بنفسج

الأب العامل والأم العاملة: الأسرة إلى أين؟

السبت 13 يونيو

ايُحكى أن من رأى ليس كمن سمع، ويُقال -كذلك- أن العين ترى غير المقدور عليه على غير ما هو عليه. في كل الحالات فإن ما تحسبه في خاطرك شيئا، وما تنزل به إلى الأرض شيء أكثر صدقًا مما كنت تحسب له. ربما كان ذلك المدخل الذي دلفت منه الرأسمالية إلى الإنسان لتغريه بالبشريات ودعاوى الفردوس المفتوح، ليتحول الإنسان –تدريجيًا- من: "قيمتك هي ما تنتج من المال"، إلى: "قيمتك هي ما تستهلكه منه". وفي مضمار المادة تتحول قيمة الإنسان إلى ما يمكن أن تترجمه من أرقام.

 

من هذا النموذج ينطلق إنسان السوق، ومن هذا الإنسان اشتقّت الرأسمالية نموذج الفرد العامل، كما الترس في ماكينة الربح، فأنت تساوي مقدار المال الذي تنتجه، وقيمتك تتحدد بقدرتك على جلب المال. من هنا صُرف الرجل إلى المصنع عوضًا عن حرفته وتجارته، واُقتلِعت المرأة من بيتها إلى مطاحن الهواء، فيُستنزف الأول لأجل اللاقيمة، وتهجر الثانية ثغرها من ورائه في خضم المنافسة، وأي منافسة؟ لا أحد يدري!

 

 | السعادة الرأسمالية كاذبة

 

هذا المفهوم في تفسير القيمة هو ما ألقى بالأسرة خارج المركز، وهو ما جعل الرجل والمرأة على طرفي صراع، في حين أنهما من الأصل على طرفي التمام: هذا يكمل بتلك، وهذه تكمل بذلك.

 يرى المفكر الراحل "عبد الوهاب المسيري" أن فض الصراع الذكوري \ الأنثوي يكون بإعادة الرجل إلى مركزية الأسرة، لا بسحب المرأة هي الأخرى ومواجهته بها؛ لينهار البناء.

هكذا هو الطريق إذن، وذلك هو المنوال الذي تغزل عليه المادية نسيجها. وفي كتابه "الإسلام بين الشرق والغرب"، يذهب بك البديع "علي عزت بيجوفيتش" في مقارنة متأملة بين الأم والمرأة العاملة، وكيف أخرج السوق الأولى وحولها إلى الثانية تحت مسميات برّاقة لا تعبر في حقيقة الأمر عن شيء حقيقي، وكيف أن قيمة كالأمومة أصبحت سُبّة وشيئًا يعني الفراغ! ففي عالم السوق تكون قيمة العمل بقدر ما يدرّه من الربح، لا بقدر ما ينشئه من الذوات. ولكن في عالم الإنسان مفاهيم أُخَر، ومعطيات من نوع خاص.

 

هذا المفهوم في تفسير القيمة هو ما ألقى بالأسرة خارج المركز، وهو ما جعل الرجل والمرأة على طرفي الصراع، في حين أنهما من الأصل على طرفي التمام: هذا يكمل بتلك، وهذه تكمل بذاك. ففي كتابه عن حركات التحرير والتمركز حول الأنثى، يرى المفكر الراحل "عبد الوهاب المسيري" أن فض الصراع الذكوري/ الأنثوي يكون بإعادة الرجل إلى مركزية الأسرة، لا بسحب المرأة هي الأخرى ومواجهته بها؛ لينهار البناء.

      

فالقيمة الحقيقية تكون في تكامل الطرفين والتمركز حول ما خلق الله العباد أزواجًا لأجله، وإلا فما قيمة التنوع لو كان الجنسان أندادًا لا رفقاء؟ فربما تخبرنا الرأسمالية بأحلام وردية عن الـ"Supermen/women" القادرين على بناء الأسرة وتحقيق الثراء، ولكن الواقع يخبرنا في الحقيقة أننا لا نحتاج لكل ذاك لنكون سعداء، فقط يكفينا أن نكون بشرًا يتوادون ويجتمعون لأجل النسل الأخلاقي لا التكاثر البيولوجي كالحيوانات.

 

هو عصر المال، نعلم، ولكن ماذا لو تفكك الطرفان لأجله، فبماذا يجدي المال؟ ربما يحلو الكلام عن الأنثى وحدها –نقدًا كان أو تدعيمًا- ولكنّي لا أعلم لذاك سبيلًا دون اجترار الرجل إلى السياق، فالأمر لا يكون بالتناحر لإثبات الذات، والتناحر هنا لا يثبت الذات من الأساس، وإنما يكون بالتوافق والتناسق في الأدوار بقدر المستطاع، فلا الرجل وحده يمضي بسفينته، ولا المرأة بمفردها تفرد الشراع.


الرجل والمرأة –بقدر متناسب- مسؤولان عن الإنسان الذي ينتجانه. فإن شغلت الدنيا هذا، سحبته هذه إليها وإلى أسرته، لكن أن تخرج هي إليه في المضمار –لا لشيء إلا للتنافس- فهذا عين الاستهلاك في عجلة رأس المال. فالسعادة الرأسمالية كاذبة لا تُشبِع، ولكن السعادة الخاصة أبسط كثيرًا من خوارق القدرات. فلا يتطلب الأمر استقلالًا أو اعتمادية ذاتية لكل طرف منهما على نفسه، وإنما يتحقق باعتدال الأفهام وتناسق الإدراك، فيعي الطرفان أن العالم يقف على أكتافهما بالتشارك؛ حتى لا يدهسانه بأقدامهما عند السباق.