بنفسج

سرقة المطبخ الفلسطيني... عندما تحتفي "إسرائيل" بأطباقٍ تكبُرها بقرون

الثلاثاء 01 اغسطس

لإثبات ملكية المُحتل للمكان، لا يكفي الاستيلاء على الأرض، وإخراج أهلها منها، فمهما مرّت السنوات ستبقى بصمات السكان الأصليين حاضرة، لذا كان لا بد من سرقة هذه البصمات أيضا، ولأجل ذلك فإن الصهاينة بدؤوا بمحاولات تغيير الحقائق منذ قرروا احتلال فلسطين، أي قبل نكبة عام 1948، ولهذا السبب، لطالما كان التراث الفلسطيني بكل أنواعه كان هدفًا للاحتلال.

المطبخ الفلسطيني التراثي، من أهم ما يبذل الاحتلال جهودًا لتهويده، وسرقة أصنافه، وإظهارها للعالم على أنها أطباق إسرائيلية، يفعل ذلك مع أطباق عمرها أضعاف أضعاف عمر دولته، باستخدام طرق ووسائل كثيرة. على سبيل المثال، ظهر رئيس وزراء الاحتلال بن يامين نتنياهو وهو يتناول الفلافل أكثر من مرة، وفي نيسان/أبريل الماضي نشر وزير خارجيته إيلي كوهين صورة بمناسبة ما يسمى "يوم الاستقلال"، على موقع "تويتر"، ظهر فيها حاملًا سندوتش فلافل يضيف إليه الطحينية، وأرفقها بعبارة: "فلافل مع بعض الطحينة. الأكثر إسرائيليةً، الألذ. عيد استقلال سعيد".

وبين حين وآخر، تنشر صفحات إسرائيلية ناطقة بالعربية على مواقع التواصل الاجتماعي وصفات لطبخات عربية وفلسطينية، مع وصفها بالإسرائيلية، وتخصص لبعضها أيامًا محددة للاحتفال، مثل الشكشوكة. وسيلة أخرى للسرقة، هي استغلال الأيام العالمية، مثل اليوم العالمي للحمص في 13 أيار/مايو؛ إذ يحتفل الاحتلال بالحمص بصفته "طبقًا إسرائيليا". وفي أوروبا، ثمة مطاعم تقدم الأطباق الفلسطينية على أنها "إسرائيلية"، ويتكرر الأمر في مؤتمرات الطعام العالمية.

"بنفسج" أعدّت هذا التقرير عن محاولات تهويد المطبخ الفلسطيني، وطرق سرقة أصنافه، ونتائجها وتأثيرها على الحقيقة، والجهود الفلسطينية للحفاظ على هذا النوع من التراث.

عدس: الترويج للمطبخ الفلسطيني هو جزء من الحفاظ على التراث بكامله

يتوافد المشاركون وأعضاء لجان التحكيم إلى مكان عرض أطباقها ليطلبوا المزيد، هذه اللحظة من أجمل ما يمكن أن تمرّ به الشيف نجود عدس؛ ففيها دلالة على طيب مذاق ما صنعت، وعلى جمال المطبخ الفلسطيني وإعجاب الناس به. في مشاركاتها داخل فلسطين وخارجها.
 
 تحرص عدس على تقديم أصناف فلسطينية، وتهتم أيضًا بالشكل، تستخدم أوانٍ تراثية، وأساليب تقديم مميزة، لتجعل الطبق فلسطينيًا شكلًا ومضمونًا، وتعطيه مظهرًا يجذب الناس نحوه، ليتعرفوا عليه، فيعرفوا حقائق أكبر من كونه مجرد صنف طعام.

يتوافد المشاركون وأعضاء لجان التحكيم إلى مكان عرض أطباقها ليطلبوا المزيد، هذه اللحظة من أجمل ما يمكن أن تمرّ به الشيف نجود عدس؛ ففيها دلالة على طيب مذاق ما صنعت، وعلى جمال المطبخ الفلسطيني وإعجاب الناس به. في مشاركاتها داخل فلسطين وخارجها، تحرص عدس على تقديم أصناف فلسطينية، وتهتم أيضًا بالشكل، تستخدم أوانٍ تراثية، وأساليب تقديم مميزة، لتجعل الطبق فلسطينيًا شكلًا ومضمونًا، وتعطيه مظهرًا يجذب الناس نحوه، ليتعرفوا عليه، فيعرفوا حقائق أكبر من كونه مجرد صنف طعام.

تفعل ذلك بدافع قناعتها بأهمية هذا السلوك، فهو "يساهم في حفظ الهوية الفلسطينية، والدفاع عنها أمام محاولات التهويد، ويمنح فاعله شعورًا بالانتماء والأمان"، كما تقول لـ"بنفسج".


