بنفسج

"عشر سنين"... حين تعود الفدائية لواجهة السينما المحلية

السبت 13 يونيو

سارت في عروق الحركة الوطنية الفلسطينية دماء أنثوية،  قدمت المرأة فيها تضحيات جمّة، فلن ينسى أحدنا الفدائية دلال المغربي، وآيات الأخرس، وريم رياشي، ودارين أبو عيشة، وغيرهن اللواتي تحدثت عنهن الأخبار والوثائقيات، لكن سيرتهن لم تتجاوز ذلك الحديث. لا ينكر مراقب أن الصورة السينمائية توغلت داخل وعي الإنسان، بل وأصبحت تؤسس لاختيارات وتفضيلات، وتحفيزات وتحيّزات، وتطلق حاجيات، وتحدث رغبات. وفي عصر الفرجة والمجتمع الاستعراضي، أصبحت الصورة تقيم معادلًا خياليًا للواقع، بل ويصبح الواقع –أحيانًا- انعكاسًا شاحبًا عن الصورة؛ فتكون الصورة هي الأساس وليس الواقع.

كما أمست الصورة سابقة للواقع ممهدة له. لذلك، كان لزامًا أن نستلهم من هؤلاء الفدائيات فدائيات جديدات؛  فمفاخرنا الوطنية لا حصر لها. لكن، كيف يمكننا أن نقدم صورة لنساء يعملن في سلك الثورة، وسط حالة التهميش في أدوار المرأة عبر السينما المحلية؟  لم يوضح الكادر السينمائي المحلي، حالة المواجهة لدى الفدائية، ودوافعها ومبرراتها وأهدافها المختلفة،  كما لم يُستوحَ من بطولتها نموذجًا سينمائيًا ماثلًا أمامنا؛ لنتفحصه، ونتعرف عليه بكل شفافية، الأمر الذي يقف عائقًا أمام تخليد قصص الفدائيات، وبقائها أثرًا تتناقله الأجيال، محفوظًا من التهميش والنسيان.

| وداعا للنمطية

فيلم "عشر سنين" أُنتج في غزة لمخرجه علاء العالول، حيث أعطى- لأول مرة دورًا رئيسًا لممثلة شابة في أفلام درامية طويلة،تبرز وجود المرأة في ميدان التصادم مع الاحتلال، بحيث رأينا المرأة ندًّا قويًا قادرًا على صناعة الفارق.
 
تتحدث قصة الفيلم السينمائي الممتدة في 120 دقيقة، عن محامية فلسطينية اسمها "حياة" يقع الظلم على أخيها الأسير في سجون الاحتلال، وتعمل بكل جهد حتى تصل إلى دليل يثبت براءته.
كسر فيلم "عشر سنين" الذي أُنتج في غزة لمخرجه علاء العالول، الروتين المهمش للمرأة في الأفلام المحلية، حيث أعطى- لأول مرة-  دورًا رئيسًا لممثلة شابة في أفلام درامية طويلة، تلامس الوعي الوطني، وتبرز وجود المرأة في ميدان التصادم مع الاحتلال، بحيث رأينا المرأة ندًّا قويًا قادرًا على صناعة الفارق.

فغالب ما أُنتج منذ تسعينيات القرن الماضي،  قولب المرأة وفقا لنمط معين، وأحاطها بهالة من قلة الحيلة السينمائية؛ ربة بيت بلا وظيفة، عديمة الطموح والأهداف، وغالبا ما تكون زوجة أو أختًا أو ابنة لشهيد أو أسير، وكأن قدر الفلسطينيات في الفن السابع أن يعشن بعيدًا عن التفاعلات الحقيقية، ومعترك صناعة الحدث صوتا وصورة.

فكانت البطولة الرئيسة دائما للرجال، بينما توضع النساء لإكمال سير الأحداث، دون أي وزن فعلي يؤثر غيابه أو وجوده على سرد القصة. أو مراعاة لكيفية تجسيد الدور الذي يعكس صورتنا أمام الجمهور الخارجي. يقول مخرج فيلم "عشر سنين" علاء العالول: "عندما كنا نكتب، لم نضع افتراضية أننا لن نجد ممثلة تحمل عبء القصة، خياراتنا تعددت ونفسنا الطويل أوصلنا لما نريد، بالرغم من أن الأمر كان شبيها بالمغامرة".

| إعادة الفدائية إلى الواجهة

 
عُرض الفيلم داخل قطاع غزة، لم تتخيل بعض النسوة الحاضرات أن يجلسن في قاعة مغلقة يتسرب إليها الضوء عبر شاشة كبيرة، ليشاهدن امرأة تشابههن في التركيب الفسيولوجي، لكنها تخالفهن في المبادئ والأفكار .
 

عُرض الفيلم داخل قطاع غزة، لم تتخيل بعض النسوة الحاضرات أن يجلسن في قاعة مغلقة يتسرب إليها الضوء عبر شاشة كبيرة، ليشاهدن امرأة تشابههن في التركيب الفسيولوجي، لكنها تخالفهن في المبادئ والأفكار.
في الواقع، كُنّ يشاهدن المرأة المختلفة عنهن، بينما عبر الشاشة اعتدن على صورة المرأة النمطية التي لا تخرج من البيت، وتعد الطعام، وتقلق على الزوج الغائب. ففآجأتهن –عبر الفيلم- شخصية "حياة"؛ المحامية العنيدة، والزوجة الطيبة، والأم الحانية، التي تتنقل بين مصر وغزة والضفة؛ لتبحث عن خيوط قصتها وقضيتها.

