم تنفك القائدة طوال مدة استلامها لمنصبها في الاتحاد عن تنظيم التظاهرات والاحتجاجات ضد الاستعمار البريطاني التي كانت تسير في مقدمتها.

| العمل الصحافي

أسمى طوبى ملزق.jpg
أسمى طوبى

عاشت أسمى معظم مراحلها في لبنان بعدما اضطرت لمغادرة فلسطين بسبب النكبة، فنزحت لهناك مجبرة عام 1948، وهناك أشرفت على تحرير الصفحة النسائية في جريدة "كل شيء" ومجلة " الأحد"، وحجزت لها مقعدًا في المؤسسات النسوية وقادتها. بدأت العمل في الإذاعة الفلسطينية "هنا القدس"، وهي من أوائل المذيعات العربيات، أولت المرأة اهتمامًا خاصًا، فكانت تقدم برنامجًا بعنوان "حديث إلى الأم العربية" لتتناول قضاياها فيه وما يؤرقها، وتسهم بتثقيفها. كما عملت في محطة "الشرق الأدنى" في يافا، وإذاعة "بيروت".

كانت تحرر الصفحة النسائية في جريدة "فلسطين"، قبل نكبة "1948"، وبعد لجوئها إلى بيروت حررت الصفحة النسائية في مجلة "الحياة" و"دنيا المرأة" الشهرية، حيث قدمت مواضيع حول المرأة والوطن، وألقت أكثر من خمسين محاضرة في مختلف الموضوعات، وعكفت على اختيار الضيوف من الوزن الثقيل. إضافة إلى نهاية؛ إذ كانت أسمى كانت تكتب مقالات منوعة وُعرفت بمقالاتها المميزة، حيث جمعت جميع المقالات المنشورة لها في كتاب "أحاديث من القلب" في بيروت عام 1955.

كما نالت السيدة أسمى وسام "قسطنطين الأكبر" من رتبة ضابط في سنة 1973، وكانت من أوائل السيدات في العالم اللواتي حصلن عليه، وافتها المنية عام 1983 في بيروت ودفنت فيها، ومُنحت بعد وفاتها وسام القدس للثقافة والفنون والآداب من منظمة التحرير الفلسطينية عام 1990.