اقرأ أيضًا: برائحة أُمَّهاتِنا: كيف صُنعتْ أكلات الحُب في عزِّ الشتاء؟


وتضيف أن الترويج للمطبخ الفلسطيني هو جزء من الحفاظ على التراث بشكل عام، ومن أساسيات توريثه للأجيال القادمة. تصنع أطباقًا فلسطينية خالصة، تقدّم بعضها بالشكل التقليدي، وتضيف للبعض تضيف لمسات عصرية؛ فتثير استغراب الحضور، يتساءلون كيف أعدّت صنفًا قديمًا بطريقة جديدة، مع الحفاظ على نكهته الأصلية! تطهو الزغاليل بالكستنة، وكرات المسخن، وأقراص الزعتر وخبز الصاج وغيرها الكثير.

عدس: المطبخ الفلسطيني يقاوم التهويد بعراقته

11-2.jpg

الدفاع عن المطبخ الفلسطيني مسؤولية لا تنزل عن كتف أي فلسطيني، بدءا من كل مواطن بشكل فردي، وصولًا للحكومة التي يجب أن تتحمل الدور الأكبر، أما الطهاة فعليهم دور يتمثل في "حفظ الموروث من خلال تقديم أطباق معاصرة بنكهات فلسطينية"، من وجهة نظر عدس.

ترى من خلال مشاركاتها الخارجية، أن معرفة غير الفلسطينيين بالمطبخ الفلسطيني جيدة، موضحة: "مطبخنا عريق جدًا، وذو نكهات مميزة، وهو حاضر بكل مكان وبكل زمان، وهو مطبخ أصيل يصعب تغيير حقيقته وجذوره رغم كل محاولات الاحتلال".


اقرأ أيضًا: مطبخ الأسيرات وأطباقُ "المنع الأمني"


محليًا، تلاحظ انتشار الوعي بالأمر، واهتمام المواطنين بإبراز العادات والأكلات التراثية، وهذا موجود في مختلف الفعاليات، مثل الاحتفالات، والمناسبات الخاصة كالأفراح، وأنشطة المؤسسات والمدارس، وغير ذلك، مؤكدة: "المطبخ الفلسطيني حاضر، ويفرض نفسه بمأكولاته".

وتحثّ كل من يتولى مهمة الطهي في أي مكان، سواء الطهاة في أماكن عملهم، أو الأمهات في البيوت، على المحافظة على النكهات الفلسطينية في طبخاتهم، والاهتمام بتقديم الأطباق بأسلوب تراثي. ولأجل ذلك، ولحرصها على ترك بصمة في كل عمل تقدم عليه، فإن عدس عندما أسست مشروعها الخاص، اختارت التراث أساسا له، فعلى الطريقة الفلسطينية تصنع الكعك والمعمول والقراقيش والزعتر.

جرادات: الاحتلال يهدف لسرقة الأرض وتفريغ شخصية الآخر من محتواها

 الدكتور إدريس جرادات، مدير مركز السنابل للدراسات والتراث الشعبي، يستهل حديثه عن الموضوع بما قاله المستشرق "فيليب حتي" في كتابه "تاريخ سورية ولبنان وفلسطين": "الشعب اليهودي رعوي بلا حضارة، وكلما دخلوا منطقة أخذوا حضارتها ونسبوها إليهم، يحاولون تزوير التاريخ لإثبات حقهم على هذه الأرض".

يقول جرادات في حوار مع "بنفسج": إن اليهود اتبعوا عدة أساليب عند احتلالهم فلسطين، البحث في باطن الأرض عن (الأنتيكة) لإثبات أي حق لهم، ثم الاستيلاء على ما فوق الأرض، وإن كل ما يفعله الاحتلال بحق فلسطين أرضًا وشعبًا، لا يهدف فقط للاستيلاء على الأرض، وإنما ثمة هدف آخر هو تفريغ شخصية الآخر من محتواها الوطني والديني والقومي والاجتماعي والإنساني".

الباحث الدكتور إدريس جرادات، مدير مركز السنابل للدراسات والتراث الشعبي، يستهل حديثه عن الموضوع بما قاله المستشرق "فيليب حتي" في كتابه "تاريخ سورية ولبنان وفلسطين": "الشعب اليهودي رعوي بلا حضارة، وكلما دخلوا منطقة أخذوا حضارتها ونسبوها إليهم، يحاولون تزوير التاريخ لإثبات حقهم على هذه الأرض".

يقول جرادات في حوار مع "بنفسج": إن اليهود اتبعوا عدة أساليب عند احتلالهم فلسطين، البحث في باطن الأرض عن (الأنتيكة) لإثبات أي حق لهم، ثم الاستيلاء على ما فوق الأرض، وإن كل ما يفعله الاحتلال بحق فلسطين أرضًا وشعبًا، لا يهدف فقط للاستيلاء على الأرض، وإنما ثمة هدف آخر هو تفريغ شخصية الآخر من محتواها الوطني والديني والقومي والاجتماعي والإنساني".

عن تهويد المطبخ الفلسطيني، يوضح أن التخطيط لهذا الأمر بدأ منذ "المؤتمر الصهيوني الأول" في بال بسويسرا عام 1897، مبينًا: "كتبٌ عدة تطرقت للأمر، ثم ظهرت المحاولات الجدية من خلال الجمعيات الاستشراقية وجمعيات الآثار والمتاحف".