وعلى الرغم من مفآجأة شخصية "حياة" لبعض النسوة الحاضرات، إلا أن شخصيتها كانت مستوحاة من جزء لا بأس به من النسوة في فلسطين؛ اللواتي أنجبن نماذج فريدة من "حياة"، وأنجبن العديد من الفدائيات، أو كنّ أنفسهن الفدائيات، فهن اللواتي صنعن النموذج الذي ألهم السينما، لتُلهم من بعدهن النسوة النمطيات وتربأ بهنّ عن الانهزامية، قريبًا من الفدائية والثورة.

لم يكن الاختلاف في أبعاد الشخصية السينمائية -في فيلم عشر سنين- ضمن السيناريو فقط، بل تجاوزه إلى الأداء التمثيلي، الذي جسدته بطلة فيلم عشر سنين "آية أبو سلطان" في تجربتها الأولى. فتجدها امرأة تمارس الرياضة والحياة العائلية، وتسعى بجد نحو الحقيقة، وتمتلك قدرة الإقناع والحوار، مع تجرعها علقم الفقد المتتالي وامتلاكها المخاوف والأوجاع. ما ميّز سلطان أنها ممثلة "صادقة"، لم ينفر منها الجمهور، كما هو الحال مع أفلام سابقة تعثرت على عتبات التمثيل، بسبب التوزيع غير المناسب للأدوار من قبل المخرج.

| الاحتلال يلفظ القوة الناعمة

تتخلى حياة عن مهنتها كمحامية بعد قتل الاحتلال لنجلها الأكبر إضافة إلى الشاهد الوحيد في القضية، لأنها شعرت أن الاحتلال لا يفهم إلا لغة القوة بعيدًا عن القانون ودهاليزه.
انتقلت "حياة" في محطات العذاب المختلفة، كما اقتضى تصاعد أحداث الفيلم المنبثقة من انعكاس الواقع المؤذي؛ الذي يبعثره الاحتلال هنا وهناك.

تتحدث قصة الفيلم السينمائي -الممتدة في 120 دقيقة-، عن محامية فلسطينية اسمها "حياة"، يقع الظلم على أخيها الأسير في سجون الاحتلال، وتعمل بكل جهد حتى تصل إلى دليل يثبت براءته، لكن الاحتلال يمنع وصول الدليل إليها، ويحبس شقيقها ظلمًا.

تتخلى حياة عن مهنتها كمحامية بعد قتل الاحتلال لنجلها الأكبر إضافة إلى الشاهد الوحيد في القضية، لأنها شعرت أن الاحتلال لا يفهم إلا لغة القوة بعيدًا عن القانون ودهاليزه.

انتقلت "حياة" في محطات العذاب المختلفة، كما اقتضى تصاعد أحداث الفيلم المنبثقة من انعكاس الواقع المؤذي؛ الذي يبعثره الاحتلال هنا وهناك. وفي كل مرة كان العذاب يترك ندوبًا في ذاكرتها، لتقرر في النهاية محو تلك الندوب، وسحق الهيمنة والظلم.

| صورة ومعنى

أنصفت اللقطات البصرية  بمختلف أحجامها  تناغم الأحداث في فيلم "عشر سنين". على سبيل المثال اقتربت الكاميرا من "حياة" وهى تبكي ووضعتنا في عمق الحزن الذي أصابها لفقدان ابنها. كذلك، دارت معها الكاميرا حيث تدور، ثبتت الحركة في مواقف القرار الحاسم، لم تكن حركة الكاميرا عشوائية أو بغرض جمالي فقط، بل ساعد التصوير على رواية القصة، والتعاطف مع الشخصيات. بمعنى آخر أدى الوظيفة المناطة به، كان فيلما مريحا للعين مع إيلامه للقلب.

احتوى الفيلم على حكاية ذات جوانب مختلفة. نرى فيها نماذج اجتماعية مختلفة؛ كزوج مساند لقرارات زوجته، وطفل ذي مراس صعب، ويهودي شرقي مساند للفلسطينيين، ونماذج لأصدقاء في وقت الشدة، وأطفال محبّين للقراءة، جميعهم قدمتهم الصورة بأبعادهم المختلفة. يقول العالول مخرج الفيلم: "صورنا بكاميرا بلاك ماجيك السينمائية، دخولها لغزة استغرق وقتًا، كلفتها تجاوزت آلاف الدولارات، ولأجل الحفاظ على جودة الصورة قمنا بشرائها".

فيلم "عشر سنين"، الذي أنتج عام 2017، تمكن صانعوه من الحفاظ على جودة مضمونه عدا عن جودة الصورة. عُرض الفيلم في أقدم دار عرض سينمائية في القطاع المحاصر بعد ثلاثة عقود على إغلاقها، وتمكن صانعوه من إضافة محتوى بصري غني بمضمون جيد، إلى باقة الأفلام التي تتناول حق الفلسطيني في الدفاع عن نفسه. حقاً لقد كان فيلمًا استحق بجدارة أن تشاهده العائلة الفلسطينية في قاعة مظلمة.