ويبين: "الاحتلال استخدم الطعام والشراب ضمن محاولاته لربط جذور له بالبلاد لأنهما من الحاجات الإنسانية التي لا غنى عنها، ما يجعلهما مدخلًا مناسبًا لتزوير التاريخ".


اقرأ أيضًا: عن الزيتون: أكلات وحلويات ونصائح طبية


ويلفت جرادات إلى أن الاحتلال يستخدم العديد من الطرق والأساليب لسرقة المطبخ الفلسطيني، منها المشاركة في المعارض الدولية بأطباق فلسطينية على أنها أكلات يهودية، وطباعة صور هذه الأصناف على المغلفات وكتابة أسمائها بالعبرية، وافتتاح مطاعم في دول غربية تتبع نفس النهج، بالإضافة إلى تسويقها بين السياح.

ويشير إلى أن الإعلام من أهم أدوات التهويد، حيث يكثر الاحتلال من تغيير الحقائق المتعلقة بالطعام والتسويق عالميًا بقدرات إعلامية عالية. ومن أساليب التهويد أيضًا، وفق جرادات، تسويق الوجبات السريعة بين السياح على أنها إسرائيلية، مثل الفلافل والحمص، موضحًا أن "إسرائيل" تتوج جهودها هذه بتسجيل بعض الأصناف باسمها بشكل رسمي في مؤسسات عالمية.

ويُذكّر جرادات بما فعله الاحتلال بعد مجزرة الحرم الإبراهيمي عام 1994، حيث اتخذ منها سبيلًا لتهويد بعض الأصناف الفلسطينية، ليعطي الأمر غلافًا دينيًا، ما يجعل الإقبال عليه أسهل وأكبر، لافتًا إلى أن مطعمًا في مستوطنة "كريات أربع"، مكان سكن منفذ المذبحة "باروخ جولدشتاين"، باع شطائر باسم جولدشتاين واعتبر الناس تناولها تقربًا إلى الله، وقد حقق المطعم أرباحًا كبيرة، خاصة أن السياح توافدوا عليه أيضًا.

جرادات: الواقع لصالحنا ونحتاج خطة إعلامية

 

وعن المطلوب فلسطينيًا، يقول جرادات إن الدفاع عن المطبخ الفلسطيني مسؤولية عامة، مع الحاجة لبعض التوجيهات الحكومية، إذ من واجب كل فلسطيني أن يتحرك حسب قدراته وإمكانياته.

ويضيف أنه يتعين على المؤسسات والبرامج والهيئات الرسمية تسجيل الأكلات الشعبية الفلسطينية في "يونيسكو" لإثبات نسبها، وتنظيم مؤتمرات شعبية للصناعات الغذائية الفلسطينية، وعقد ورشات عمل وندوات ومحاضرات، وتنفيذ فعاليات تبادل الأطباق مع مختلف الدول في معارض الغذاء الدولية، بالإضافة إلى تشجيع إجراء الأبحاث والدراسات المتخصصة، وتدريب الأجيال الناشئة على صناعة الأطباق الشعبية.

وعن المطلوب فلسطينيًا، يقول جرادات إن الدفاع عن المطبخ الفلسطيني مسؤولية عامة، مع الحاجة لبعض التوجيهات الحكومية، إذ من واجب كل فلسطيني أن يتحرك حسب قدراته وإمكانياته.

ويضيف أنه يتعين على المؤسسات والبرامج والهيئات الرسمية تسجيل الأكلات الشعبية الفلسطينية في "يونيسكو" لإثبات نسبها، وتنظيم مؤتمرات شعبية للصناعات الغذائية الفلسطينية، وعقد ورشات عمل وندوات ومحاضرات، وتنفيذ فعاليات تبادل الأطباق مع مختلف الدول في معارض الغذاء الدولية، بالإضافة إلى تشجيع إجراء الأبحاث والدراسات المتخصصة، وتدريب الأجيال الناشئة على صناعة الأطباق الشعبية.


اقرأ أيضًا: " طبخات فلسطينية": تضرب بجذور الأرض وتُزيّن الموائد


ويتابع: "الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي من أهم الوسائل التي ينبغي استخدامها لتعريف العالم بالمطبخ الفلسطيني". ويقترح أيضًا تنظيم أسواق شعبية لهذه الأكلات، خاصة في البلدات القديمة في كل محافظة، لتشجيع الناس على زيارتها وتناولها، وبالذات في شهر رمضان، حيث تنشط هذه الصناعات.

ويؤكد على أهمية الرد على الاحتلال بالطرق الرسمية، من خلال الاعتراض لدى وزارات الخارجية ومنظمي المؤتمرات. ويرى جرادات أن الجهود الفلسطينية أثمرت، على نطاق واسع، في إثبات أحقية الفلسطينيين بالأطباق التي يحاول الاحتلال سرقتها، مبينًا: "الواقع الحالي لصالحنا، لكن ما نزال بحاجة لخطة إعلامية".